مهمة الرجال أن «يقتل بعضهم بعضاً في الحروب»، وفي أحوال أفضل، أن «يجرح بعضهم بعضاً»، وهنا قد تضطلع المرأة بتضميد الجراح بعد أن يعالجها الطبيب المختص. مهمة الرجال أن «يبتدعوا الأطعمة الجديدة، ويجودوا بالموجود منها في مطابخهم الشهيرة التي تحمل أسماءهم»، وتأتي المرأة بعد ذلك فتستنسخها في البيت وتوجه الأسئلة لهذا ال «شيف» أو ذاك، في حال استعصت عليها حبكة صلصة هنا أو «تسبيكة» ثوم هناك. مهمة الرجال «ربط هذا السلك الصغير في مقدم السيارة الذي أدى قطعه إلى وقوع الآنسة الرقيقة في «حيص بيص» على طريق القاهرة – الإسكندرية». قبل عقود طويلة نشأت أجيال على منظومة «الست سنية» التي تركت المياه «تسيل من الحنفية» مهدرة الماء من دون وجه حق، إلى أن تدخل «السبّاك» ووضع حداً لهذا الإهدار وأنهى تلك المهزلة. وحين ازدهرت الحركات النسوية في الستينات من القرن الماضي وتأججت في السبعينات، انفتح الباب لتلتحق المرأة بالشرطة وبمجالات الأحداث والسياحة والعلاقات العامة ومحاكم الأسرة وغيرها من المجالات الشبيهة. كما التحقت بالقوات المسلحة في مجالات خدماتية كذلك، من دون أن يحول ذلك دون نعتها ب «كمالة العدد». وفي الثمانينات، أكدت الراحلة سعاد حسني بفستانها المزركش ومجموعة الفتيات الراقصات حولها أن «البنت زي الولد» نافية أن تكون البنات «كمالة عدد». الطموح يصطدم بالواقع إلّا أن منظومة «الاستخفاف» بالمرأة، والاضطرار إلى إقحامها في مجالات معينة أو القبول بها بأخرى، بقوة السياسة لاسترضاء العالم الخارجي ومنظماته الأممية من أمم متحدة وجمعيات مجتمع مدني، على رغم «أنف المجتمع بتقاليده المتحجّرة، وعاداته المتيبّسة»، ومع ذلك نجم عن «الحراك» استمرار للخطوط الفاصلة مع فوارق دامغة بين مهن ذكورية وأخرى نسائية. واقتحمت المرأة المصرية مجالات ظلّت مقتصرة على الرجال لسنوات طويلة. ومن الجامعات يبدو التغيير، مع تزايد أعداد الفتيات المقبلات على دراسة هندسة الميكانيك والبترول، على سبيل المثال، إلّا أن تفوقهن في الدراسة لم يبدد الحاجز الأكبر وهو «التوظيف». تقول إيمان أحمد (26 عاماً): «امتهنت تدريس الرياضيات بعد تعذر إيجادي وظيفة بشهادة هندسة الميكانيك التي نلتها». وتوضح: «حاولت العثور على فرصة تدريب عملية في الصيف، وهكذا اكتشفت أن حب المجال شيء، والعثور على فرصة عمل فيه شيء آخر». وتضيف: «كان أصحاب المصانع والورش يتهربون من منحي فرص تدريب، فعلمت تلقائياً أني لن أجد عملاً لمجرد أني أنثى». هي الأنثى المسؤولة عن استمرار الحياة من الطيور إلى البشر، يُكبّلها المجتمع بقيود عدة خارج إطار الحمل والولادة والرضاعة. فهناك من يفترض أن ميول المرأة العلمية، بما فيها التفوق في الدراسة، لا تعني التفوق في العمل، وحتى إن تفوقت فإن «طبيعتها»، سواء في ما يختص بالحجة الأزلية من حمل وولادة أم في ما يختص بالجسد والقدرة على العمل لساعات طويلة، تقف حائلاً دون قيامها ب «المهمة». افتراض لا يلبث أن يبدو وهنه، أمام نجاح نساء ينتمين إلى طبقات شعبية وفقيرة في اختراق مجالات ظلّت حكراً على الرجال. نساء لم يعشن هاجس الظهور الإعلامي ولم تحركهن جمعيات الحقوق النسوية. فالمرأة «الجزّارة»، سواء تلك التي ورثت المهنة أباً عن جد، أم تلك التي دفعت بها ظروف الحياة لهذا المجال، مثال حي على اقتحام المرأة سوق العمل «الذكوري». وأخريات اخترقن مجال «السائس» (الذي يعيّن نفسه ناظراً لإيقاف السيارات في الشارع)، وغالباً تكون مهنة بوضع اليد، وفيها الكثير من المنافسة والصراعات التي يطبعها العنف في كثير من الأحيان. وهناك أيضاً، مهنة سائقة السيارة الأجرة والميكروباص، والتي يسترعي وجودها ليس فقط انتباه المارة، بل وتعليقاتهم الساخرة تارة، والرافضة لها تارة أخرى. المهن «العاطفية» وسواء سخر المجتمع من المرأة التي تخوض في ما يسمى بمهن الرجال أو رفضها أو قبل بها، يبقى المجتمع حاسماً في إصراره وتمسكه الشديد ب «الخط الفاصل». ومن الأمثلة المثيرة للجدل، هو تمكين المرأة من أن تتقلد منصب «قاضية»، والذي كان مطلباً بارزاً قبل سقوط النظام، وإذ بهذا المطلب «يخبو» بعد ثورة 25 يناير، وبات التعامل مع «المرأة القاضية» تارة يتم على اعتباره أمراً يتعلق بالنظام الساقط، وتارة أخرى على أنها مسألة دينية لا بد للعودة فيها إلى علماء الدين، وبخاصة في ظلّ بزوغ نجم الإسلام السياسي. «التمييز» الموجود أو المستحدث، والذي يلقي بتبعاته على أكثر من مهنة وامرأة، لا يلاحظ ما يمكن وصفه بالعمل «العاطفي»، كالمهن التي تتطلب تركيبة عاطفية ونفسية، مثل الاستشارات النفسية ورعاية كبار السن والمرضى والأطفال والتفاوض، والتي تبقى المرأة رائدتها في دول العالم كافة، شاء الغرب أو أبى، وافق الشرق أو اعترض! ويفرض الواقع نفسه في كثير من الأوقات وبصرف النظر عن العادات والتقاليد... فتتساوى المرأة مع الرجل في بعض المهن كتجارة المخدرات، وسفك الدماء، وزعامة العصابات!