تعاني السرية المصرفية السويسرية ضغوطاً يزيد ثقلها يوماً بعد يوم، فقانون الامتثال الضريبي الخاص بالحسابات المصرفية الخارجية للأميركيين (فاتكا)، أقوى سلاح ابتكرته مصلحة الجباية الأميركية لملاحقة الأغنياء الأميركيين في الخارج، من جهة، وخلخلة الأنظمة المصرفية غير الأميركية، ومن بينها السويسرية، وإلحاق الأذى بها. وتشير وزيرة المال السويسرية ايفيلين فيدمر- شلومف في مقابلة مع «الحياة»، إلى أن سويسرا لا تعترض على إبلاغ أي دولة من دول العالم عن حال ودائع مواطنيها في المصارف السويسرية. وتوضح أن تحصيل الضرائب لمصلحة أي دولة خارجية مرحّب به شرط ألا تمس إجراءات الجباية الراحة التي ينعم بها الزبائن الأجانب في المصارف السويسرية. إلا أن تقديم لائحة بأسماء هؤلاء الزبائن مستحيل الآن. بمعنى آخر، يحتاج الأمر إلى موافقة الزبون، وفي هذه الحالة الزبون الأميركي، قبل أن يبادر المصرف السويسري إلى تسليم المعطيات المتكاملة إلى السلطات الأميركية. وإلا فإن اسمه يبقى مجهولاً ولا يُعرف عنه إلا حسابه المصرفي، العادي أو المشفّر. ولا يوجد حتى الآن أي نظام تبادل معلومات آلي مباشر وشفاف بين سويسرا والولاياتالمتحدة. وتقول الوزيرة: «سويسرا تتبادل المعطيات مع دول الاتحاد الأوروبي منذ عام 2004، على أساس مداخيل المواطنين الأوروبيين وودائعهم في المصارف السويسرية مرة كل سنة من دون أن تحوي اللائحة أسماء إنما أرقام حسابات مصرفية بحتة». وتضيف: «يمكن الإدارة الأميركية تعقّب المعطيات الخاصة بالعمليات المالية الدولية، لمواطنيها في الخارج، من طريق «سويفت»، أي جمعية الاتصالات المالية العالمية بين المصارف، ومراكز حساب بطاقات الائتمان الدولية، لكن بعض الأنظمة المصرفية الموازية، التي لا يمكن الكشف عنها، بدأت تلعب دوراً في حماية كل من يرغب في نقل رؤوس الأموال سراً». وأشارت إلى أن حسابات الشركات بغض النظر عن جنسيات أصحابها، لا تدخل في أي اتفاق ضريبي لا مع دول الاتحاد الأوروبي ولا مع الولاياتالمتحدة. وتتمسك فيدمر- شلومف بنظرية لا بد من درسها عن كثب، إذ إن تبادل المعلومات المصرفية آلياً يرتكز وفق النظرية على أساسين. من جهة، يجب تبادل المعلومات بين الأسواق المصرفية كافة من دون استثناء. ومن جهة أخرى، في حال قررت سويسرا مع دول أخرى، كشف أسماء الزبائن الأجانب في مصارفها، عندها على الدول التابعة للنظام المصرفي الدولي أن تخطو الخطوات السويسرية ذاتها، مع إعطاء معلومات دقيقة عن الأصول الحقيقية التي يملكها كل متعامل. وقالت: «إذا لم تعتمد هذه الآلية فسنجد أنفسنا أمام أسواق مصرفية تتبادل المعلومات بدقة حول زبائن المصارف في أسواق مصرفية معينة، كما هي الحال بين سويسرا وأوروبا أو سويسرا والولاياتالمتحدة، بينما لا تبالي بذلك دول أخرى، ما سيولد تنافساً مباشراً سيخنق أكثر من 50 في المئة من هذه الأسواق الدولية لمصلحة أسواق ستسعى إلى استقطاب الأغنياء والمافيويين بكلفة تنافسية زهيدة». وعلى رغم أسفها لخسارة حليفتين مهمتين لسويسرا، هما لوكسمبورغ والنمسا اللتان وقفتا في وجه الإدارة الأميركية لسنوات، وما لبثتا أن رضختا لضغوط الإدارة الأميركية. وترى الوزيرة السويسرية أن هندسة المعايير الدولية لتبادل المعطيات المصرفية يجب أن تمر عبر منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي. فسويسرا عضو في هذه المنظمة ويمكنها تبادل الآراء في شأن تحديث آلية تبادل المعلومات المصرفية على نحو أفضل، في حين تواجه سويسرا صعوبات مع دول الاتحاد الأوروبي، الذي لا تنتمي إليه. ومع أن لوكسمبورغ ستنضم في عام 2015 إلى كتلة الدول الأوروبية التي وافقت على إعطاء الإدارة الأميركية لوائح عن المواطنين الأميركيين الذين يملكون حسابات مصرفية أوروبية، تشكك فيدمر- شلومف في التحاق سويسرا بهذه الدول قريباً. وحتى لو وافقت سويسرا على تسليم السلطات الأميركية قوائم بأسماء الزبائن الأميركيين للمصارف السويسرية، فإن الأمر لن يشمل كل دول العالم، إذ إن الحكومة السويسرية وفق شروط محددة، ستوافق على تبادل هذه المعطيات مع عدد معيّن من الدول. وتستبعد الوزيرة أن يشمل تبادل المعلومات هذه دول آسيا والشرق الأوسط. ما يعني أن سياسة التعامل مع زبائن المصارف السويسرية سيتغير، بين جنسية وأخرى. فالدول التي ستُبرم مع سويسرا اتفاقات ضريبية سترى مواطنيها من أصحاب الحسابات المصرفية السويسرية، في مواجهة دفع ضريبة مزدوجة، الأولى في وطنهم الأم والثانية في سويسرا حيث ستفرض المصارف المحلية عليهم ضرائب اعتماداً على قيمة ودائعهم. أما تلك الدول، التي لا تنتمي إلى أي اتفاق ضريبي مع سويسرا، فإن زبائنها في المصارف السويسرية سيعيشون حياة هنيئة. وتشير الوزيرة إلى أنها تأمل في أن تكون سويسرا ودول اليورو قوة واحدة أمام الولاياتالمتحدة لتقف في وجه الضغوط غير المبررة التي تمارسها الولاياتالمتحدة بحق المصارف الأوروبية والسويسرية، لا بل إن الأمور ذهبت إلى ما بعد الضغوط كي تتحول إلى تهديدات بعزل أي مصرف، أوروبي أو سويسري عن النظام المالي العالمي في حال عدم تسليمه لائحة حول أسماء الزبائن الأميركيين، إلى مصلحة الجباية الأميركية. وتأمل فيدمر- شلومف في أن تتفهم الإدارة الأميركية ظروف السيولة المالية الصعبة التي تعاني منها مصارف القارة القديمة. وتقول: «لو نظرنا إلى كمية المعطيات المصرفية المطلوب إبرازها على السطح، لوجدنا أن ما ستأخذه الولاياتالمتحدة من المصارف الأوروبية والسويسرية أكثر كثيراً مما ستقدمه أميركا لحكومات دول القارة القديمة من معلومات قد تساعد بدورها وزارات المال الأوروبية والسويسرية في تحصيل الضرائب من مواطنين أوروبيين وسويسريين، أودعوا أموالاً مشكوكة المصدر في مصارف تابعة لملاذات ضريبية أميركية كنيفادا ومقاطعة ديلاوير».