عبدالعزيز محمد الخاطر قطري من مواليد منتصف الخمسينات، حاصل على بكالوريوس علم اجتماع وماجستير إدارة، هو كاتب في جريدة الوطن وناشر في جرائد عربية عدة، ومواقع إلكترونية حول الشأن المحلى والعربي والخليجي وفى الفكر عموماً.. له كتاب صدر أخيراً تحت عنوان «البقاء على قيد الكتابة». يجد الخاطر أن الكتابة في مدونته الشخصية تسجيل لموقف ورأي لا يخضع لسقف معين، ويرى أن الخليجيين يعيشون ثقافة مأزومة في تقديسها للماضي ولثقافة كبير العائلة، ويحذر من هذا النمط الثقافي الذي يلبس حزاماً ناسفاً لا يعرف متى ينفجر، ويرى أننا أسأنا للدين حين حملنا اسمه ولم نحمل رسالته كمنقذ للبشرية، ويدعو إلى ضرورة وجود فلسفة تجعل من السلطة مسؤولية، كتلك المسؤولية التي أبكت عمر بن الخطاب! ويرى أن التلويح بنظريات التغريب والمؤامرة مجرد حجة لغياب الحرية، وأن التجنيس الفوضوي في الخليج سيجلب كارثة على المنطقة، ككارثة عدم تجنيس من ولدوا ونشأوا على هذه الأرض، وفي الدراما العربية يجد أنها ما زالت تلعب على مكبوتات المجتمع العربي وتضخمها، لتدعمها الأنظمة السياسية لأن في ذلك استمراراً لديمومتها. فإلى الحوار. هل تجد أن الكتابة من خلال المدونة الشخصية تمنح الكاتب رضاً قد لا يجده في الكتابة الصحفية ؟ - الكتابة في المدونة الشخصية بالنسبة لي هي تسجيل موقف ورأي، وأحياناً إبراء ذمة حول قضية ما ترى الصحافة الرسمية أحياناً ضرورة إبقائها تحت سقف معين أو رؤية معينة. في الوقت الحالي أصبح الجميع يجيد القراءة والتحليل والربط بين الأحداث، هل تجد في ذلك تطوراً إيجابياً؟ - لا أتفق معك أن الجميع أصبح يجيد القراءة والتحليل والربط. التحليل والربط يحتاج إلى شفافية غير متوافرة في مجتمعاتنا كل ما نقوم به تكهنات وتصورات مبنية على ما يصلنا من الخارج ولو لاحظت تحاليل خبرائنا العسكريون والاقتصاديون حول اجتياح العراق وغزو الكويت قبل ذلك، لوجدت أننا لا نزال نعيش في عصر ما قبل المعلومات وتكنولوجيا المعلومات. اليوم تصلنا التكنولوجيا فقط، ولكننا نعيش على هامش المعلومة فيما يتعلق بالمستقبل، وإذا وصلت المعلومة فإنها لا تتداول وإنما تبقى ضمن ملفات الأنظمة لعدم الشعور بالمصير المشترك. يرى البعض في الخليج أن قطر الآن تغرد خارج السرب الخليجي، هل هذا هو أيضاً شعور القطريين؟ - لا أعتقد أن هناك سرباً بمعنى السرب في الخليج والدليل أخيراً الرؤية حول الاتحاد حيث تحفظت الكويت، قطر لها رؤية غير تقليدية للأمور، الأمر الذي جعل منها تبدو وكأنها خارج السرب. فلسفة التغيير، هل هي أسيرة في الخليج للقرار السياسي، أم أن الشعوب بدأت تفرض أجندتها؟ وهل الأنظمة في الخليج مستعدة لاستيعاب الأمر؟ - أعتقد أنها لم تعد أسيرة للقرار السياسي على الأقل ليس بذات النسبة السابقة، والخيار الصفري القادم أمام الأنظمة هو قدرتها على التكيف والمشاركة مع الشعوب في صنع القرار. القبلية.. هل هي أحد أمراض المجتمعات الخليجية المشتركة؟ - القبيلة ليست مرضاً لأنها مُكون اجتماعي، المرض عندما تتحول إلى محدد سياسي تمايزي طبقي. الوعي الوطني التفاعلي هل هو غائب عن الإنسان الخليجي، أم مغيب عنه؟ - الوعي الوطني موجود ولكن لكي ينتقل إلى مرحلة التفاعل يحتاج إلى أرضيه مدنية تسمح بالتفاعل وإلا سيتحول إلى فوضى أو اقتتال، هنا يأتي دور الأنظمة في تعطيل ذلك وتشتيته. هل يعيش الخليجيون ثقافة مأزومة، أم أن هناك أزمة مثقفين؟ - نعم لدينا ثقافة مأزومة تقدس الماضي على الحاضر، ثقافة تجعل من الشعوب مجرد قطيع يأكل ويشرب وينام وهناك من يرعى أمره، نعم هناك ثقافة أبوية ترى في الزعيم الأب ورب الأسرة وكبير العائلة، هذه النمطية من الثقافة تعيش العصر وهى تلبس حزاماً ناسفاً لا تعرف متى ينفجر فيها، المثقفون لفظ سائل لا يمكن الحديث عنه بشكل محدد وبخاصة في منطقتنا الخليجية. يقال إن المثقفين في العالم يعيشون اغتراباً داخل أوطانهم، هل ترى أن هذا الاغتراب مضاعف لدى مثقفي الخليج؟ - مفهوم المثقف في اعتقادي مرتبط بمفهوم الحرية، حريته وقدرته على تجاوز الأنساق والتفكير خارج النسق، معظم مثقفينا في الخليج يفكرون من داخل النسق المؤمنين به فالسقف ليس مرتفعاً، وبالتالي كل داخل نسقه يعيش في اغتراب، وتزداد غربتهم عندما يشعرون برغبة المجتمع والنظام في تنميطهم. هل برأيك سنبقى نعتمد فقط على جوهر الدين لتأصيل حضارتنا، ما الفلسفة التي تنقصنا في الخليج بهذا الخصوص؟ - إساءتنا للدين كبيرة، حملنا اسمه ولم نحمل رسالته بالشكل المطلوب، نحن نحتاج إلى فلسفة تنشر الدين الإسلامي كمنقذ للبشرية وليس كهادم للحضارات كما شوهنا، نحن بحاجة إلى فلسفه تجعل من الجوهر الدين حركة في الأرض وليس عيشاً في المغارات، نحن بحاجة إلى فلسفة تجعل من السلطة مسؤولية، تلك المسؤولية التي أبكت عمر بن الخطاب وغيره من الأوائل، نحن بحاجة إلى فلسفة تجعل من الماضي إدراكاً وفهماً لا محاولة للإعادة. من الضرورة الملحة إعادة الاعتبار للفلسفة كونها تطرح التساؤل. لقد عنينا كثيراً بالأجوبة حتى أصبحنا نعيش ثقافة الأجوبة فقط. لماذا برأيك تختلف موازين التغيير في الخليج عن بقية دول العالم، هل خصوصيتنا المزعومة تحول من دون ذلك؟ أو أن هناك اعتبارات أخرى؟ - تختلف موازيين التغيير في منطقتنا عن غيرها تبعاً لطبيعة نشوء الدولة فيها، فالدولة جاءت سابقة على المجتمع في منطقتنا، كان هناك تجمعات وقبائل وأسر وعائلات، ولكن لم يكن هناك مجتمع بالمعنى العلمي يملك توجهاً أو إرادة أو هدفاً. استمرار الفعل الحضاري في منطقة الخليج، هل هو محصور في حضارة الأسمنت، ويغيب عنها تحضّر الإنسان؟ - مع الأسف، هذا ما كان يخطط له إبقاء الإنسان مشدوهاً وغير ذي حيلة أمام حضارة الأسمنت القائمة، ولكن العالم يدرك أن المجتمع روح وليس جسماً أسمنتياً، وهنا تختلف دول الخليج عن بعضها بعض الشيء. وحدة الخليج العربي هل ما زالت كمعادلات الفوضى في علم الرياضيات؟ - وحدة الخليج تقوم أساساً على رغبة الشعوب، وهى ممكنة بعد أن تتكسب الأنظمة مشروعيتها من شعوبها، عليها أن تعود إلى الداخل أولاً لكي يكون ذلك ممكناً، أما التنويه بها كلما لاح خطب فهو من باب الأمر بالستر الذي أوصى به الإسلام. لماذا التوجس لدى الأنظمة العربية من التقارير الدولية سواء المتعلقة بالتنمية أو الحقوق.. هل لأنها تكشف الخلل والمستور؟ - نحن مكشوفون للخارج كأنظمة، ولذلك دائماً الخوف من إعلان ذلك على الملأ في الداخل المغيب، وهي وسيلة ابتزاز كذلك سببها اللاشرعية التي تخاف من الفضح وتسليط الضوء عليها بقوه. نظريات التغريب والمؤامرة، هل هي الأمر الوحيد الجاهز في أدراج الأنظمة الخليجية لتظهر في أزماتها الكبرى؟ - هذه هي حجج سببها غياب الحرية وبقاء النسق والتفكير من داخله، حيث الخروج عنه يعتبر كفراً أو زندقة أو مروقاً من الدين والتفافاً حول نظرية المؤامرة والتغريب والخوف على الدين، التغيير يحتاج إلى فضاء حر ومتسع كبير من الحرية لا سقف له. مطلب التعددية في الخليج هل تبقى كفيلم مرعب لأنظمتها؟ - التعددية مطلب ومثلب، مطلب كناموس إلهي خلق الله الناس متعددين شكلاً وقولاً، ولكنها قد تكون مثلباً إذا وظفت من دون الإيمان بها حقاً، ومن دون الإيمان بالمحتوى الإنساني لجميع الأديان فالدين محتوى إنساني قبل أن يكون عقيدة للبعض دون الآخر. هي رائعة عندما ترتكز على البعد الإنساني أولاً وقبل كل شيء، وهي مقيتة عندما تنصّب العقيدة أو الطائفة أو القبيلة كمحدد أساسي لها. الرئيس السادات تحت شعار التعددية سمح للإسلاميين بإنشاء أحزاب في مصر رغبة في لجم الناصرين فما هي النتيجة؟ ما نشاهده اليوم من تعددية حزبية بعد الثورات العربية عليها لكي تنجح في أن تعتمد البعد الإنساني المدني أولاً. قضايا التجنيس في بعض دول الخليج لا يتوقف العمل فيها، بينما قضية «البدون» ينظر إليها بشرر؟ ما تعليقك؟ - فوضى التجنيس كارثة على المنطقة وتعدٍ على حق الشعوب، كما أن بقاء كتل بشرية كبيرة ولدت ونشأت في هذه الدول من دون حل لوضعها كارثة. أعتقد أن التفكير في النظام وبقائه ومصلحته من دون مراعاة لأسباب أخرى هو ما يعيق التقدم في هذا الملف، هناك أخطار محيطه نعم، ولكن لا يمنع من إيجاد حلول واضحة ومحددة. تجمع النساء في منطقة الخليج نفس الهموم، حق جنسية الأم لأبنائها، المشاركة السياسية، مدونات الأحوال الشخصية.. ألا يمكن لمجلس التعاون الخليجي حسم هذه الأمور؟ - هذه الأمور تحتاج إلى دساتير ديموقراطية وقوانين ومجالس تشريعية منتخبة، المجلس التعاون لا يزال منظومة شكلية تتحرك في اللحظة الأخيرة فقط. ظاهرياً، تبدو الدول الخليجية أكثر من يجتر تراثها العربي والإسلامي، ألم يحمل هذا التراث في طياته نموذجاً ديموقراطياً صالحاً للاحتذاء به؟ - لا، ليس هناك نموذج ديمقراطي في تاريخنا، هناك أناس أو قاده ديموقراطيين بالمعنى الحديث، «صالحين» بالمعنى التراثي. قضية أمن الإنسان وتنميته وازدهاره، هل يفكر بها فعلياً صناع القرار في المنطقة الخليجية؟ - الشعارات تقول إنهم كذلك، ولكن التشبث بالسلطة وإدامتها وتوريثهايكشف العكس علمياً وليس تخميناً. لماذا لا يشعر المواطن في الخليج بدور مجلس التعاون في حياته، هل دور المجلس فقط مناقشة المسألة الأمنية في المنطقة فقط؟ - لا يشعر المواطن بدور المجلس لأنه أساساً جاء بقرار سياسي وليس شعبي، نعم هناك رغبة، ولكن تحققت بشكل بعيد عن مشاركته، نعم الأمن مهم ولكن التنمية كذلك مهمة والمشاركة تفوقهما أهمية أيضاً. برأيك هل تتفوق الشعوب في الخليج في تطلعاتها على حكوماتها؟ - الذي أعرفه أن الكويت هي أكثر دول مجلس التعاون تقدماً في هذا المجال، أما الباقون فهم منظمات حكومية أساسياً. «فيسبوك» «تويتر» وكل شبكات التواصل الاجتماعي، هل أصبحت سيفاً مسلطاً على الأنظمة القمعية في كل مكان؟ - وسائل التواصل الاجتماعي لاشك أنها قلبت الموازين، وستكون أحد المسامير الأخيرة في نعش الاستبداد العربي الذي يتهاوى حالياً. خروج الأمم من أزماتها على ماذا يعتمد؟ وهل تجد أن أمتنا في أزمة؟ وهل هناك اسم محدد لبوابة الخروج؟ - الأمم تعتمد للخروج من أزماتها على بناءها ذاتياً وعلى مشروعية قرارها ودستورية وجود أنظمتها، المشكلة لدينا أن الصراع ليس مع الآخر إنما مع الذات، ما يحدث اليوم في عالمنا العربي هو صراع الذات مع نفسها، الداخل مسلوب ومجيّر، نحن نعيش عصر الإقطاع السياسي والديني بامتياز، كيف بأنظمة تقتل أبناءها، كيف بأنظمة تدوس شعوبها. البناء الذاتي منتهك ومترهل، المشروعية غائبة ومتنازع عليها، الدساتير تصوغها العائلة الطائفة. بوابة الخروج هي في إفراغ البطن مما هو فيه أولاً، وتنظيف الجوف مما سكنه دهوراً طويلة. الإعلام الخليجي حين يطرح النموذج النسائي.. هل أخفق أم أبدع؟ - النموذج الإعلامي النسائي الخليجي لم يخفق وإنما أبدع، و الحقيقة أن هناك نماذج جيدة للمرأة في الخليج أثبتت أنها على قدر كبير من الوعي، لم نكن نحسبه على ما هو عليه. هل برأيك أن الدراما الخليجية تعكس صورة حقيقة للمرأة أو الرجل أو الأسرة الخليجية؟ - لا تعكس الدراما الخليجية حقيقة المرأة ولا الرجل ولا الأسرة الخليجية، بل ليست هناك حقيقة للمرأة ولا للرجل ولا للأسرة الخليجية بعيداً عن حقيقة الإنسان في كل زمان ومكان. الدراما الخليجية والعربية عموماً تلعب على مكبوتات المجتمع العربي من جنس وسياسة ودين وتضخمها، وهي مكبوتات آثر النظام الثقافي والسياسي العربي السائد أن يبقيها ويعمل على تدويرها استمراراً لديمومته وبقائه. منذ الأربعينات الميلادية والحراك السياسي في المنطقة لا يتوقف، ألم يستطع العرب الخروج بأطر سياسية لأزماتهم تخدم المرحلة القادمة؟ - هناك حراك سياسي داخل بعض المنظومات العربية، لكنه لم يؤدى إلى إصلاحات سياسية إما لضعفه أو لاستيعابه من الأنظمة بشكل أو بآخر، لذلك لم يؤتِ ثماره المرجوة كما ينبغي إلا حين أتى على النظام السياسي بأكمله كما رأينا في هذا العام المنصرم، وهى كلفة كبيرة وبداية من الصفر، لذلك الأمل في بداية الشروع في إصلاحات حقيقية فيما تبقى من الحزام العربي الإقليمي. «الفتوى الدينية»، و«تفسير الأحلام»، تغزو حياة الخليجيين، هل ذلك مؤشر لأمر ما؟ - إيجاد الحلول من خلال الثقافة من خاصية الثقافة المبسترة وهو يختلف عن مواجهة الأمور والمشاكل بواقعية، نستطيع أن نجد حلولاً ثقافية من الماضي، لكل مشاكل اليوم والفتاوى الجاهزة وتفسير الأحلام من هذه الحلول، ولكن لا نستطيع أن نواكب العصر بها، وخيارنا إما أن نعيش بها وفى عالمها ونستمر في الدوران حتى مجيء الانفجار، وإما أن نعيش عصر القانون والحقوق المنصوص عليها في الدساتير. أسألك ماذا لو استفتى شباب مصر شيخ الأزهر حول الخروج على نظام مبارك، كيف كان سيكون جوابه في حينه؟ هل سيتغير حال مصر نحو المستقبل مهما كانت التضحيات. الحل الثقافي يختلف عن الحل من خلال الثقافة، الأول مواجهة والثاني نقل مبستر. (العلم، الشباب، النفط) ماذا تمثل لك هذه الثلاثية؟ - هذه الثلاثية هي مخزون الأمة الاستراتيجي، وهي معادلة التقدم المرجوة، لكن عدم وجود الإصلاح السياسي المطلوب لعمل هذه المعادلة بشكل إيجابي لم يتحقق، لذلك ظلت هذه الثلاثية خادمة للوضع السياسي القائم بشكل جعل كل أقطابها سواءً العلم أو الشباب أو النفط أسيراً لوجوده وديمومته، وتبريراً لأحاديته. دول الثروة، كيف يمكن لها أن تصدر ثورة في المفاهيم، كيف يمكن للثروة النفطية أن تصنع التحدي الحقيقي في الخليج؟ - المفاهيم تصنعها الفلسفة كما يقول «دولوز»، وأنا أوافقه. هنا لا يمكن لمجتمع لا يعطى للفلسفة مجالاً أن يخلق أو أن يطور المفاهيم، ولذلك تجد أننا نستهلك المفاهيم ونشوهها ولكن لا ننتجها، ويمكن لمجتمع الثروة أن ينتج ثورة في المفاهيم فقط عندما تتحول هذه الثروة إلى فعل عام تستفيد منه الثقافة والمجتمع بشكل يكسر حاجز الاستعباد والتمايز الذي توجده الثروة في يد مالكيها على حساب من يخرج من دائرة ملكيتها. برأيك ما هي أهم أسباب تعطيل الكثير من الأجندات الإصلاحية في منطقة الخليج؟ - التيارات المطالبة بالإصلاح في الخليج ضعيفة، وتخضع لشروط المجتمع الريعى المستحكمة، كما أنها لا تملك الطلب الفعال، بمعنى الطلب المقترن بالقوة، وفي المقابل تملك الدولة القوة والاقتصاد الريعي وتوزيعه، إضافة إلى أنه كل دول الخليج ليست على مسافة واحدة، ولكن الإحساس الحقيقي المؤلم بالوضع الذي يضع خيارات البقاء من عدمه متساوية. مجتمعات الخليج متأرجحة مابين التيارات اليسارية في السابق والأصولية حالياً، لماذا تبدو بوصلتنا غير محددة، ودائماً تبحث عن مسار تصحيحي؟ - الآيديولوجيا ضعيفة في منطقة الخليج فيما عدا الدين إذا اعتبرنا الإسلام السياسي آيديولوجيا وذلك لعدة أسباب، منها عدم وجود طبقة وسطى حقيقية حاملة لمشروعها وطبيعة المجتمعات المتدينة بالفطرة، والتي تجعل من التحزب كفراً وضعف التركيبة السكانية وتناثرها وطبيعة الاقتصاد الريعي وكيفية إنشاء الدولة في المنطقة بتسليمها لفئة استقلت بها فيما بعد. الأنظمة الخليجية، لماذا هي متناقضة في مواقفها تجاه ثورات الربيع العربي، تغض البصر عن البعض وتهاجم البعض الآخر؟ - تناقض مواقف دول الخليج تجاه الثورات ناتج اختلاف مشاعر كل نظام حول طريقة حفظه واستمرار بقائه، فهناك من يشعر بأن هذه الثورات تدعم بقاءه وتعطيه مساحة من الحركة، نظراً لطبيعته وشعوره بالقوة داخلياً، وهناك من يرى أنها تعرض الداخل لديه لهزات وتصدعات وإمكان وصول الربيع إليه، من هنا تبدو مواقف هذه الدول متأرجحة وليست واحدة، وليست مطلقة، وإنما نسبية، وثمة تخبط واضح، ودليل على ما قلت في قرارات مجلس التعاون حول انضمام الأردن والمغرب في البداية ثم التراجع أخيراً. المشاركة الشبابية السياسية في الخليج معدومة، أليس في هذا تعطيل لنسبة 70في المئة من السكان في المنطقة؟ - لا يمكن تقسيم مجتمعات الخليج إلى شباب وشيوخ من الناحية السياسية مع إمكان ذلك ديموغرافياً، لسبب أن العملية السياسية أصلاً متوقفة أو غير موجودة، فكيف يشارك فيها الشباب وهى لم توجد بعد؟! ليست هناك حركة سياسية في مجتمعاتنا، هناك نزق وحالة تململ من غياب التجدد والتغيير، ولو كان هناك حراك سياسي حقيقي لأمكن تجاوز ذلك، حتى مع وجود حراك نسبى في البحرين والكويت إلا أنه تحت سقف محدود لا يمكن له أن يتجاوزه. كيف تقرأ مستقبل الخليج في ظل ثورات الربيع العربي.. هل نحن في معزل عنها؟ - ثورات الربيع العربي بسقفها المرتفع وهو إزالة النظام. لا تزال هناك مسافة يمكن التحرك فيها بالاستفادة منها لإصلاح الأنظمة وليس إزالتها، خليجياً على رغم ما حصل في البحرين. ولكن إذا جرى تفويت الفرصة ولم تستفد أنظمة الخليج من هذا الربيع وبروز قوة وإرادة الشعب كلاعب وحيد ومؤثر ولابد من الاستجابة لتطلعاته، فإن الأمر سيأتي عليها كأنظمة عليها أن تدخل التاريخ لأنها كانت ولا تزال تعيش خارجه. الفضائيات، هل تلعب دوراً في تأثيرها على الخطاب الفكري والسياسي العربي؟ - الفضائيات لها دور مهم وخطير كما رأينا والجزيرة مثال ساطع على ذلك، ولكنها لم تخلق خطاب سياسياً عربياً جديداً. هي ساعدت على إبراز الحريات كقيمة، ولكنها لم توجد خطاباً عربياً فكرياً ولا سياسياً جديداً، لأن الخطاب الفكري أو السياسي الجديد يتطلب الشمولية التي لا تستثنى، بمعنى أن تقول «الجميع يتغير إلا أنا»، والمفارقة أن أكبر فضائيتين عربيتين وهما «الجزيرة» و»العربية» تنطلقان من دولتين خليجيتين خطابهما استثنائي بوضوح. شيوخ الكاسيت والفضائيات ..كيف تنظر لأدائهم؟ - ليس هناك شيوخ كاستات، آخرهم كان الخميني وكشك، اليوم هناك شيوخ الفضائيات، وهم ضمن أجندة هذه الفضائيات وخطابهم الاستثنائي ولا يقدمون جديداً وهم أشبه بمثقفي الصالونات يتنقلون من فضائية إلى أخرى، ورمضان موسمهم، بل إن بعضهم أربك هذه المجتمعات من كثرة فتاواهم، حتى أصابت الناس حال من الشيزوفرينا مع واقعهم بسبب هؤلاء. برأيي لو أنتجت الأمة ربع عدد هؤلاء من علماء الاتصال والفيزياء مثل عالم الفيزياء الباكستاني الشهير أو عالم الاتصالات المتوفى أخيرا «جوبز» لأصبحت الأمة أحسن حالاً. يرى البعض أن إيران بعبع يترصد الخليج، كيف يمكن التصدي لهذا الخطر المجهول؟ - إيران تحكمنا معها الجغرافيا والتاريخ، وخطرها يقوى عندما نضعف ونتفكك، البديل الوحيد أن نكون أقوياء في كل شيء، و أولاً أن تكون أنظمتنا كاملة الشرعية، واقتصادنا متكامل بما يخدم مصالحنا، بغير ذلك وبالوضع القائم اليوم من مشيخات صغيرة واقتصاديات لا تخدم الداخل وتنميته، فلابد وأن يكون خطرها كبيراً. لماذا تنجح إيران في مشاريعها بينما نخفق نحن؟ - إيران لم تنجح حتى الآن، لا تزال تواجه مصاعب داخلية وخارجية، واقتصادها موجه للتسليح على حساب التنمية مما سيعجل بانهيارها، أما لماذا نفشل نحن؟، فجوابه لأننا لا نتحرك من أرضية المصير المشترك، ولا تزال عقلية الفرار الفردي أو النجاة بالنفس فقط هي السائدة، أنا ومن بعدي الطوفان. التنوع المذهبي في المنطقة.. مشي فوق الأشواك! بين ثقافة «المنصب» وثقافة «المجتمع»