لعلنا نُدرج ما ذكرتَهُ بعض الدراسات في عوامل الطلاق إلى ثلاثة مسارات مهمة الأول وهو الأكثر شيوعًا بحسب الإحصاءات حداثة الأزواج في التجربة الزوجية ومتطلباتها، والثاني السلوك الخاطئ في التعامل، أو الأطباع الحادة لأحد الزوجين أو كليهما، والثالث الضغوط الاجتماعية والحياتية التي تهاجم العش الزوجي، أو تحيط به لعوامل مادية، أو بشرية، وسأبدأ بالمسار الثالث بحكم إمكانية تكراره مع كلا المسارين الأولين، إنّ مفهوم الزواج هو عقد شراكة إنسانية كبرى، أجل الله عظمته، بحيث يجعل سورة من القرآن تتحدث عن تفاصيله، وتُركّز نصوص الوحيين على عِظم كارثة الانفصال والتحذير منه، والتبغيض فيه إلى آخر حدٍ ممكن، ولكن مع ذلك وخلافًا للفكرة الأرثوذكسية فهو يجعل فرصة لإنسانية الفرد (امرأة ورجل) ليعيش حياة استئناف أُخرى، ولا يربطهما برابط جبري يقضي على حياة أي من الزوجين، ويلغي الحياة الزوجية وكل مميزاتها باستكمال مسمّى الزواج، لكن في ثوبين إنسانيين عدائيين لبعضهما، فيفقدون فرص استئناف الحياة تحت جبرية الإلزام دون أي حب، أو ود، ولا حتى مصالح مشتركة. أردنا أن نبين هذه القضية حتى لا يختلط الأمر بحيث أن يُصار إلى التحريم العملي للطلاق، ولولا مشروعيته وضرورياته للحياة لبعض الحالات لم يُشرّع ويخطئ بعض القضاة حين يُعقّد كل حالات الخلع، والطلاق دون استثناء، خاصة إذا كانت المرأة في محل اعتداء دائم عاشته لسنوات، كما يخطئ البيت، وأسرتا الزوجين والمؤسسة الاجتماعية المحيطة خطأً فادحًا حين يتساهلون مع تسهيل قضايا الطلاق، أو الانفصال الأولي. إن أحد العوامل المهمة لتجاوز قضية الدفع الشديد للتأزم بين الزوجين تتلخص في مقدمة وثلاثة عناصر مهمة هي: ضرورة لتجاوز المشكلات الزوجية، وبالتالي حماية البيت، أمّا المقدمة فهي الخروج من ثنائية الخطأ عليه أم عليها، وخاصة في مسار أزمات الزوجين ذوي التفاهم سابقًا وهذه ليست هروبًا من المسؤولية لكنْ تقدير حقيقي للضغوط الاجتماعية، فإيمان الزوجين بأن بعض الضغوطات حتى خارج المنزل، أو احتياجات العصر السريعة، أو إشكاليات العلائق الإنسانية المتعددة في محيط الزوجين العملي والاجتماعي كلها عناصر تجعل كلا الزوجين يدرك أنّ هناك ضغوطًا على صاحبه، وليست المسألة تطوّعًا باستفزاز، أو صراعًا حتى لو لجأ ظاهريًّا لذلك، أمّا الأول من العناصر فهو قضية الانسحاب الشجاع حين تنعدم فرص الحوار، أو التفاهم فإن الانسحاب من الجدل وليس رفض التفاهم أمرٌ مهم، ونقصد بالانسحاب اللطيف المعتذر، وليس الاحتجاجي المتحدي وذلك مطلوب من الزوج والزوجة أيّهما أكثر شجاعة فليتقدم، والثاني إدارة العقل الذهني للحياة الزوجية، واستذكار عناصر الطرف الآخر الإيجابية، وأن ما يرد من سلبيات أمرٌ طارئ أو هو الأقل مقابل الايجابيات، ثم الانطلاق إلى دائرة أكبر في التفكير والتسجيل الخطي الإيجابي إلى المصالح الإنسانية المشتركة بينهما.. ما الذي يجعمنا..؟ وهل يساوي الخلاف ضريبة التفرق..؟ طبعًا دائمًا نحن نتحدث عن المسار الثالث في حالات الخلاف أو الانفصال الذي ذكرناه في المقال السابق. أمّا العنصر الثالث فهو التقدم بعد هذه الحصيلة للمعالجة جزءٌ منها حواري، وليس بالضرورة أن يكون الحوار مباشرًا وشاملاً في كل شيء، فيكفي التقاط خيوط ورسائل ودية بين الزوجين، يعرف كلاهما رسالة الآخر الإيجابية، فالإغراق في التفاصيل ليس إيجابيًّا، المهم إعلاء مبدأ القبول والتراضي بينهما، وعدم الوقوف عند كل خلاف حتى مع اختلاف وجهتي نظريهما، والتقدم نحو التعزيز الإيجابي هذه الخلاصة خروج من مآزق زوجية عديدة، قد يكون وعيها منقذًا من قرار متعجل بهدم بيت، وتوتير مستقبل الأطفال، وخسارة استقرار كان بالإمكان أن لا تحدث لو أطلقت نظرات العقول أمام نزوات العواطف. [email protected]