تأتي في طبيعة حالات الطلاق بين ذوي الطباع الحادة، سواءً أكانت صفة لدى أحد الزوجين أو كليهما، قضية عدم التضييق على الضحية إن كان في مواجهة حالة شرسة عدائية تمارس الظلم والتعنيف الجسدي والقولي دورياً وتمتهن إذلال الزوجة وتحقيرها وتحويل المنزل إلى كتلة من الجحيم. في هذه الحالة لا يمكن أن تُدفع الزوجة الضحية الفاقدة لأي قدرة ردع معنوية أو مادية لمنع الضرر، فيشار عليها ب«الصبر»، في حين أنّ قراءة مسار الوضع المستقبلي لمثل حالات العنف والتحقير من شخصيات تكاد تكون مريضة سلوكياً إن لم يكن نفسياً تُعطي مؤشراً واضحاً بأنّ الخلاص من هذا الوحش الزوجي أسلم وأكمل وأكثر استقراراً للضحية زوجةً وأبناءً ومهمة المؤسسات الرسمية الاجتماعية والقضائية والمحيط الاجتماعي للعائلة هو العمل على تيسير إمكان الوصول إلى بر الأمان لهذه الأسرة الضحية والمساعدة على استقرار العلاقة بين الجاني وبين أبنائه وزوجته بعد الطلاق أو الانفصال للتهدئة وضمان عدم التعدي واستمرار علاقة الأب بالحسنى مع بنيه، كما يبقى الطلاق أيضاً خياراً راجحاً لبعض الحالات غير المنسجمة كلياً لتباين الطبائع وتعسّر تكاملها، وقد استكملت المحاولات للتصحيح ولم تنجح ولها فرص استئناف أفضل مع الحياة الزوجية الثانية للرجل والمرأة. لكنّ هناك حالات عدة ربما تجد مساحة كبيرة من القدرة على تجاوز خلافاتها الحادة، التي لا تصل للمستوى العنفي الشامل الذي ذكرناه، لكن لديها طبائع وأمزجة حادة، ومع ذلك فإن بالإمكان ومع ذات المسار الذي ذكرناه، أي المعالجة الذاتية بين الزوجين، أن تتحقق نجاح رحلتهم الحياتية والزوجية من خلال منظور المصالح المشتركة ورغبة كِلا الطرفين في العبور بالعائلة إلى بر الأمان وهي تعتمد على إيمان الشريكين أولاً بضرورة التنسيق في هذه الحياة وأنّ هذا هو الخيار الأفضل لهما ولأطفالهما والثاني يعتمد على مسارين الأول تفهم كل طرف للطبيعة المزاجية للآخر، وهذا لا ينفي ضرورة أن يعمل كل منهما بحسب حاجته لتعديل سلوكه وتلطيف تمرده المزاجي أو حدية طبعه - فالحلم بالتحلّم – لكنّ ذلك لا يُلغي أهمية تجنّب الزوجين الاحتكاك اللفظي حين طفرة الطبع الحاد أو اصطدام مزاجه وترك الأمور لكي تهدأ وتشجيع المبادرات الطبيعية للانشغال بالحديث العام أو المناسبة العابرة لتجاوز الأزمة أو في حالات تجنّب التلاقي الموقّت حتى تهدأ الحالة النفسية. أما المسار الثاني فهو يُشابه المفاوضات السياسية بين الزوجين، وفي كل الأحوال فان إدارة الأسرة هي سياسة اجتماعية والمقصود أن يُسجّل الطرفان ويضمران مصالح الاستقرار ويعززان طرحها في ضميرهما للمساعدة في تعزيز الاستقرار، ومن خلال هذه السياسة المتحدة ومع مرور السنين حين يستشعر كلٌ منهما إمكان تعزيز العلاقة فان هذه السياسة تكون طبعاً بين الزوجين فتتعزز الشراكة ويتعوّد كلٌ منهما على صاحبه ويكون الأقدر في فهم شخصيته ما داما متفقين بأنّ هناك إمكانية لنجاح الحياة الزوجية والسعادة بها وعبرها مع وجود اختلافات لكنّها خلافات تَترك مساحة للشراكة الزوجية السعيدة في مقابل حالة طلاق أو انفصال تتعقّد فيها حياتي الشريكين وتتصاعد خلافاتهما ويكون الأطفال عنوان المعاناة. * باحث وكاتب سعودي. [email protected] حالات «الانفصال» تتصاعد إلى أرقام «مخيفة» الإصلاح الأسري والمفاوضات الزوجية... الهروب من انشقاق المجتمع داخلياً خلافات الزيجات الحديثة