ارتفاع أسعار النفط إلى 73.20 دولار للبرميل    235 جهة حكومية تستعرض أبعاد ثروة البيانات وحوكمتها والاستفادة منها في تنمية الاقتصاد الوطني ‬    وزير العدل: مراجعة شاملة لنظام المحاماة وتطويره قريباً    سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاكر النابلسي: سيل الفتاوى السعودية حجبت ثقافتكم ومثقفيكم!
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 2009

طفولة لا تخلو من الحرمان، ولكنه حملها بحلم واحد بدراسة الآداب ورغبة في الكتابة، وما بين العقاد وطه حسين، جذبه السير في سهول طه حسين واحتفظ بالعقاد كتحفة أحاطته النساء بأدوار متعددة في حياته في حين لم يحضر فيها الرجال إلا من خلال الكتب. يجد أن الرواية السعودية حققت رسالة كبرى وتاريخية بغض النظر عن مستواها الفني وقيمتها الأدبية. وأنها كانت هي المخرج الوحيد للتعبير عن الحداثة والليبرالية والحرية كما يجد أن الأدب العربي المعاصر سياسي في معظمه وبخاصة الأدب الواقعي منه، ويشير إلى أن الكاتب العربي الذي يكتب لصحيفة سعودية يجب أن يكون على معرفة تامة بالنسيج السياسي والثقافي والاجتماعي والديني السعودي، ويجد أن هامش الحرية والنقد الذاتي في الصحافة السعودية قد توسع كثيرا مقارنة بمرحلة السبعينات والثمانينات. يجد أن الديمقراطية تولد من رحم المجتمع المدني، وأنها لا تحتاج فقط إلى ثقافة سياسية، ولكنها تحتاج إلى مستوى ثقافي رفيع عام فهي كأية نبتة بحاجة إلى تهيئة التربة بشكل علمي متقن. ويحمّل الفساد وسوء الإدارة وانتشار الأمية والجهل سبب عدم معالجة قضايا الفقر والمرض والبطالة في المجتمعات العربية.
في جعبة شاكر النابلسي الكثير، استطعنا أن نخرج منها القليل في هذا الحوار... فإلى التفاصيل:
لمن كان التأثير الأسبق على خياراتك تجاه المستقبل؟
- منذ العاشرة، اكتشفت حبي الكبير للكلمة وللكتب، كنت أعلق صورة طه حسين في غرفة نومي حتى أن بعض أصدقائي كان يحسبه أبي، وهو أبي الروحي والثقافي حقيقةً، وكان أول كتاب اشتريته من (تحويشة العمر) كتاب «الله» لعباس محمود العقاد، الصادر عن دار الهلال في ذلك الوقت، وحاولت أن أقرأ بعض صفحاته في سن العاشرة، ولكني لم أفلح لصعوبة أسلوبه، واحتفظت به كتحفة فقط، فالعقاد يكتب لمتسلقي جبال الكلمات وليس للسائرين في سهولها كطه حسين.
المرأة بأدوارها المختلفة... كيف كان تأثيرها في حياتك؟
- جدتي لأمي، وأمي، وبنت الجيران، والمغنيات في الراديو، وزوجتي، وبنتاي... كل هؤلاء لعبن دوراً مهماً في تشكيل شخصيتي... لم يكن للرجال أي دور غير دورهم من خلال الكتب ومن خلال ما أقرأ لهم.
تذوقت التين الجيد والتين الرديء من سلة الروائيين العرب... إلى أي تين ينتمي الروائيون السعوديون؟
- أعتقد بأن الرواية السعودية عموماً، قد حققت رسالة كبرى وتاريخية بغض النظر عن مستواها الفني وقيمتها الأدبية. الرواية السعودية كانت هي المخرج الوحيد للتعبير عن الحداثة والليبرالية والحرية، التي يتوق ويسعى إليها المجتمع السعودي المثقل بإرث الماضي الثقيل جداً.
وهكذا كانت حال الرواية الفرنسية في القرن ال 19، وحال الرواية الروسية قبل 1917، وحال الرواية الألمانية في النصف الأول من القرن ال 20، وكذلك الرواية الانكليزية في القرن ال 19 ومطلع القرن ال20، كذلك الحال بالنسبة للرواية المصرية في القرن ال 20 وبخاصة روايات نجيب محفوظ التي قرأت الواقع المصري وتنبَّأت بما سيكون.
ما قالته الرواية السعودية بواسطة الروائيين والروائيات لا يستطيع أي جنس أدبي أن يقوله... فلا الشعر ولا المقالة ولا القصة القصيرة، يمكن أن تنقل ما تلتقطه عدسة الكاميرا الروائية الواسعة والمفتوحة 180 درجة... وإذا كان الغربيون يقرأون الرواية المصرية لكي يفهموا تاريخ مصر الحديث، فعليهم أن يبدأوا بقراءة الرواية السعودية لكي يعرفوا ماذا يدور في السعودية الجديدة الآن.
من خلال كتابتك في جريدة «الوطن» السعودية... كيف تقوّم مستوى الرقابة على الكتابة في صحفنا؟
- أعتقد بأن على الكاتب العربي الذي يُستضاف للكتابة في الصحافة السعودية أن يكون على معرفة تامة بالنسيج السياسي والثقافي والاجتماعي والديني السعودي، الكاتب العربي لا يكتب بسهولة لأي صحيفة سعودية، تصدر داخل السعودية.
ولكن الملاحظ أن هامش الحرية وهامش النقد الذاتي قد تمَّ توسيعه وتكبيره مقارنة بالسبعينات والثمانينات من القرن الماضي، لا يوجد في العالم صحافة من دون رقابة. ولكن الرقابة نسبية فمنها من يحمل سكيناً ومقصاً، ومنها من يحمل دبوساً.
الأدب والفتيا
تناولت في دراساتك الأدب السعودي... هل وجدت أنه يحمل بشارة ما؟
- كل البشارة في الأدب السعودي شعراً ونثراً، وفي الرواية وفي القصة القصيرة. الأدب السعودي اليوم – وهو ما يُغفله الكثيرون – في مرحلة متقدمة جداً، ولكن سيل الفتيا الدينية الشخصية التكفيرية والمحبطة والمؤدلجة والمثيرة، جعلت المثقفين في خارج السعودية شرقاً وغرباً، يحفلون بالمثير والغرائبي والمستفِز للمشاعر والقيم في الفتاوى، وعدم الاهتمام كثيراً بالأسفار السعودية الجديدة المتمثلة بالنتاج الثقافي الروائي منه خاصة.
العودة إلى مجد القبيلة والتفاخر بالأنساب والمسلسلات التلفزيونية التي تروج هذا الأمر... ما الذي يقودنا إليه هذا الوضع؟
- هذا انقلاب على العصر ومعطياته، وهذا يعني أن العرب ينكصون حثيثاً إلى الوراء، فبعد أن أصبح العربي يفخر بدراسته، وتخرُّجه من جامعة عالمية محترمة وحصوله على أعلى الدرجات العلمية، أصبح يفخر بنسبه من قبيلة أو من عشيرة ما... يا لهذا الزمن الرديء والمالح جداً!
شواهد تاريخنا العربي تحكي عن عدم قبولنا لبعضنا... فهل هذه إشكالية عدم قبولنا للآخر؟
- لا شك في ذلك. فالنرجسية العربية (لنا الصدر دون العالمين أو القبر) هي أكثر النرجسيات الإنسانية تحكُّماً سيئاً فينا، وهذا مؤشر خطير على الانغلاق المتزمت والمتطرف الذي ورثناه من الاستعمار العثماني للعرب طوال أربعة قرون ماضية (1517-1918).
فقد وضع العثمانيون أنفسهم ووضعونا معهم ضمن سور حديدي عازل أشبة بسور الصين العظيم أو بالستار الحديدي السوفياتي. وفي نهايات القرن ال 20، ومع ظهور المليشيات الدينية السياسية المسلحة، وضعنا الإرهاب من جديد في هذا السور، الذي دفع العالم إلى عزلنا واعتبارنا شعوباً موبوءة بالإرهاب، وتحتاج إلى حجر صحي، وهذا ما قلته في كتابي الأخير (سور العرب العظيم... ما هو ولماذا؟).
الإعلام حالياً أحد الأسلحة الثقيلة... كيف يمكنه الإسهام في حل قضايا العنف والإرهاب؟
- يمكن الإعلام أن يسهم في التنوير الديني والسياسي، ولكن التركيز يجب أن يكون على المدرسة والبيت، المناهج الدينية – ولا سيما في دول الخليج - تلعب دوراً كبيراً في تشكيل العقل الخليجي العربي.
الإبداع والمثقف
بين تاريخ مشوه وواقع متخلف ومستقبل معتم... كيف يبدع المثقف العربي؟
- دور المثقف العربي في الماضي والحاضر كان دوراً كبيراً ومهماً وكان أكبر من دور السياسي وصاحب السلطة، ولكن هذا المثقف تقاعس عن أداء دوره الحقيقي المطلوب. المثقف العربي هرب من مسؤولياته وواجباته تجاه العصر الذي عاشه ويعيشه، نرى فلاسفة المسلمين من عرب وعجم منذ ظهور الخوارج عام 683 الميلادي وإلى حين رحيل ابن رشد عام 1198 (أي على امتداد ستة قرون تقريباً) أداروا - ومعهم بقية الكتاب والشعراء العرب - ظهورهم للشعب والمجتمع والتفتوا إلى الخلفاء والسلاطين، أما الفلاسفة منهم، فهربوا من الأرضيات ومشكلاتها، والتفتوا إلى السماء وتفاصيلها (أي أنهم هربوا من الدنيويات إلى السماويّات، ومن الأرضيات إلى الإلهيات) فكانت بحوثهم ودراستهم - ما عدا قلائل منهم كعبدالرحمن بن خلدون - مكرَّسة للمطلقات والغيبيات والإلهيات.
وعلى رغم ذلك فقد نُكب بعضهم، وأُحرقت كتبه كما فعل السلطان الموحدي أبو يوسف يعقوب المنصور (1184-1198) بابن رشد وكتبه، فنحن لا نجد ولا نقرأ لهؤلاء الفلاسفة بحوثاً في الفلسفة السياسية، ولا في الفلسفة الاجتماعية، ولا نقداً سياسياً فكرياً للسلطة في زمانهم فلا نعلم مثلاً السيرة السياسية - فلسفياً - للعباسيين ولا للمرابطين أو الموحدين في المغرب العربي ولا للأمويين في الأندلس وهي مناطق وعصور كانت تعجُّ بالفلسفة والفلاسفة، وفي المحصلة فإن إبداع المثقف يكون في عضويته، أي التحامه والتصاقه بمشكلات مجتمعه على الأصعدة كافة ، كما قال غرامشي.
هل يمكن للمثقف العربي أن يمارس دوره التنويري بمنأى عن الحرية؟
- لا يمكن بالطبع، لأن التنوير هو الحرية ونزع الحرية عن التنوير يعني (التظليم) أو الإظلام وليس التنوير، فلا تنوير من دون حرية، كما لا حرارة من دون شمس والحرية معناها السماح لشعاع شمس الحقيقة بأن يغطي المواقع والزوايا المحظورة والمباحة كافة.
تأثير الأدب في العقل العربي... هل هو أقوى من تأثير السياسي؟
- الأدب العربي المعاصر، هو سياسي في معظمه، ولا سيما الأدب الموصوف بالواقعية، وتدريس هذا الأدب واجب، من أجل تحقيق الغاية منه، وهو ما يعمله الغرب الآن في مدارسه ومعاهده.
الدين سلطة مستغلة، من المستفيد الأكبر من الموضوع وعلى من التأثير الأكبر؟
- الدين كأي إيديولوجيا يستغله العقلاء والجهلاء، علينا ألا نسمح للجهلاء باستغلال الدين وألا نسمع لهم، دعوهم يفتون كما يشاءون. الحياة في كل يوم تثبت عكس ما يقولون، وتكذبهم، وتسخر من فتاواهم، وهم في النهاية زائلون لا محالة، هكذا كانت أوروبا في القرون الوسطى وما بعدها وقبل عصر الأنوار.
مشاريع التنمية الإنسانية... هل يمكن أن تنجح ضمن الخيارات الضيقة المتاحة لها؟
- التنمية الوطنية والبشرية قرار حداثي سياسي. الأوطان والشعوب التي بدأت التنمية الإنسانية منذ وقت قريب عليها أن تنتظر طويلاً، وأن يعمل فيها ولها المثقفون الليبراليون بوعي وبجد أكثر. أمام الليبرالية الآن فرصة ذهبية ثمينة لا تعوّض لكي تجني الكثير من الأرباح بوقوفها الصلب إلى جانب التنمية الإنسانية، وفتح المجتمع شيئاً فشيئاً.
الدين والسياسة
هل يمكن أن توجد الديموقراطية حيث يوجد التشابك بين الدين والسياسة؟
- الدين القويم ليس عائقاً أمام الحرية والديموقراطية، شرط ألا يتدخل رجال الدين في السياسة ليلاً ونهاراً كما يتم الآن. الدين في أوروبا وأميركا والغرب عامة ما زال قائماً، والشعوب تمارس طقوسها الدينية بكل حرية واحترام.
ولكن لا سلطة سياسية لرجال الدين والبابا - وهو الحبر الأعظم - لا سلطة سياسية لديه الآن – وهو الذي كان ينافس الأباطرة في قراراتهم السياسية في الماضي - ولا يفتي بالأمور السياسية كما يفعل رجال الدين الآن في العالم العربي ولا سيما في الخليج. الديموقراطية يُراد تطبيقها لمصلحة المواطن والحاكم، والدين جاء لمصلحة الإنسان وتحسين شروط حياته ولكن رجال الدين هم الذين امتطوه وحوّلوه أداة منفعية.
«الاستبداد»... هل هو ثقافة عربية متأصلة في الأنظمة السياسية العربية؟
- لا شك في ذلك، فمنذ أن تولّى معاوية بن أبي سفيان الحكم إلى الآن (أي منذ نحو 15 قرناً) ونحن محكومون لحكِّام مستبدين ما عدا فترة قليلة، ربما لا تتجاوز عشر سنوات. والحال أن حملنا من تركة التراث السياسي ثقيل جداً، وأثقل من الجبال الرواسي، ويحتاج إلى (بلدوزرات) فكرية وسياسية جبارة لزحزحة العقول المنكوسة والآراء المعكوسة.
«نظرية المؤامرة»... هل تتحكم بعقول النخب السياسية العربية وأنظمتها؟
- نظرية المؤامرة، هي نظرية الخوف من التغيير صغيراً كان أم كبيراً. كل خوف من التغيير نُسنده إلى عامل وسبب مجهول هو المؤامرة. الشعوب المتخلفة هي التي تخاف التغيير. وكان تردد العرب في دخول الإسلام، نتيجة خوفهم من التغيير. وقال القرآن الكريم على لسانهم: (وقالوا إن نتبع الهدى معك نتخطَّفُ من أرضنا).
«أمركة المجتمع»... هل هي سياسة أميركية بديلة عن الاحتلال العسكري؟
- الأمركة الأميركية مثل شعاع الشمس وضوء القمر لا أحد يفرضها ولا أحد يحجبها. الشعوب الأخرى هي التي أخذت بالأمركة الثقافية الشعبية عن رضا وطيب خاطر. لم نسمع أن الأسطول السادس أو السابع الأميركي ضرب الشواطئ العربية بالمدافع، لكي يرغمها على قبول الثقافة الأميركية.
الثقافة الأميركية ببساطتها ومجاراتها للحياة المعاصرة وبحب الشعوب الأخرى لها وانتشارها هي التي صوَِّرَتها وكأنها فرض مفروض على بقية الشعوب. مع العلم أنني شخصياً - وربما أكون على خطأ - لا أعترف بأي احتلال أميركي، إذ إنني لا أعتبر أميركا دولة استعمارية. والشاهد، الوضع في العراق وأفغانستان، وقبله اليابان، وكوريا، وألمانيا.
نعيش في عالم ارتفعت فيه نبرة الخطاب الديموقراطي... هل للأنظمة العربية علاقة بشكل أو بآخر بهذا الخطاب؟
- بعض الأنظمة العربية تقبل بجزئيات من الديموقراطية من أجل التزويق والتنميق السياسي، وإظهارها أمام العالم بمظهر لائق ومقبول، والديموقراطية في مثل هذه الحالة ما هي إلا قشرة (برّانية) كالحديد المطلي بالذهب.
الدول العربية... هل ما زالت تدفع ثمن فاتورة الإرث الاستعماري القديم؟
- الشعوب العربية وليست الدول العربية هي التي تدفع ثمن فاتورة هذا الإرث.
الحداثة والفشل
برأيك هل لأولويات الحداثة أن تعيد قراءة التراث ؟ولماذا يفشل مشروع التحديث العربي؟
- لقد فشل حتى الآن المشروع الحداثي لأسباب عدة، منها:
1- عدم الفصل بين الديني والسياسي، وبين قيمتي الحلال والحرام وقيم حقوق الإنسان، وبين الدين والعلم وفصل الدين عن السياسة ما زال غير مقبول من الوعي الإسلامي لأنه منذ تحول الإسلام بعد الهجرة إلى المدينة إلى دين ودولة قيد التكوين، تواصيا بأن تكون الدولة الإسلامية يد الدين الضاربة والدين ضمانة شرعيتها.
فصل الدين عن الدولة هو المدخل إلى الحداثة السياسية، بما هي تعددية سياسية وإعلامية أي تنظيم عقلاني للاختلاف، يصطدم بالوعي الإسلامي المسكون، كأي وعي تقليدي، بثقافة الإجماع التي زادها جرح الفتنة الكبرى تشنجاً، فلم تعد ترى الأمة إلا كالبنيان المرصوص، ضرورة الفصل بين الدين والعلم وبين الدين والإبداع الأدبي والفني لا تقل أهمية عن ضرورة الفصل بين الدين والدولة وبين القيم الدينية والقيم الإنسانية.
2- إرادوية الإسلاميين فرضت ثقافة القرون الوسطى على ثقافة الديموقراطية، وحقوق الإنسان، وانتصار الفرد وثورة الاتصالات والانترنت والعولمة.
3- عجز النخب «الحديثة» الفاقدة للشرعية والشجاعة السياسية عن مباشرة تحديث مجتمعاتها المأزومة والمعطلة، فهي مأزومة من حيث أنها عجزت عن الانتقال إلى الحداثة (أي إلى الفصل بين الديني والسياسي الذي لا بُدَّ منه لتحقيق الإصلاحات الضرورية) مثل نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني، والتصدي الناجع لمفاعيلها كانتشار الإفقار المطلق، والأمية، والتهميش والبطالة التي تعوق تحديث الاقتصاد والتعليم وشرط المرأة وهي معطلة لأنها عجزت عن تحديث المؤسسات السياسية والانتقال من المجتمع الأهلي التقليدي إلى المجتمع الحديث.
ومن الإملاء المتسلط إلى الحوار من دون خطوط حمراء غبية، وتجديد الكادر السياسي بتبني مفهوم الكفاءة بدل الولاء والتداول الديموقراطي على الحكم عوضاً عن الاستمرارية المنفّرة.
«الإيديولوجيات»... هل هي عائق أمام تحقيق العدالة الحقيقية والحرية؟
- يمكن أن تكون الإيديولوجيات عائقاً إذا كانت إيديولوجيا متحجّرة، لا تتطور ولا تتغير مع تطور وتغيّر الحياة والناس ومعطياتهم. وهناك أمثلة كثيرة في التاريخ السياسي المعاصر برهنتْ على أن الإيديولوجيات الثابتة ثبوت الحجارة على حالها، مُعرَّضة للتآكل والانهيار ولنا من انهيار واختفاء إمبراطورية الاتحاد السوفياتي أكبر دليل على ذلك، وكذلك الحال نفسها مع اختفاء الإمبراطورية العثمانية 1918.
ولعل الصدام الواقع في بعض المجتمعات الإسلامية - العربية - بين الأصولية والحداثة، سببه تحجُّر الإيديولوجيات الدينية، وعدم استجابتها لمتطلبات العصر ومعطياته، في حين أن الإيديولوجيات المرنة والمتحوّلة، يمكنها أن تكون (البلدوزر) المهم والفعَّال لشق الطريق أمام الحداثة، وأمام التقدم نحو روح العصر ومستجداته. ولنا من انجازات الحداثة التونسية دليل على ذلك، ومثال يُحتذى.
ثقافة الحوار... هل يمكن أن تقلل من الصراعات؟
- لا شك أن ثقافة الحوار تقلل وتحدّ من الصراعات الدموية. والصراعات الدموية - تاريخياً - لا تقوم إلا في المجتمعات المتخلفة والمنغلقة وذات الحريات المصادَرة، فالصراع كبخار قِدْرِ الضغط (البريستو)، إذ لم يجد متنفساً لإخراج البخار، تصدَّع وانفجر. دعوا الناس تتكلم، فالكلمة المسموعة خير من الكلمة المهموسة وأقل ضرراً.
التعددية والرعب
«التعددية»... هل هي مفهوم مرعب للأنظمة العربية؟
- من المعلوم أن النظام السياسي العربي منذ 15 قرناً إلى الآن، كان نظاماً فردياً خاصاً، وليس نظاماً مؤسساتياً يقوم على سلطة المؤسسات الدستورية. وإلى الآن لم يتغير هذا النظام. إذاً، نحن العرب ورثنا نظاماً سياسياً ثقيلاً، بحيث أصبحنا جزءاً منه، وأصبح هو جزءاً منا، نحن العظم وهو اللحم والشحم، أو عكس ذلك. تغيير هذا النظام الأبوي الفردي المتوحد المتأصل، لن يتم إلا بالتدرج نحو التعددية من البيت إلى المدرسة إلى المعهد إلى الجامعة إلى الشركة إلى الإعلام إلى الحكومات إلى قمة السلطة، وهو نوع من التربية السياسية ذات الأمد الطويل.
فكما يتدرج الطفل في مراحل حياته المختلفة، لكي يصبح رجلاً أو امرأة كاملة العقل والوعي، فكذلك التعددية في العالم العربي. وعندها سوف نكف عن البكاء واللطم على من تركوا كرسي الحكم سواء إلى القبر، أو إلى السجن، أو إلى الراحة.
سينضب النفط العربي ويصبح الماء هو السلعة الأغلى... متى نفتح ملف المياه في المنطقة؟
- الملف مفتوح منذ سنوات طويلة، ولكن لا أحد يتحرك أو يفعل شيئاً. فهناك الخبراء والدراسات والأبحاث والندوات والمؤتمرات والنداءات تقام كل يوم، ولكن لا فعل جدياً هناك، وفي ظني أن نضوب النفط وحده (أي العطش الشديد ومواجهة الموت الحتمي في لهيب الصحراء العربية القاحلة) هو الذي سيدفع إلى العمل، ولكن الوقت سيكون متأخراً جداً والمصير سيكون قاسياً ومفزعاً.
هل للصحراء أثر كبير في تكوين الشخصية العربية؟
- تأثيرات المناخ في حياة الإنسان سلباً أو إيجاباً معروفة تماماً. سكان المناطق الباردة أكثر حيوية ونشاطاً من سكان المناطق الحارة. قارني بين أفريقيا وأوروبا، بين سكان أميركا الشمالية وأميركا الجنوبية، بين سكان شمال الكرة الأرضية وجنوبها... الخ. الأرض هي وجه الإنسان، فإذا كانت الأرض صحراء غبراء، كان الإنسان على شاكلتها، والعكس كذلك كان الماء على مر الدهور والعصور سر الحضارة، فأينما وُجِدَ الماء وُجِدَت الحضارة. لو نظرنا إلى خريطة العالم قديماً وحديثاً فسيتبين صدق ما أقول.
أمن الإنسان العربي يهدده الفقر والبطالة والعنف والاحتلال... لماذا يبدو عصياً جداً حل هذه المعضلات في حين أننا نملك مقومات الحل؟
- لسوءٍ في الإدارة وفساد في السياسة، وانتشار الجهل والأمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.