حسمت تركيا خياراتها بدعم مشروع خط «ساوث ستريم» لأنابيب الغاز المقرر أن يشق البحر الأسود في اتجاه السوق الأوروبية، على حساب مشروع خط «نابوكو» الذي كان مخططاً له أن يعبر الأناضول نحو السوق ذاتها. وأعطت أنقرة في كانون الأول (ديسمبر) الضوء الأخضر لشركة «غازبروم» الروسية للبدء في تنفيذ المشروع الأول، وسيمر خط الأنابيب عبر المياه التركية في البحر الأسود حتى بلغاريا انطلاقاً من روسيا، ومقرر أن ينقل 60 بليون متر مكعب سنوياً من الغاز الروسي. وقال نائب المدير السابق لشركة «تي بي أي أو» النفطية التركية نجدت بامير لوكالة «فرانس برس»، إن «مشروع نابوكو يعيش في غيبوبة منذ فترة طويلة، قبل إبرام اتفاق ساوث ستريم، لكن أحداً لا يجرؤ على القول إنه مات». ولم تعلّق المفوضية الأوروبية على الجدل حول المنافسة بين المشروعين، بعدما شجّعت مشروع «نابوكو» لأنه يقلّل نسبياً من اعتماد السوق الأوروبية شبه المطلق على الغاز الروسي. أمن الطاقة ورأى محللون أن المشروع الرئيس لأوروبا الهادف إلى تعزيز أمنها للطاقة ببناء خط «نابوكو»، الذي كان سيصل إلى بحر قزوين بالالتفاف على روسيا، يشرف على الانهيار مع ظهور دور أكبر لتركيا في إنشاء خطوط الأنابيب. وأدت تطورات أخيراً، ومن بينها قرارات اتخذتها أنقرة، إلى خفض أهمية «نابوكو» الذي كان مقرراً أن ينقل أكثر من 30 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً من الدول المطلة على بحر قزوين إلى أوروبا. وتخطّط تركيا للاضطلاع بدور محوري في نقل الغاز إلى السوق الأوروبية، رافضة أن تكون منطقة عبور فقط. وأطلقت مؤسسة «غازبروم» الروسية «ساوث ستريم» لمنافسة «نابوكو» الذي كان يفترض أن ينطلق من مياه أذربيجان في بحر قزوين نحو النمسا في وسط أوروبا، وأن تربطه شبكات متفرعة لاستيراد النفط من كردستان العراق. ويبلغ الطول المقرر لخط «نابوكو» 3300 كيلومتر وكان يجب أن يعبر تركيا وبلغاريا ورومانيا والمجر والنمسا، ووافقت على المشاركة في بنائه الشركات النفطية الكبرى في كل من الدول المعنية، إضافة إلى «آر دبليو أي» الألمانية. وقدّرت تكلفته بثمانية بلايين يورو. ويلاحظ خبراء أن حقول الغاز المتوافرة في بحر قزوين قد لا تكفي لأكثر من عقدين، وفق الاحتياطات المعروفة اليوم، في حين تخطّط تركيا لزيادة استهلاكها من الغاز وبناء محطات جديدة تستخدم الغاز لإنتاج الكهرباء. ويُعدّ مشروع «ساوث ستريم» أكبر حجماً، إذ يخطّط لتصدير ضعف الكمية المقررة ل «نابوكو»، وسيتفرع بعد بلوغه وسط أراضي بلغاريا إلى شبكة تتجه جنوباً نحو اليونان وإيطاليا، وأخرى تتجه من وسط بلغاريا نحو صربيا وهنغاريا وسلوفينيا قبل أن تتفرع إلى خطين يتجه الأول نحو شمال إيطاليا والآخر نحو النمسا. وبذلك ستضمن إيطاليا خطين منفصلين لاستيراد النفط نحو جنوب البلاد وشمالها. وتُشرف على تنفيذ «ساوث ستريم» كل من «غازبروم» ونظيرتها الإيطالية «إيني» ومؤسسة الكهرباء الفرنسية «إي دي إف»، من دون معرفة التكلفة بعد. نزاعات ودفعت نزاعات متكرّرة بين روسيا وأوكرانيا حول خط سير المشروع، تسببت بانقطاع الإمدادات عن أوروبا مرات، الاتحاد الأوروبي عام 2009 إلى إطلاق مبادرة «ممر الغاز الجنوبي»، التي يُعد خط «نابوكو» أكبر مشاريعها، بهدف خفض اعتمادها على إمدادات الغاز الروسي. وكشف مسؤولون أتراك أن واحداً من ستة شركاء في «نابوكو» لا يزال يدعم هذا الخط، في حين أكد وزير الطاقة تانر يلديز أخيراً أن بلاده تواصل الجهود لتنفيذ المشروع، إلا أن محللين يعتقدون أن أنقرة ليست متحمسة. وأشار محلل الطاقة البارز في مؤسسة «آي إتش إس غلوبل إنسايت» أندرو نيف، إلى أن «تركيا ليست ملتزمة تماماً بمشروع نابوكو، فهي تعتبر ذاتها وسيطاً للطاقة»، بينما لفت السفير الأميركي السابق في تركيا المدير الحالي لمركز «دينو باتريشيو يوراسيا» التابع ل «المجلس الأطلسي» الأميركي، روس ويلسون، إلى أن «الموافقة على مشروع ساوث ستريم حسّن موقع أنقرة مع استمرار الخلاف حول المشروع النهائي». وقال لوكالة «فرانس برس» إن «ذلك قد يزيد من وزن تركيا في المفاوضات النهائية خلال الشهور المقبلة حول الانتهاء من خط ممر الغاز الجنوبي نابوكو، واتفاقات شراء المبيعات وغيرها». ويُعدّ اثنان من خطوط الأنابيب المنافسة الأخرى لنقل الغاز من تركيا عبر اليونان إلى إيطاليا أكثر تواضعاً، وهما مشروع «آي تي جي أي» الذي يربط بين تركيا واليونان وإيطاليا، ومشروع «ترانس أدرياتيك بايبلاين». وقال المدير السابق لشركة «بوتاس التركية» الحكومية ميتي غونكيل، وهي إحدى الشركاء في الائتلاف المكلف تنفيذ «نابوكو»، إن «الخط هو مشروع غير مكتمل منذ البداية، فمن هي الجهة التي ستشحن الغاز عبر خط الأنابيب؟» عوامل استراتيجية وتعتبر موسكو آسيا الوسطى الساحة الخلفية لها، فهناك تحتفظ «غازبروم» بمعظم الإمدادات، فيما يُعدّ الحصول على الغاز من إقليم كردستان العراق خطراً نظراً إلى الاحتكاكات السياسية مع الحكومة المركزية في بغداد، كما أن النزاع بين الاتحاد الأوروبي وطهران حول البرنامج النووي للأخيرة يزيل إيران من قائمة المزودين المحتملين، في حين تُستبعد سورية بسبب الاضطرابات التي تشهدها. وقال مدير «مركز قزوين للطاقة والبيئة» في «أكاديمية أذربيجان الديبلوماسية» النور سلطانوف أخيراً، إن «خط أنابيب جنوب شرقي أوروبا (إس إي إي بي) الذي ترّوج له شركة «بي بي» البريطانية، يقدّم الحل الأفضل. وعلى غرار «نابوكو»، يمتد هذا الخط إلى النمسا ليزوّد الأسواق الأوروبية الأكثر ربحية، لكنه أقل تكلفة نظراً إلى قدراته الأقل واستخدامه للبنية التحتية الموجودة حالياً. مشروع بديل ويمكن أن يقدم الاتحاد الأوروبي مشروع هذا الخط بدلاً من «نابوكو» في الأجل القريب، لكن قدراته الأقل لن تستفز روسيا على الأرجح، وفق سلطانوف الذي قال: «في العالم غير المثالي لخطوط الأنابيب، يمثّل مشروع إس إي إي بي أفضل الخيارات الممكنة بالنسبة إلى كل الأطراف». وأوضح محللون أن تزايد احتياجات أوروبا من الغاز، حتى في حال بناء خط رئيس للأنابيب مثل «نابوكو»، يجعل صعباً على أوروبا تحقيق خفض كبير في اعتمادها على روسيا. وتتوقع «بي بي» أن يزداد استخدام الغاز لإنتاج الطاقة في الدول الأوروبية من 40 في المئة حالياً إلى 60 في المئة عام 2030، مع توقع تضاعف واردات أوروبا من الغاز بحلول العام ذاته. وبلغت واردات أوروبا من الغاز 444 بليون متر مكعب من أصل 553 بليوناً استخدمتها دول الاتحاد الأوروبي عام 2010، وفق دائرة الإحصاءات الأوروبية «يوروستات».