المعلومات التي سترد يجب أن تدفع الجميع إلى إعادة النظر في وضع المرأة. وبدلاً من إهدار الوقت والجهد في «مهاترات» حول ما إذا كانت المرأة حصلت على حقوق كافية، أم أنها بالغت في إثبات نفسها، وبدلاً من جلسات العمل وورش التدريب التي تنفق عليها أموال طائلة، لتدريب هؤلاء النساء على خوض معترك السياسة، أو تأهيلهن على العمل في صفوف الجيش... فلتكن هذه دعوة لتركيز الجهود على تحسين صحة الفتيات والنساء، وإلا كيف لامرأة معتلة الصحة أن تقف وتحاور وتناقش وتطالب بحق من حقوقها المسلوبة أو المهدورة؟ التقرير الأممي الذي صدر عن «منظمة الصحة العالمية» أخيراً، وحضرت «الحياة» إطلاقه الإقليمي في مكتب شرق المتوسط للمنظمة، يقول إن النساء ينعمن بعمر مديد (مقارنة بالرجال)، ولكنه عمر بلا صحّة إجمالاً، فهناك أوضاع صعبة وظروف صحية قاسية تقتصر على النساء دون الرجال. وعلى رغم المساواة بين الرجال والنساء في كثير من «التحديات» الصحية، تستحق الفروق التي قد تبدو «بسيطة»، اهتماماً خاصاً. ويكفي ما تواجهه النساء من أخطار خاصة بهن في أثناء الحمل والولادة، وهي أخطار لا تتعلق بالأمراض، بل تنبع من عوامل بيولوجية تتضامن معها ظواهر اجتماعية تضعهن في وضع خطر. والتقرير الصادر تحت عنوان «المرأة والصحة: بيّنات اليوم وبرنامج الغد»، يعنى في شكل خاص بصحة النساء، خلال سنوات الخصوبة أي بين 15 و49 سنة. وذلك لأن معظم التحديات الصحية الخاصة بالمرأة تحدث في هذه المرحلة، مثل مضاعفات الحمل والولادة. ويشار إلى أن هذه المضاعفات هي السبب الرئيس للوفاة بين نساء الدول النامية في تلك المرحلة العمرية. وفي منطقة شرق المتوسط، ومعظم بلدانها من الدول العربية، ما زالت مضاعفات الحمل والولادة من المسببات الرئيسة للوفيات بين النساء. ومعروف أن نحو 99 في المئة من وفيات الأمومة تحدث في الدول النامية. وعلى رغم أن دولاً في المنطقة العربية أنجزت تقدماً ملحوظاً، في ما يخص تقليل عدد وفيات النساء الناجمة عن الأمراض المعدية، والأمومة والتغذية، هناك دول، كالسعودية، والجزائر وتونس والمغرب، ما زالت نسب الوفيات فيها مرتفعة. ومن الحقائق المثيرة، التي غالباً ما تقابل بكثير من التشكيك، لا سيما في المجتمعات التقليدية، أن النساء أكثر عرضة من الرجال للاكتئاب والقلق، فنحو 76 مليون امرأة بالغة في العالم يعانين نوبة اكتئاب كبرى سنوياً، كما أن الاضطرابات النفسية التي تعقب الولادة تصيب نحو 13 في المئة من النساء. ويتبوأ الانتحار المرتبة السابعة بين أسباب وفيات النساء في كل دول العالم. ويضاف إلى ذلك الانتحار المصحوب بالتعرض لعنف الزوج الذي يحتل مكانة بارزة في مسببات الانتحار. كما أن الاكتئاب من أسباب عجز النساء في كل المراحل العمرية. ومن مشكلات النساء الأخرى والتي تقابل باستهزاء هي أمراض «تشيخ» النساء، ويجب أن تؤخذ على محمل الجد، خصوصاً أنها تترافق ومضاعفات أخرى على صعيد الأمراض المزمنة، مثل أمراض القلب، وفقد البصر... وكلها تؤدي إلى العجز على رغم أنه يمكن تلافي أغلبها بالحصول على الرعاية الصحية في الوقت المناسب. وبالنظر إلى المنطقة العربية، نجد أن أمراض القلب والسكري تتبوأ مكانة الصدارة لدى النساء فوق سن الستين. ومن الحقائق المهمة التي يكشف عنها التقرير أن معظم المشكلات الصحية التي تتعلق بالنساء البالغات تعود منابعها إلى مرحلة الطفولة، مثل غياب التغذية السليمة، وسوء المعاملة والإهمال، وغياب البيئة الداعمة، وجميعها يؤدي إلى خلل في النمو البدني والاجتماعي والعاطفي السليم كما أن الاهتمام بهذه العوامل يؤدي إلى تجنب عبء الأمراض المزمنة ولأمراض النفسية وتعاطي المواد المسببة للإدمان في مقتبل العمر. وتقول المديرة العامة لمنظمة الصحة العالمية، مارغريت تشين، أن ثمة مجتمعات خذلت نساءها في ما يختص بالنظم الصحية، وهو جزء لا يتجزأ من التحيز الذي يتعرضن له. «فالنساء يتكبدن كلفة مادية على الصحة أعلى من الرجال لأنهن أكثر احتياجاً للرعاية الصحية، كما أنهن في أغلب الأحوال يكن أفقر من الرجال ولا يحظين بفرص عمل، أو يعملن بعض الوقت أو في قطاعات عمل غير رسمية لا توفر الرعاية الصحية. لذلك فإن إزاحة العقبات المادية التي تحول بين النساء والرعاية الصحية أمر لا غنى عنه». وعلى رغم زيادة المشاركة النسائية في مجال السياسة، ما زالت السيطرة السياسية تتركز في أيدي الرجال في غالبية المجتمعات، وهي السيطرة التي تنجم عنها سيطرة اجتماعية واقتصادية، والنتيجة المؤكدة هي حرمان النساء من حقوقهن الأولية. ومن التناقضات التي يكشف عنها التقرير أن النساء – وهن المقدمات الأساسيات للرعاية الصحية – هن الأقل حظاً في الحصول على الخدمات التي تلبي احتياجاتهن من الصحية. والمطلوب لتدارك الموقف هو إقناع الجميع بالأهمية القصوى لتحقيق صحة المرأة، فإذا كان جانب من الخلل الراهن يعود في بعض المجتمعات إلى عدم الاستقرار السياسي، والحروب الأهلية وكوارث أخرى، إلا أن ما يجمع بين شتى دول العالم هو أولويات السياسات وأفضليات الاستثمار في كل دولة على حدة، وجميعها يشير إلى هوة متزايدة بين صحة الرجال وصحة النساء، سواء في داخل الدول أم بين الدول وبعضها. ويوضح التقرير الحاجة إلى تغيير التوجهات المجتمعية المتحيزة ضد المرأة، وتعزيز المحددات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر في صحة المرأة، مع تحقيق تغييرات على صعيد السياسات العمومية التي تستهدف النساء. وهذا يتطلب قدراً أكبر من مشاركة النساء أنفسهن في وضع السياسات وتحديد الأولويات الخاصة بالرعاية الصحية، بالإضافة إلى تمكين النساء العاملات في داخل القطاع الصحي. ويشير التقرير إلى الآثار السلبية الناجمة عن الأزمة المالية العالمية على صحة المرأة، إذ أن الدول ذات الاقتصاد الضعيف أصلاً ستعاني بقدر أكبر، لا سيما مع تزايد نسب الفقر الذي يرتدي «عباءة نسوية» في معظم الأحيان، وهو الأمر الذي يعجل في تطبيق سياسات حماية اجتماعية ونسائية تخصص للمرأة، والتي ستنعكس على المجتمع بأكمله من بوابة صحة المرأة التي هي عنوان لصحة المجتمع. وتلخص تشين الوضع بقولها: «لن نرى تقدماً ملحوظاً في ما يختص بصحة النساء، طالما يعاملن باعتبارهن مواطنين من الدرجة الثانية».