تواجه المصارف السويسرية ضغطاً من مصلحة جباية الضرائب الأميركية التي تسعى إلى خنق العالم المالي السويسري، بينما يحاول المسؤولون السويسريون المشرفون على إدارة القضايا الضريبية الكانتونية، تهدئة الأوضاع مع الأميركيين. واعتبروا أن أي خطأ يرتكبونه قد يكلف المصارف السويسرية غرامات تتجاوز تريليون دولار، وفي حال التعامل باستخفاف مع المطالب الأميركية، يُتوقع أن تصاب تجارة المصارف السويسرية في الأسواق الأميركية بانتكاسة غير مسبوقة في تاريخ الأسواق المالية الدولية. ويستهدف الضغط الضريبي الأميركي المصارف السويسرية التي تنتمي إلى فئة صنفها الأميركيون بالفئة الثانية وتشمل نحو 106 مصارف سويسرية. ولافت أن مصلحة تنظيم الأسواق المالية في سويسرا (فينما) متضامنة بالكامل مع حكومة واشنطن، ما ينذر بحرب مالية داخلية هدفها الإطاحة ب «فينما» لمصلحة تأسيس مؤسسة أخرى أكثر ميولاً إلى مصالح المصارف ورجال الأعمال في سويسرا. ولا يشمل الضغط الأميركي إجبار المصارف السويسرية على الإفصاح عن المعلومات المتعلقة بزبائنها الأميركيين الأغنياء فحسب، إنما تذهب الملاحقة القانونية الأميركية إلى حد أبعد يتمثل في فرض ضريبة على كل حساب رجل أعمال أميركي في برن تراوح قيمتها بين 20 و50 في المئة من الأموال المودعة. وفي المقابل، يحصل المصرف السويسري، إذا ما امتثل لكل الأوامر الأميركية، على تسوية تُعرف باسم «نون بروسيكيوشن أغريمنت» تعفيه من ملاحقات قانونية مستقبلية. ويتخوف مراقبون مصرفيون من أوضاع المصارف السويسرية المصنفة أميركياً بالفئة الأولى، والتي تشمل 14 مصرفاً سويسرياً، من ضمنها أكبر مصرفين هما «كريديه سويس» و «يو بي اس»، إذ إن التوصل إلى تسوية مع هذه المصارف معقد جداً ويحتاج سنوات، كما أن هناك احتمالاً لفرض غرامات، خصوصاً على أكبر مصرفين سويسريين، قد تتجاوز 15 بليون فرنك سويسري (16.8 بليون دولار). وأفاد خبراء في جامعة «برن» بأن الوجه الثاني من الانتقام الأميركي يتمثل في تقويض أعمال «الأوف شور» التابعة للعالم المصرفي السويسري، الذي يعتبر رسمياً ملاذاً ضريبياً بامتياز. وتتغاضى حكومة واشنطن عن ولادة ملاذات ضريبية أخرى، معظمها يستوطن في القارة السوداء. وبالنظر إلى المصارف السويسرية الأخرى، المصنفة أميركياً بالفئتين الثالثة والرابعة والذي يغيب عنها في صورة شبه كاملة أي تواجد للزبائن الأميركيين، يلاحظ أن موعد حصول حكومة واشنطن على المعلومات عن أنشطة هذه المصارف الداخلية والخارجية، ناهيك عن وضع ملفات الزبائن الأميركيين الذين يشكلون نحو 5 في المئة فقط من إجمالي الزبائن، مُدّد حتى نهاية السنة. ولم تسفر المناوشات بين المصارف السويسرية ومصلحة جباية الضرائب الأميركية، حتى الآن، عن تفعيل ملفات دفع الغرامات وتسليم لوائح الزبائن الأميركيين في سويسرا. فالمصارف السويسرية لم ترسل بعد أي لائحة بأسماء زبائنها الأميركيين وتحركاتهم. ويبدو أن الضغوط الأميركية بدأت تتعثر قليلاً ربما لأنها تحتاج إلى دعم مباشر من البيت الأبيض، علماً أن أي انتقام على شكل إغلاق أعمال المصارف السويسرية في الولاياتالمتحدة في حال لم تمتثل الأخيرة للضغوط الأميركية الضريبية، سيقابلها تأسيس خط دفاعي سويسري-أوروبي سيعاقب بورصة «وول ستريت» وفروع المصارف الأميركية في القارة القديمة. وبدلاً من التركيز على الأسواق المالية الأميركية، ثمة ميل واضح لنقل أعمال المصارف السويسرية إلى كل من أميركا اللاتينية وأفريقيا عبر تحالف استراتيجي مع رجال أعمال آسيويين.