في مثل هذا الوقت من عام 1976 قطع المغرب علاقاته الديبلوماسية مع الجزائر، على خلفية اعترافها ب «الجمهورية الصحراوية». احتاج الأمر إلى أكثر من وساطة عربية ودولية لمعاودة تطبيع لم يراوح ضفاف الحذر. ومن وقتها التزم البلدان سياسة أقرب إلى تجاهل بعضهما الآخر. لكن في سياق مواجهات تشتد وتلين على إيقاع ما يتفاعل، ثم يضاف إليها هاجس الحدود وتباين المقاربات إزاء التحديات الأمنية الإقليمية. ولم يذهب أحد في غضون ذلك إلى ضرورة قطع العلاقات الديبلوماسية ولم يلجأ البلدان إلى دعوة سفيريهما للتشاور على رغم كل أشكال التصعيد. ومع أنه لم يبق من سمات الحوار الديبلوماسي سوى رفع علمي البلدين على سفارتيهما في الرباطوالجزائر، فإن ضبط النفس كان التزاماً مشتركاً كي لا ينهار كل شيء دفعة واحدة. 28 شباط (فبراير)، رمز القطيعة السابقة، مرت هذه السنة بأقل مقدار من التوتر، كونه جاء في أعقاب مد جسور الحوار بين البلدين. واتسعت الآمال لتشمل العواصم كافة المغاربية باعتبار أن ما يفيد المغرب والجزائر ينسحب مباشرة على الوضع الإقليمي الذي أصبح أكثر قابلية لاستيعاب أن الخلافات العالقة مثل بعض الأمراض، يمكن التعايش معها عبر جرعات الدواء والرقابة الدائمة. كما كان يصعب على الجزائر أن تبدو في حوارها مع المغرب وكأنها تقايض حيال مسألة نذرت لها سياسات ومواقف، فقد كان يصعب على المغرب أن يشطب ملف الصحراء من أية ترتيبات تطاول العلاقات مع الجزائر. إذ لولا هذه القضية لظلت علاقاته مع الجزائر خالية من أسباب التوتر. وثمة مثال صارخ في تعاطي البلدين مع الإشكالات المرتبطة بالملف يكمن في صمود وقف النار منذ عام 1991 لسبب أساسي هو أن الجزائر باعتبارها البلد الذي يستضيف مقاتلي جبهة «بوليساريو» وفّت بالتزاماتها إزاء عدم إطلاق أي رصاصة من فوق أراضيها. والحال أن المغرب حرص في مقابل ذلك على احترام الوضع القانوني للمنطقة العازلة شرق الجدار الأمني. وأكد الجزائريون مرات عدة أنهم لا يمكن أن يخوضوا حرباً مع المغرب بسبب قضية الصحراء. غير أن استثناء الحروب بواسطة الأسلحة لا يلغي مجالات أخرى لصراعات متبادلة تكون أحياناً أشد وطأة من فرقعات السلاح. إلا أن البلدين توصلا أخيراً إلى إمكان وضع هذه المؤشرات السلبية في الخلف. وهذا في حد ذاته تطور يشي بدرجة عالية من النضج. إذ يعلن الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة أن بلاده ستواصل تشجيع الطرفين على مواصلة الحوار في كنف احترام الشرعية الدولية، فإن ذلك يتماشى وقرارات مجلس الأمن التي تمنت على بلدان الجوار التعاون مع الأممالمتحدة وفيما بينها لإنجاح المفاوضات. وبصرف النظر عن مفهوم الجوار فإن الجزائر وموريتانيا شاركتا في كل جولات المفاوضات تحت عباءة الأطراف المعنية بطرق مباشرة أو غير مباشرة ما يعني أن دورهما يتجاوز إسداء النصح. المفارقة أن موريتانيا حين تذهب إلى طاولة المفاوضات حول الصحراء لا يثير موقفها الحيادي أي لبس، وأكثر ما يطلب إليها أن يظل حيادها سنداً لتضييق فجوة الخلافات. في حين أن وضع الجزائر يكون مختلفاً. أكان ذلك على صعيد التأثير في مسار المفاوضات أو بالنسبة إلى وجود المنتسبين إلى جبهة «بوليساريو» على أراضيها. ويحضر في هذا النطاق أن قرارات مجلس الأمن تمنت على الجزائر المساعدة في إحصاء اللاجئين الصحراويين، بخاصة أن الطلب لم يوجه في أي وقت إلى موريتانيا مع أنها تؤوي أعداداً كبيرة من المتحدرين من أصول صحراوية. أقرب إلى تشجيع مسار المفاوضات أن تنزل الجزائر بثقلها من أجل المساعدة في بلورة معالم حل تاريخي يتجاوز الحسابات كافة التي تراكمت على امتداد عقود عدة. وبكل وضوح ليس مطلوباً منها في ضوء التحولات الجارية سوى أن تترك المغرب و «بوليساريو» يستنفدان آخر الطلقات. وقتذاك لن يصبح للأرقام والتواريخ أي معنى. وسيصبح 28 شباط مجرد حدث عابر في سماء علاقات منفتحة على كل أشكال التعاون وتكريس السلم والاستقرار.