المثقف الخليجي يعيش في حيرة أكثر.. يجد كل شيء حواليه لكنه مقيد في كل اتجاه فتزداد حسراته ولا حياة له ألا بمزيد من التنازلات التي تزيد من العذابات.. الدكتور محمد العبودي كاتب وأكاديمي إماراتي يشغل الآن منصب نائب مدير جامعة السوربون في أبوظبي. عرف من خلال لغته العذبة وشكلت كتاباته الرومانسية مقصد العشاق دائماً، فهو درس على يد نازك الملائكة.. منحته اللغة العربية تنوعاً وقوة في كل اتجاه، له رأي حاد في الوجود الأجنبي بالخليج ويملك فلسفة خاصة للمال الخليجي.. ينتقد مجلس التعاون بصوت عالٍ، ويعيب على بلاده الإمارات تسارعها المطرد.. لا يكره الغرب لكنه لا يستسلم له، يؤمن بنظرية الند بالند.. يصرّ على أن الكرسي هو سبب التهلكة في الخليج وأن فتنة اللغة والحديث أشد من القتل.لن نطيل في المقدمة وسنسرع بكم إلى داخل الدكتور العبودي ونمارس رحلة الحلم والدهشة. النص في حياتك هل كان على هواك.. أم أجبرك على الخروج عن نسقه؟ - النص يأتي كما يشاء متى شاء ووفق الموقف نفسه، وأتعامل معه بحسب الفكرة القادمة من حيث لا أدري، هي لحظة تجلٍّ خارقة. بالطبع يتدخل الكاتب في نصه ويغيره كيفا يحلو له. إنها عملية إجبار متبادلة بين الطرفين - إنه العشق الروحاني - مع ذلك أستطيع القول بأن لحظة الكتابة هي لحظة انحدار سريع أشبه بسقوط صخرة ثقيلة من على قمة جبل. بعدها يكون دوري في شحذ تلك الصخرة هنا وهناك لأشعر بأنني (تدخلت) في صقلها وترتيبها. وأحياناً لا أصدق أنني انتهيت من سقوطها واتركها للعوامل الطبيعية. في المصطلحات اللغوية هناك لازم ومتعدٍّ.. في حياتك أنت من يسطو أكثر اللازم أم المتعدي؟ - إذا اقتضت الظروف اللازم فهو اللازم، وإن كان لا بد من المتعدي فالمتعدي. ليس في حياة المرء أمر لا يتغير حتى تحين لحظة تحوله إلى جماد دائم، أقصد بعد موته. الحركة بركة ألا تشعر بأن حركتك في أكثر من اتجاه تجعلك مشلولاً أحياناً؟ - كلا، فالحركة في جميع الاتجاهات تجعلني أكثر شمولية. إنه التغير والتبدل حتى لا نشعر بالركود الذي يؤدي إلى الفساد الفكري والإفلاس المعنوي، ثم إنه انعكاس تلقائي للحال النفسية التي تمر بي. وهل تود أن تكون لي في غرفتي نافذة واحدة وباب واحد فقط؟ إن الجدران في بيتي لا تمثل مساحة كبيرة: إن بيتي عبارة عن أبواب ونوافذ. بدأت أكتب الشعر وأعتقد بأنني تفننت فيه، ثم اتجهت لكتابة المقالة الأدبية وبعدها المقالة «السوسيوبوليتيك» - أو الاجتماعية السياسية. فهما مكملان للقصيدة في عمقها الرمزي. إنه التوضيح. القصيدة يجب ألا تكون في المسائل السياسية واضحة ومباشرة، وإلا فإنها تموت. لذا تشتتي بين الشعر في جميع فنونه بين الروحي والعاطفي والسياسي والتصويري وكتابة المقالة إفراج عن المدان من دون تهمة! لكل مبدع شيطان.. كيف حالك مع شيطانك.. وفي وادي عبقر.. هل مازال لك متسع؟ - إنني لا أؤمن بفلسفة الشياطين في الشعر، وهو رمز التخيل لا أكثر، وفي هذه الحالة فإن التخيل إضافة إلى «ثقافة الشاعر» هو الذي يحدد قوة إبداعه من عدمه، ولا أستطيع أن أحكم إن كان لي متسع من المكان في وادي عبقر حتى لا أحكم على نفسي بالإبداع. إن إبداع الشاعر مسألة نسبية 100 في المئة. مع هذا عندما كنت في العشرين من العمر كنت أتخيل أن لي شيطاناً يلاحقني في وجه كل امرأة أشاهدها أو ألتقي بها أو أمرّ عليها. لم أشعر قط بأن هناك شيئاً يمكنه أن يثير أحاسيسي كالمرأة، هذا الكائن السمائي العجيب الغامض المذهل الرائع القاتل المحزن والمفرح. لماذا اخترت الكويت للدراسة الجامعية؟ - في تلك السنوات كانت جامعة الكويت تستقطب خيرة أساتذة الجامعات المصرية والعربية، فما رأيك إن قلت لك إن الأستاذ شوقي ضيف كان أستاذي، وكذلك الشاعرة نازك الملائكة التي علمتني كيف استخدم العروض في وزن القصيدة؟ ثم إن جامعة الكويت كانت وقتها واحدة من أقوى جامعات العالم العربي وربما لا تزال. لقد غيّرت دراستي في الكويت الكثير من مسارات حياتي، فهناك اكتشفت أن الخليج بخير، وأننا قادرون على فعل المعجزات. تخصصك في الأدب العربي ماذا منح لسانك؟ - تصحيح اعوجاج القواعد العربية التي تعلمناها بطريقة بدائية وخاطئة في المدارس، وشدّ على قلمي سواء في الشعر أم في النثر. أخبرك بشيء؟ عندما انتهيت من الثانوية العامة كان قراري دراسة العلوم السياسية، وكان اختياري الأول قبل التاريخ واللغة الإنكليزية. ولكن الله شاء أن تقرر وزارة التربية والتعليم في ذلك الوقت تخصصي في اللغة العربية. وباءت كل محاولاتي لتغيير تخصصي، حتى خضعت لإرادة الله. والحمد لله أن ذلك جاء في مصلحتي على رغم أنني في السنة الأولى لم أكن أعرف كيف أفرق بين الفاعل والمفعول! وفي السنة الجامعية الأخيرة كنت من بين فطاحل القواعد العربية. وتخرجت بتقدير عام امتياز! هل تصدق؟ إن من يتقن اللغة العربية وقواعدها ونحوها وصرفها وأوزان الخليل بن أحمد الفراهيدي فلن تقف أي لغة بعدها صعبة عليه. إنني استفدت من إتقان لغتي العربية في كتابة مقالاتي الصحافية. لسان المرأة والرجل هل يختلف لسان المرأة عن لسان الرجل؟ - لماذا يتم دائماً ربط المرأة باللسان؟ ولماذا يتهمها الرجل بأنها ثرثارة كثيرة الكلام قليلة الفعل؟ بالطبع لكل جنس لغته ولسانه وفصاحته الخاصة به، فلسان المرأة أكثر نفساً بينما يفتقر الرجال إلى سلاسة الحديث كالنساء، ومعروف عن الرجل أنه عيي مقارنة بالمرأة، وهذا لا ينفي أن نجد لدى الجنسين بارعين في فن الخطابة. ثم إن الفرق الكبير يتمثل في واقعية المرأة لكي تدافع عن وضعها ومكانتها وقضاياها. ونجد في خيال الرجل البحث عن ملطف لقوته الجسدية والعضلية! المرأة أكثر قدرة على الإقناع من الرجل. إنها تستخدم لسانها للوصول إلى مبتغاها بكل سهولة ويسر. فهل يستطيع الرجال فعل ذلك؟ هل تعلم بأن الحروب التي تملأ الكرة الأرضية سببها الرجال، لأنهم غير قادرين على حل خلافاتهم بالنقاش والحجة والموعظة الحسنة. اللغة والنقد، السياسة والمجتمع: أي تلك الجهات يتجه له قلمك أكثر؟ - الحب بين شعوب العالم، وإن استخدمت كتاباتي السياسية للتأكيد على وسع الكرة الأرضية لجميع البشر وزيادة في المساحة والغذاء والماء... فلماذا الحروب على قطعة أرض وبئر ماء؟ صحيح أن قلبي شاعر ولكن عقلي متعلق بالسياسة منذ الصغر. وأنا لا أفصل بين السياسة والمجتمع، فهما يكملان بعضهما. وعندما ينطق الفرنسي مثلاً كلمة سياسة (بوليتيك) فهو في كثير من الأحيان يعني شؤون المجتمع. لأن كلمة (بولي) كلمة يونانية وتعني مجموعة من البشر، والبلدان التي فيها نهاية بوليس (ترابولي ونابوليس) تعني مدينة كذا... إن القلم اليوم في حاجة لوضع النقاط على الحروف وتوعية القارئ بحقيقة السياسة وما يدور في رؤوس الرؤساء. الدراسات العليا في السوربون بباريس..هل كانت خياراً أم بالصدفة؟ كانت صدفة ثم أصبحت اختياراً تشبثت به. ولذلك قصة طويلة. فقد كنت تقدمت بطلب الانضمام لإحدى الجامعات الأميركية. وفي أحد الأيام بينما كنت أعمل نائباً لإذاعة أبوظبي، صادفت أثناء خروجي الملحق الثقافي الفرنسي آنذاك. فطلب مني العودة لمناقشة بعض الأمور. وعندما أخبرته بنيتي السفر للولايات المتحدة الأميركية نصحني بالتفكير في الذهاب إلى فرنسا. وفي اليوم التالي اتصل بي ليخبرني بأنه حصل لي على سكن لدى عائلة فرنسية في مدينة فيشي في وسط فرنسا، وأغراني بإكمال دراستي في تخصص الأدب الفرنسي بجامعة السوربون. ولا أعرف ماذا حصل بعدها، إذ غيّرت قراري وذهبت إلى فرنسا. وبعد دورة مكثفة في اللغة الفرنسية اجتزت الاختبارات المطلوبة وتم قبولي في جامعة السوربون في باريس، التي جاءت قبل ثلاث سنوات لتفتح لها فرعاً في مدينة أبوظبي. وهي صدفة غريبة، إذ كنت مصمماً على السفر للولايات المتحدة لدراسة الأدب الأميركي، إذ كنت مشغوفاً بقراءة الروايات الأميركية. الثقافة الفرنسية الثقافة الفرنسية ماذا منحت تفاصيلك؟ - عمقاً أكثر في الفكرة، واهتماماً بالموضوع من دون أن يكون ذلك بالطبع على حساب الشكل. ثم إنها أضافت إلى قلمي مجموعة من الألوان المتنوعة، وأخيراً التفاؤل بالحياة حتى في أسوأ لحظات اليأس. غير أن أهم ما تعلمته من الفرنسيين هو الخروج عن المألوف وعدم تكرار حياتي مرتين. كما بدأت أعشق السفر واكتشاف الحضارات الأخرى. إن الفرنسيين متعمقون كثيراً في الكتابة والحديث والمناقشة. فمن النادر أن تسمع جملتين متكررتين أو وصفاً متكرراً لدى الفرنسيين. ففي كل جملة عالم جديد وكأنه اكتشاف أو اختراع مختلف. ولا يفهم ولا يدرك ذلك إلا من تبحّر في اللغة الفرنسية. ويكفيك أن تعجب بثقافة الفرنسي بمجرد مشاهدة أحد البرامج النقاشية الفرنسية لتحكم بنفسك. هل أنت محسوب على التيار الداعم لفرنسا في المنطقة؟ - كلا، بل وضد أي دعم لأي قوة أخرى في المنطقة. إن دعم وجود أي قوة حماية لنا في المنطقة يعني باختصار: خيانة كبرى للوطن سيحاسبنا عليها الله يوم القيامة. وأنا أرفض جملة وتفصيلاً أن نظل قاصرين في نظر العالم، تحمينا دول نحن من صنعنا أمجادها في يوم من الأيام. نحن نستطيع أن نحمي أنفسنا لو تخلينا قليلاً عن الأنانية في كل شيء وعن حب السيطرة وحب الكرسي. الغرباء كالغربان جاءوا لمصالحهم وليس لحمايتنا، ولو كنا أقوياء متحدين لما تجرأوا على أن يفعلوا ما فعلوا بالعراق، والله أعلم على من سيقع الدور غداً أو بعد غد. إنهم يعدّون حالياً العدة لإيران، ولكن مَنْ بعد إيران؟ لا ندري. إن دعم أي قوة خارجية أو القبول بأن نحسب على تيار داعم لدولة أجنبية اعتبره في نظري خيانة للوطن. إن الاستعمار لم يأت إلا من خلال ثقوب الخيانات. ولم يستطع أن يتمكن منا إلا من خلالنا. القرار الخليجي كيف ترى القرار في دول الخليج.. هل تتوقع أن يكون هناك قرار خليجي واحد؟ - ماذا تعني بالقرار الخليجي الواحد؟ هل يعقل بعد 30 عاماً من قيام مجلس التعاون الخليجي أن أخشى إن استخدمت بطاقة الهوية أن يطلب مني العودة إلى وطني مع عائلتي وأطفالي؟ بينما الأوروبي يزور 30 دولة مختلفة اللغة والدين ببطاقة واحدة؟ إن طموحاتي وطموحات أبنائي معلقة في خزانة الآمال منذ قيام مجلس التعاون. أين العملة الخليجية الموحدة؟ هذا المجلس يجب أن يكون أو لا يكون، يجب أن نكون شجعان ونعترف بضعف ثقتنا بأنفسنا: لكننا اخترنا أن نظل مترددين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. إن دول الخليج في حاجة إلى قرار شجاع وجريء وتضحيات كبيرة. انظر إلى الاتحاد الأوروبي وقارن، لماذا نحن أدنى منهم؟ نحن نأمل لأحفادنا حياة أفضل بكثير عن حالنا. سيأتي اليوم الذي ستضطر فيه دول الخليج إلى وضع خلافاتها جانباً والتعاون بشكل فعال لمصلحة مستقبلها ومصيرها. إنها مسألة وجود وليس قراراً. لماذا نشعر بأن مجلس التعاون في حالة تراجع وزيادة خلافاته مقارنة مع بداياته؟ العالم يسير للأمام بسرعة فائقة والعرب والمسلمون يتراجعون بسرعة أكبر. الخلافات الخليجية - الخليجية.. كيف نجنب الشعوب تبعاتها؟ - الحل بسيط: أن نتنافس على الكرم والتضحية بما آتاني الله ولا أبخل بما لديّ من مال وأرض وماء على أخي في الدين واللغة والنسب والحسب والعادات والتقاليد وكأنها نهاية الحياة. إن هذه الخلافات قد تبدأ صغيرة كالشرر وإن لم نطفئها اليوم بأيدينا وأفواهنا فإن محيطات العالم كافة لن تستطيع غداً أن تخمدها. فماذا نختار؟ هل تعتقد من تجاربنا السابقة أن اختلافنا على قطعة أرض سيحمينا؟ علينا أن نختار وبسرعة، الوقت يمر والعالم يبتعد عنا ويتركنا ننظر إلى الخلف. المكوّن السياسي كيف تشكل بداخلك؟ - من الألم أمام ما أشاهده وما أسمعه وما أقرأه على مستوى الأمة الإسلامية وحتى العالمية. الظلم والقهر هل هما جناحا المبدع أحياناً؟ - بالطبع. جناحاه وقلبه وعينه. الحرية العربية الحرية لماذا لا تجد متنفساً لها في وطننا العربي إلا على الورق...!؟ - لأننا خائفون على قطعة خشب ارتفاعها متر وعرضها نصف المتر يصنعها النجار بثمن بخس ولا نريد التنازل عنها مدى الحياة ونورثها لأبنائنا وكأننا وأبناءنا سنعيش إلى قيام الساعة: يطلق عليها في اللغة العربية الكرسي. وحيث أنه من الخشب فإنه يطفو، وكلنا يحب حرمان الآخرين منها للاحتفاظ بها كطوق نجاة. لا ننسى أن العالم ينظر إلينا ويتعجب من تصرفاتنا بعد أن يكون قد قرأ حضارتنا ودورنا في العالم. لماذا الغرب يمنح الثقافة الانطلاقة والشرق يزهق روحها؟ - للسبب السابق نفسه. فالجهل سهل القياد والرضا والاقتناع والجري خلف الجزرة المعلقة في نهاية العصا. لقد تشكل الغرب سياسياً واجتماعياً ولجأ إلى الثقافة لتحديد اتجاهات بوصلته لتجنب الخطأ في الحسابات الفلكية. لغة أوباما الجديدة.. هل تفاعل معها المثقف العربي كما يجب؟ - وماذا يعني لو تفاعل معها أو لم يتفاعل؟ إن شاء الله ما تفاعل معها! «هو أصلاً فيه مثقف عربي»؟ أنا أبحث عن المثقف الواعي المعتد بثقافته وتاريخه النزيه في رأيه.. القادر على تغيير وضعه، لكن أين هو؟ أوباما مشغول بهموم شعبه واقتصاده، وأنا مالي بأوباما وبوش وساركوزي وميركل ولغاتهم ومقترحاتهم لحل مشكلاتي؟ أنا لست في حاجة إليهم... هم في حاجة إليّ، لكن المثقف العربي لا يدرك ولا يلمس ذلك. إننا مهووسون بالغرب إلى درجة العبادة. ما رأيك بالتنافس الأوروبي - الأميركي في الخليج يقول: لا شك أننا فتحنا أبوابنا للتنافس الأوروبي والأميركي طواعية، وللأسف أوهمونا بأنهم جاءوا لحمايتنا ونحن صدقنا الوهم. حمايتنا ممن؟ من عدونا المشترك؟ كلا فهم يحمون عدونا من جيوبنا نحن. لقد خلقوا بين العرب من جهة والعرب وجيرانهم من جهة أخرى فرقة وخلافات على أمور تافهة، فجاءونا بطلب منا لحمايتنا من أنفسنا! مهزلة! ثم استولوا على ثرواتنا التي نعطيهم إياها طواعية. ويضيف: إننا منطقة ثروات لا حدود لها، فإذا انتهى النفط سيكون موقعنا الاستراتيجي هو هدفهم التالي... علينا أن نتخلى عن «عنجهيتنا» وتصوراتنا غير الصحيحة: علينا أن نثق بأنفسنا ونكون أقل أنانية وانغلاقاً. يجب أن نتحلى بالتضحية والخوف على المستقبل وليس على الكرسي. إنهم لن يتركونا لأمرنا إلا بعد أن يتم تدميرنا كما دُمّر العراق وأفغانستان. هل تم التعامل مع الثروة الخليجية كما يجب؟ تمنيت لو ظللنا من دون ثروة ومن دون نفط ومن دون قواعد عسكرية ومن دون بوارج حربية تلوّث الخليج الإسلامي، نعيش كما كنا على الخبز وماء البحر وركوب الجمال، ولكن بحرية وشعور بالاعتزاز بالنفس وننتقل بين دول الخليج من دون جواز سفر ولا هوية. ويزيد على فكرة، أين تذهب إيرادات نفط الخليج؟ ما زلنا بعد أكثر من أربعين عاماً غير قادرين على صنع عود كبريت قابل للاشتعال، والمصنوع منه معظمه لا يشتعل! لقد ذهبت معظم ثروات الخليج في شراء السلاح وما تبقى منها تم تحويله لحسابات العمال الآسيويين والشركات الأوروبية في الخارج! تصوّر أن تصاعد الدور الهندي في مجال الصناعة والإنتاج قد قام على ما كان يدخره العمال الهنود العاملين في المنطقة ويقومون بتحويله إلى بلدهم؟ ونحن ظللنا مكانك سر! نحن متخلفون في كل شيء ليس في العلوم والتكنولوجيا والطب، بل حتى في كيفية استثمار أموالنا ومواردنا البشرية. التعليم الجامعي عندنا.. هل تتجدد أدواته بسرعة أم يخنقه كل شيء؟ - إن ما يخنق التعليم الجامعي لدينا هو سرعة تجدده حتى قبل أن تقطف ثماره. هناك سرعة في كل شيء واختصار في كل شيء. كارثة. هل مؤسساتنا المحلية قادرة على احتضان المبدع الخليجي.. أم أنها تحتفي بالآخر أكثر؟ - ما ألحظه أن الغريب يستفيد دائماً من أولوية الكرم وحسن الضيافة. وهي عادة قديمة لدى العرب. هناك بلا شك مبدعون خليجيون في حاجة إلى تسليط الضوء عليهم ليلعبوا دوراً يخرج عن نطاق المحلي ليصبح عالمياً. متى سيحصل كاتب خليجي واحد على جائزة نوبل؟ ضجيج الإمارات الإمارات أصبحت لا تهدأ.. حراك في كل اتجاه ..هل اشتقتم للهدوء؟ - جداً جداً جداً... إننا نغرق في الضوضاء... والازدحام المروري... واللهف على جمع المال قبل أن ينضب النفط. والمثقفون يتفرجون على المسرحية في الظلام الدامس. لا صوت لهم ولا رأي. المجلات الأجنبية باللغة العربية... إضافة أم مجرد استثمار فقط! - لا هذا ولا ذاك: إنها توجيه معنوي يا أخي! «مش إحنا شعوب ناقصة عقل ودين وولي أمر؟». كثرة المطبوعات الصادرة من الإمارات.. ألا تجعل الغث أكثر من السمين؟ - بالطبع. وهذا مؤسف. ولكن القارئ هو من يقرر في النهاية من هو الخاسر. وللأسف أيضاً أن القارئ لا يوجد من يوجهه إلى الطريق الصواب. الكل مشغول بقضيته وبأهله. والإعلام العربي أصبح يقلد الإعلام الغربي في كل شيء، في الاهتمام بحياة الفنانين والراقصات والمشعوذين ومفسري الأحلام... والأبراج. من سيقرأ مجلتك لو لم تكن تحمل على غلافها صورة تظهر أكثر مما تخفي؟ القنوات الفضائية تنافس المجلات في الصدور والعدد.. أليس حرية الإمارات هي السبب؟ - القنوات الفضائية وانتشارها ليس فقط في الإمارات ، العالم كله تحول إلى سوق للشاشات الفضية الفضائية السهلة والسريعة والمربحة، كالوجبات السريعة والرخيصة. ثم إن عدد المجلات والصحف الصادرة في الإمارات يعتد بها أيضاً من حيث الكم. المرأة والدين نستطيع في مجتمعنا محاورة العقل في كل شيء إلا (المرأة... والدين) لماذا.. ترتعد فرائص البعض عندما يحوم فكرنا بالتصويب أو المغالطة لكل ما يخص هذين المحظورين؟ - في كل مكان يظل الدين أمراً رفيعاً مقدساً لا يجب المساس به لا بالنقد ولا بالرفض ولا بالنقاش العقيم. أما المرأة فإنها ليست موضوعاً للنقاش الذي لا ينتهي كالخلاف حول من سبق من؟ البيضة أم الدجاجة؟ إنها كائن حي له كيانه كالرجل، وأمامها بعض الصعوبات والتحديات وقد تغلبت عليها مع الوقت. ولم يعد التحدث عنها محظوراً إلا إذا كان يمس كرامتها كما هي الحال بالنسبة إلى الرجل. لماذا الليبرالية لا يؤخذ من الجدل فيها سوى حرية ممارسة المرفوض عقدياً واجتماعياً؟ - عادات سيئة متوارثة. البعض يربط بين الليبرالية والفوضى، ولكن ما يسيء إلى سمعة الليبرالية هو أنه لا يوجد لها مفهوم واضح محدد. كل يفسّرها على هواه. كيف يخرج الجيل من الارتباكات التي تسببها له تناقضات الطرح من المؤسسات ذات الصوت الأعلى في المجتمع؟ - بفتح مؤسسات صوتية مضادة. ولكن هل ستمنح ترخيصاً؟ عندما تستمع لبرنامج إفتاء.. ما النتيجة التي تخرج بها بعد الحلقة؟ - الحقيقة لا أتابع هذا النوع من البرامج، فكل يغني على ليلاه. الخطاب الصحافي لماذا خطابنا الصحوي لغته صاخبة؟ - من سوء الفهم والقهر وعدم الاقتناع التام بالمضمون. لماذا دائماً نفشل في استغلال الأحداث لأجلنا.. ونشغل أنفسنا بتصرفات عاطفية تحرمنا فرصاً للنجاح أكثر؟ - كما ذكرت، ما زلنا غير واثقين من أنفسنا: نحن في حاجة إلى مناهج دراسية تطبق في المدارس من الصفوف الابتدائية الأولى تعلمنا كيف نثق بأنفسنا. دائماً يرهقنا البحث عن تعريب المصطلحات الأجنبية.. هل لغتنا توقفت خصوبتها؟ - كلا، ولكننا كسولون جداً وغير صبورين. «يا الله تلفزيون وفيديو وما فيه داعي للتعب في البحث عن كلمة جديدة»، بينما العالم يتجدد كل دقيقة. فتنة اللغة هل توردنا المهالك؟ - إنها أشد من القتل يا سيدي! كان الإمام علي كرم الله وجه يقول بأنه تمنى لو أن له رقبة كرقبة البعير حتى يكون لديه الوقت الكافي للتفكير فيما سيقوله قبل أن ينطلق به لسانه. المؤنث والمذكر، من تنشغل به العربية أكثر؟ - النساء مشغولات بالمذكر والرجال بالمؤنث. كيف حال لغتنا العربية في صحافتنا.. هل نشأت لغة جديدة باسم اللغة الصحافية؟ - حالها يرثى لها. لغة المذيعين والمذيعات ما الضابط في تشنجها ودلعها؟ - أنا أشاهد بعض البرامج الخاصة جداً: مع هيكل مثلاً والحوارات الجادة، أما القنوات التي تتعمد الدلع أو التهويل فأنا ألغيها تماماً من القائمة. ماذا تنقم على الصحافة الخليجية؟ - عدم اهتمامها بالثقافة المحلية والعالمية بشكل راقٍ. إنها مجرد حشو لصفحات حبذا لو ظلت فاضية. برأيك ما الذي يطفئ وهج المهنية الصحافية؟ - عدم الموضوعية وخدمة أرباب العمل على حساب الحقيقة والحق. الكتاب المحليون.. من يعرقل حروفهم؟ - القوانين المحلية إن وجدت. في الإمارات هناك استيراد للثقافة وبحث عن تحالفات ثقافية عالمية.. هل تشعر أن ذلك على الطريق الصحيح أم هو مجرد البحث عن الحلول السريعة؟ - والله هذه هي حال السوق اليوم: الكسب السريع ولا يهم نوعية البضاعة والمشتري. لم تعد هناك أهداف وبرامج محددة ومبادئ كأيام زمان. هل دخلت في صراعات لأجل زاويتك وقلمك؟ - أنا أغادر المكان إذا شممت أنه تحول إلى ساحة صراع لأغراض شخصية. رومانسية حرفك هادئة حتى الصخب.. ما رأيك؟ - بالعكس تماماً، هي صاخبة لدرجة الرومانسية!