نشرت السلطات المصرية أمس إفادة لوزيرة التعاون الدولي فايزة أبو النجا في قضية تمويل منظمات المجتمع المدني المتهم فيها 43 شخصاً بينهم 19 أميركياً، تضمنت هجوماً عنيفاً على واشنطن، واتهامها بالسعي إلى «توجيه الثورة لمصلحتها ولمصلحة إسرائيل». وعُلم أن زيارة كانت مقررة أمس لقائد القيادة المركزية في الجيش الأميركية جيمس ماتيس ألغيت، «بعدما اكتفى الجانبان بمحادثات (رئيس المجلس العسكري) المشير حسين طنطاوي ورئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن دمبسي السبت الماضي»، بحسب مصدر عسكري مصري. ورغم أن هذه التطورات تشير إلى صعوبات في طريق التوصل إلى حل لإنهاء ملف المنظمات، إلا أن مسؤولاً مصرياً لم يستبعد «إنجاز صفقة يتم بمقتضاها حفظ القضية بالنسبة إلى المسؤولين الأميركيين مقابل حصول القاهرة على امتيازات معينة»، في إشارة إلى ضمان المساعدات العسكرية الأميركية كاملة. ولفت إلى أن «هذه الأمور تحتاج إلى تدقيق ووقت مناسب لإعلان الصفقة حتى لا تأتي بنتائج عكسية». وتطابقت هذه التوقعات مع تصريحات مسؤول عسكري ل «الحياة» لم يستبعد فيها «إنهاء ملف المنظمات بما لا يتعارض مع السيادة المصرية»، من دون أن يوضح كيفية إتمام ذلك، لكنه شدد على أن «الجانب الأميركي تلقى رسالة من القاهرة مفادها الكف عن ضخ الأموال إلى المنظمات والعمل في الإطار القانوني للبلاد». وعزا المسؤول العسكري إلغاء زيارة قائد القيادة المركزية في الجيش الأميركي التي كانت مقررة أمس، إلى «اتفاق بين الجانبين على الاكتفاء بالمباحثات التي أجراها طنطاوي ودمبسي في القاهرة السبت الماضي، والتي أدت الغرض منها في ما يتعلق بملفي المساعدات ومنظمات المجتمع المدني، ومن هنا تقرر إلغاء زيارة ماتيس». وأشار إلى أن «الجانب الأميركي استمع جيداً إلى وجهة النظر المصرية في ما يتعلق بقضية منظمات المجتمع المدني، وان إغلاق هذا الملف يجب ألا يتعارض مع السيادة المصرية... الرسالة كانت واضحة بأن ضخ أموال من خلال منظمات المجتمع المدني يعد مساساً بالأمن القومي، كما أن مسألة المساعدات تعد سياسية في المقام الأول ومهمة للبلدين». وعُلم أن الاجتماع الذي جمع طنطاوي أول من أمس ورئيس الحكومة كمال الجنزوري ومسؤولي الأجهزة الأمنية الرئيسة «جاء في اطار التهدئة في ما يتعلق بملف المنظمات». وقال المسؤول العسكري إن «مصر غير متخوفة من قطع المساعدات أو خفضها»، مشدداً على «الارتباط الاستراتيجي العسكري مع الولاياتالمتحدة وقطع غيار الأسلحة التي تحتاجها (مصر) من الجانب الأميركي». إلى ذلك، نُشرت أمس أوراق التحقيقات التي أجريت في قضية تمويل منظمات المجتمع المدني. وتضمنت الأوراق إفادات قدمتها وزيرة التعاون الدولي قالت فيها إن «الولاياتالمتحدة قدمت حجماً هائلاً من التمويل لمنظمات مصرية وأميركية تعمل على أرض مصر في أعقاب الثورة على نحو يفوق مرات عدة ما كانت تقدمه لتلك المنظمات قبل ذلك». وأشارت أبو النجا، التي يثير استمرارها في الوزارة التي تشغلها منذ العام 2001 رغم ارتباطها بالرئيس المخلوع حسني مبارك انتقادات حقوقيين وقوى ثورية، إلى أن «تلك الأموال كان تقتطع من المبالغ المخصصة للأعمال التنموية المتفق عليها سلفاً بين القاهرةوواشنطن ضمن برنامج المساعدات الاقتصادية، إذ كان يجري تحويل جانب كبير من أموال البرنامج لمصلحة تلك المنظمات، رغم كونها تضطلع بأعمال سياسية بحتة». واتهمت واشنطن ب «السعي إلى توجية الثورة المصرية لمصلحتها ولمصلحة إسرائيل». وحملت عليها «مساعي لإجهاض الثورة وخلق حال من الفوضى تتمكن خلالها القوة المناوئة لمصر من إعادة ترتيب أوراقها». ورأت أن «الثورة مثلت مفاجأة للولايات المتحدة، وخرجت عن سيطرتها لتحولها إلى ثورة للشعب المصري بأسره، وهو ما قررت الولاياتالمتحدة في حينه العمل بكل ما لديها من إمكانات وأدوات لاحتواء الموقف وتوجيهه في الاتجاه الذي يحقق المصلحة الأميركية والإسرائيلية أيضاً». واعتبرت أن «كل الشواهد كانت تدل على رغبة واضحة وإصرار على إجهاض أي فرصة لنهوض مصر كدولة حديثة ديموقراطية ذات اقتصاد قوي، إذ سيمثل ذلك أكبر تهديد للمصالح الإسرائيلية والأميركية ليس في مصر وحدها، وإنما في المنطقة ككل». وأضافت أن «الهدف الأميركي للتمويل المباشر للمنظمات خلال الفترة من العام 2005 وحتى 2010 كان يقتصر على مضايقة النظام السابق والضغط عليه بدرجة محسوبة لا تصل إلى حد إسقاطه». وأشارت إلى أن وضع النظام السابق الذي كانت جزءاً منه «كان مثالياً لكل من الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وبالتالي لم تكن أي منهما ترغب في إسقاطه». ورأت أن «أميركا كانت تحقق هدفين غاية في الأهمية بالنسبة إليها، فهي من ناحية تثير بعض القلاقل في النظام السابق بما يرسخ الخضوع لها، ومن ناحية أخرى يمكنها التمويل المباشر لبرامج حقوق الإنسان والديموقراطية من تحسين صورتها في علاقاتها مع الكونغرس واللوبي اليهودي والرأي العام الأميركي الذي يفتخر دائما بأنه راعي مفاهيم حقوق الإنسان والحريات الأساسية في العالم». وخلصت إلى أن «أميركا أو إسرائيل يتعذر عليهما القيام بخلق الفوضى والعمل على استمرارها في مصر في شكل مباشر، ومن ثم استخدمتا التمويل المباشر للمنظمات». وأشارت إلى أن «الإمعان الأميركي والإصرار على تشجيع هذه المنظمات على مزاولة نشاطها بالمخالفة الصريحة للقانون يمثل تحدياً سافراً للسيادة ويخدم أهدافاً غير معلنة تمثل ضرراً بالغاً بمصر وأمنها القومي». وأشارت إلى أن «قدر مبالغ التمويل الأميركي المباشر لمنظمات المجتمع المدني المصرية والأميركية بلغ 175 مليون دولار خلال الفترة من العام 2005 وحتى العام 2011، منها نحو 105 ملايين دولار تم تقديمها من الجانب الأميركي خلال فترة سبعة أشهر فقط من شباط (فبراير) وحتى أيلول (سبتمبر) من العام الماضي». من جهة اخرى، تختتم اليوم محكمة جنايات القاهرة حيث يمثل الرئيس المخلوع حسني مبارك ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه، الاستماع إلى مرافعة الدفاع عن المتهم التاسع في القضية مدير أمن القاهرة السابق اللواء إسماعيل الشاعر في شأن اتهامه بالتحريض على قتل متظاهرين خلال «ثورة 25 يناير» العام الماضي. وكانت المحكمة برئاسة المستشار أحمد رفعت واصلت أمس لليوم الثاني على التوالي الاستماع إلى دفاع الشاعر الذي نفى عن موكله «نية القتل والشروع في القتل»، مشيراً إلى أن «التعليمات الصادرة عن الشاعر لمرؤوسيه من القيادات الأمنية كانت تنص صراحة على عدم حمل أي أسلحة نارية أثناء التعامل مع المتظاهرين». وزعم أن «القوات الوحيدة التي كانت تحمل السلاح هي الخدمات الثابتة التي يُناط بها حماية المنشآت العامة والسفارات والبنوك فقط». وأكد أن «القوات التي كانت تتبع الشاعر من ضباط البحث الجنائي كانوا يتمركزون في الصفوف الخلفية للأمن المركزي للقبض على مرتكبي أعمال الشغب والأفعال غير المشروعة». ولفت إلى أن موكله «كان موجوداً بنفسه في ميدان التحرير يومي 25 و 28 كانون الثاني (يناير) 2011 وقام بأداء صلاة الجمعة هناك ولم يكن حتى يحمل سلاحه الشخصي، وظل موجوداً في الميدان إلى أن تولت القوات المسلحة زمام الأمور وحفظ الأمن، ثم عاد في أعقاب ذلك إلى مبنى وزارة الداخلية، ومنها إلى مديرية أمن القاهرة». ونفى الدفاع أيضاً نية القتل عن مبارك. وقال: «لو كان أراد قتل المتظاهرين المناوئين له، لكان لجأ إلى جهات على درجة أعلى من الكفاءة في التنفيذ مثل قوات الحرس الجمهوري، غير أن نية القتل لم تكن موجودة من الأساس». وذكر أن «النيابة العامة لم تقم بسؤال مديري الأمن في المحافظات لمعرفة ما إذا كانت صدرت لهم تعليمات لقتل المتظاهرين»، متهماً «البلطجية والعناصر الأجنبية بقتل المتظاهرين». وأشار إلى أن «الكثير من حالات الوفاة وقع بعد عصر جمعة الغضب واليوم التالي في 29 كانون الثاني (يناير)، رغم عدم وجود أية قوات تابعة لجهاز الشرطة وتسلم القوات المسلحة لزمام الأمور حفظ الأمن»، مطالباً بسماع شهادة رئيس المخابرات العامة اللواء مراد موافي ومدير الاستخبارات العسكرية ورئيس هيئة الأمن القومي السابق اللواء مصطفى عبدالنبي، ورئيس قوات الحرس الجمهوري السابق اللواء نجيب عبدالسلام، وقائد الشرطة العسكرية اللواء حمدي بدين، وعدد آخر من القيادات الأمنية والعسكرية.