لأننا مجتمع غير ملائكي.. هناك الكثير من البيوت الزوجية تتفكك بعد عشرة طويلة أو بسيطة، وهناك أسباب كثيرة للطلاق، منها عدم التفاهم واختلاف الطبائع وتباين الاخلاق، فقد يطلع أحد الزوجين بعد الزواج على خلق سيئ في الآخر، لا يتحقق معه التواد والتراحم والسكن المنشود، وإنما التعرض للايذاء من أحد الزوجين تجاه الآخر، في دينه أو شخصه أو بدنه، دون أن يمكن ثني المؤذي عن أذاه.. وقد يصاب أحد الزوجين بمرض عضال، يعجز الطب عن علاجه، ولا يقوى الآخر على احتماله أو يتبين عقم أحد الزوجين، فتصبح الحياة الزوجية بلا معنى أو غاية. والطلاق بسبب عدم التوافق بين الزوجين واختلاف الطبائع وعدم التفاهم وتباين الأخلاق قد يحدث مع وجود أبناء في سن صغيرة.. هذا الموضوع يمس قاعدة عريضة من الأسر المصرية تصل الى ثلاثة ملايين أسرة، وتظهر بعد الطلاق مآسٍ كثيرة لا تعد ولا تحصى، في مقدمتها فشل التربية وما يصاحب ذلك من المضاعفات السيئة التي تصيب الأطفال والتي لا تقل في سوئها عن اخطار الطلاق الذي كثيرا ما يتسبب في تشتيت الصغار ويحرمهم من البيت الطبيعي، ويجعلهم يعيشون في جو بارد محبط مؤلم قد يمزق شخصياتهم ويصيبهم ببعض الأمراض النفسية الخطيرة، فالعناد غير مفيد، والتنازل ليس بعيب وليس بإهدار للكرامة، وإنما هو ذكاء يستطيع من خلاله الشريك ان يحقق ما لا يستطيع تحقيقه باتخاذ قرار حيوي وشائك مثل قرار الطلاق، وإنما يكون الضحية فيه هم الأطفال. ويبدو أن الطلاق بسبب هذا الاختلاف يستمر الصراع فيه طويلا فيما يتعلق بحق الرؤية والحضانة والاستضافة، ويبرز اهتمام الطرفين الحاضن وغير الحاضن ويتفنن كل طرف منهما في كيفية عكننة الآخر.. ويحدث تعنت وعناد متبادل بين الطرفين، فيما يتعلق بحق الرؤية والاستضافة، وهنا لا نلوم طرفا دون الآخر، لأن الرجل له حق والمرأة كذلك ولكن على الزوجين العاقلين ان يفكرا كثيرا وبصدق عندما لا يريد أحدهما إكمال مشوار الحياة مع الآخر، خاصة أننا في مجتمعنا لا نعرف كيف نتعامل مع الطلاق، ولا يوجد عندنا ثقافة الطلاق لتسوية النزاعات الأسرية. وقد أجمع الخبراء على ان الأطفال هم المتضررون من انهيار العلاقات الزوجية، حيث يؤثر سلبا على عملية تنشئتهم الاجتماعية وفي بناء الشخصية السوية، ويفقدون الشعور بالأمان، ولا يحصلون على حاجاتهم الطبيعية من الشعور بالراحة والاستقرار والطمأنينة وهي عصب عملية التنشئة. ومع غياب تلك الثقافات تتراكم الأحقاد وتصبح ثقافة العنف الطريق الوحيد والأمثل لحل نزاعات كثيرة. لقد حضرت ندوة مؤخرا حول: قانون الرؤية والحضانة.. والمصلحة الفضلي للصغير، قام بتنظيمها المركز المصري لحقوق المرأة بالتعاون مع المجلس الأعلى للشئون الاسلامية واستمرت ثلاث ساعات، وقد ظهر من بداية الندوة الاحتقان الشديد من كلا الطرفين الحاضن وغير الحاضن أثناء عرض وجهة نظر كل طرف في موضوع الرؤية والحضانة والاستضافة. خرجت من الندوة وعندي انطباع ان أكثرية الزوجين المنفصلين ليس لديهم فنون التعامل مع تبعات الطلاق، خاصة تجاه الأبناء الصغار فهنا يجب على المنفصلين الآتي: أولا: تبسيط مفهوم الطلاق للأطفال وأنهم ليسوا سببا فيه وتوضيح مشاعرهما تجاه أبنائهما، وان الطلاق لا يؤثر في علاقتهم بهما.. لان قمة الألم في الطلاق عندما يتحول الطفل الى غنيمة في معركة المطلقين والمطلقات فكلاهما يريد الحصول عليه.. بالامكان أن نجعل الطلاق ناجحا إذا استطاع الأب والأم السيطرة على اثار الطلاق السلبية باحتواء الطفل بالحب والحنان والاهتمام وتوفير الاستقرار النفسي ليشعر الطفل بالأمان والطمأنينة، بالزيارات المرتبة بين الأب والأم والأقارب. أقول ذلك لأن هناك اجماعا من علماء التربية والصحة النفسية والاجتماع والدين على أهمية الأبوين في تربية وتنشئة الطفل الاجتماعية خاصة دور الأم الرئيسي في التنشئة المبكرة، وابراز دورها في السنوات الأولي من حياته كنقطة انطلاق لنموه وتطوره جسديا وفكريا، وان عدم الاشراف على الأولاد من قبل الوالدين واهتزاز الأسرة وعدم استقرارها يعطي مجالا لهم للعبث في الشوارع والتشرد والانحراف. إن المعضلة الكبري التي يواجهها المطلقون هو عدم محاولة فهم أدوارهم بعد الطلاق، حيث ان حرص معظم المطلقين ينصب على كيفية إلحاق المزيد من الاضرار بالطرف الآخر. ثانيا: ينبغي على المؤسسات والجمعيات الأهلية المهتمة بالشأن التربوي في مجتمعنا تنظيم دورات لتدريب وتأهيل الآباء والأمهات على أسس التربية والرعاية، وأن تلعب الدولة دورا في حماية الصغار من أبويهم في حال الانفصال وان تكون القرارات المتعلقة بهم في يد القضاة أو هيئة مستقلة متخصصة وأن تكون القرارات سريعة وناجزة. كما يجب أن تشمل الدورات فنون العلاقات الزوجية التي تساعد الشباب على ان يتزود بمقومات الاستقرار الأسري من خلال علاج اختلاف الطبائع بين الزوجين وفهم لكل طرف واحتوائه وكيفية إدارة الحوار الناجح بين الشريكين. ثالثا: مع نشأة وزارة للأسرة والسكان أقترح أن تقوم بالتعاون مع الجهات المعنية الأخري بايجاد حل موضوعي وواقعي لظاهرة الطلاق للحد منه عن طريق التوعية الثقافية الأسرية لدي الشباب المقبل على الزواج من أجل الوقاية والحماية لتجنب الاشكاليات التي تعوق مسيرة الزواج، والتدريب على كيفية تكوين علاقات زوجية ناجحة، وعلى جانب آخر اعادة التوافق النفسي للمطلقة والعمل على دمج المطلقة في المجتمع سواء بالانضمام الى العمل الاجتماعي والجمعيات الخيرية أو بتشجيعها على إكمال دراستها وممارسة هواياتها.