على عكس ما يخيف الكثيرين في العالم العربي، الذين لطالما نظروا إلى التدخل العسكري الأجنبي على أنه احتلال، يقرر فقيه سعودي أن تدخله في حال طغى «ديكتاتور» على شعبه، ضرورة، وأحد الحلول لإزالة هذا العدوان باعتباره «صائلاً» تتطلب الضرورة خلعه ومدافعته. وخلص أستاذ السياسة الشرعية ونظم الحكم في جامعة الملك عبدالعزيز البروفيسور حسن سفر في دراسة شرعية سياسية لفقه السياسة الشرعية والأحكام النوازلية في الشريعة الإسلامية «الثورات على الأنظمة السياسية الديكتاتورية الفاسدة نموذجاً»، إلى أن الضرر يجب أن يزال عن الناس بأي وسيلة من الوسائل، «فقد يكون هناك عجز عن مقاومة «الصائل»، والفقهاء أجازوا محاربة «الصائل» بأي وسيلة تحقق الهدف الأساسي، وهو حفظ المقاصد العامة للشريعة. وبحسب نظر سفر فإن «الصائل» قد يكون النظام الذي يحارب مواطنيه، ويسرف في سفك دمائهم، كما في الحالتين الليبية والسورية، مؤكداً أنه يجوز الاستعانة للدفاع عن أفراد الشعب الذين لا حول لهم ولا قوة للمقاومة. ورأى سفر أن هذه الاستعانة قد تجلب خسائر في الأرواح والممتلكات، فُتجبر هذه الأضرار وفقاً لمقتضى الحال، وقال في ذلك: «إذا أتلفت من جراء الاعتداء ممتلكات وأرواح وأنفس فيكون التعويض، وإذا تلفت أعيان فلا بد من ردها إلى ما كانت عليه، ثم التراضي بالمساواة بين الضرر وإزالته، وإزالة انتهاك السيادة، فيكون التراضي بدفع أموال إذا أتلفت أنفس، أو ممتلكات أو بيوت، فالمسؤولية المدنية في الشريعة الإسلامية تقوم على المسؤولية الفردية عن التصرف، إذ يتحمل الفرد وحده المسؤولية عن أعماله في الدنيا والآخرة لقوله تعالى: «كل نفس بما كسبت رهينة»، فلو أتلف الأفراد نتيجة الحماس ممتلكات عامة أو خاصة فإنه يترتب على ذلك مسؤوليتهم، بالعقاب أو التجريم أو التعويض، وكذلك الحال للقوى الأجنبية لو امتد ضررها إلى غير الأهداف المحددة فإنها تقوم بالتعويض، والمسؤولية المدنية في الشريعة تقوم على فكرة الضمان، ومن المعلوم في علم الشرائع والقوانين أن التزام الدولة الإسلامية بإصلاح الأضرار الناشئة عن الانتهاك، يستوجب جبر الأضرار التي لحقت بالدولة، سواء كانت هذه الأضرار ممتلكات عامة أو خاصة، لأن النفع فيها للجميع مثل المستشفيات والمصانع والبنى التحتية، ويترتب على هذا أن الفعل الضار يستوجب إصلاحه من المعتدي، ويتمثل ذلك بالوفاء والالتزام بالإصلاح عملاً بقوله تعالى: «وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا». «وما كان الله مبيد الأنظمة إلى وحكامها مفسدون»، بهذا العنوان أجمل البروفيسور حسن سفر بحثه الشرعي، مؤسساً في بداية البحث لضرورة وجود نظام حاكم لكل تجمع بشري، «فمن المعلوم في علم الشرائع والقوانين أن الكائن الإنساني في هذا الكون من الضرورة أن يخضع لنظام يحدد سلوك أفراده وجماعاته وتنظيمه مع الطبيعة التكوينية له، فهو لا يستطيع العيش من دون نظام دستوري وسلطة قضائية وقواعد تنظّم علاقاته بسلطات الدولة قانونياً وسياسياً، وإلا عمَّت الفوضى، وساد الفساد، واضطرب الأمن، وخربت البلاد، وأفسد العباد، ودُمرت الممتلكات، وقُضي على الأنفس، واغتيلت الحقوق، وانتشر الظلم، ومن هنا، اقتضت أحكام الشريعة الإسلامية في نظامها الدستوري، وجود سلطة ومحاسبة، تؤطر للحقوق بين الراعي والرعية». وأوضح البروفيسور حسن سفر في دراسته أن أحكام القرآن الكريم، والتجربة التطبيقية لأفعال السنة النبوية الشريفة، لعنتا المفسدين والفساد المتولد عن الديكتاتورية والديكتاتوريين، فقال تعالى: (فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم، أولئك الذين لعنهم الله فأضلهم وأعمى أبصارهم)، وقال تعالى: (وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل، والله لا يحب الفساد). ويلفت سفر إلى أن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية والقانون الدولي الإسلامي في فقه العلاقات الدولية، استهدفت في منظومتها المقاصدية حفظ العقائد وصيانة الدماء والأموال، ومحاربة الفساد في المجتمع بأي صورة وشكل، «ومع وجود هذه المنظومة المقاصدية للشريعة، فإن هناك غايات خاصة، لكل ناحية من نواحي هذه المقاصد الشرعية بمختلف فروعها، ومنها أحكام للتعدي، وأحكام القضاء والعقوبات، والجرائم، في إصلاح الأفراد والساسة، والتعويض فيها وفق السياسة القضائية العدلية، فالسياسة العدلية هي تلك الأحكام التي تقتضي وضع عقوبة رادعة للمعتدي تقوم على القسط وهو ضد الجور، والشرع المحمدي مجمع العدالة، وإقامته مطلوبة في التصرفات كافة، وما يترتب عنها من عقوبات، كإصلاح الضرر أو التعويض عن الانتهاكات». ويشير الفقيه السعودي إلى أنه لما كان من قواعد الشريعة الإسلامية العدل والإنصاف وعدم التعدي فلا ظلم ولا عدوان، وأن كل ما يفضي إلى الظلم والعدوان، وإهلاك الحرث والنسل، وتفويت مصالح الأمة، وتضييع أموالهم وحقوقهم، واضطراب معيشتهم، وتبذير ثروات الأمة، يؤدي إلى التجريم والعقوبة والتعويض عن الأضرار. ويؤكد أن «الشريعة الإسلامية تجيز لرئيس الدولة أن يتصرف على الرعية بحكم الولاية، تصرفاً يقوم على المصلحة، عملاً بالقاعدة الفقهية السياسة التي تشير إلى أن (تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة)، وكل مصلحة قادت إلى هوى وشح متبع من السلطة السياسة الحاكمة في الشريعة الإسلامية تقتضي المحاسبة، والنموذج في هذا أن للثورات الشعبية على الأنظمة الفاسدة في عدد من الدول والبلدان في العالم على وجه العموم وفي عالمنا العربي والإسلامي على وجه الخصوص، أهمية سياسية ودلالات بحسب تحليل السياسيين والقانونيين، وهي تتمثل في إزاحة الأنظمة السياسية التسلطية الفاسدة، وفي التغيّرات التي تحدثها هذه الثورات في خريطة العالم، وتحفرها الذاكرة في الثقافة الإسلامية، وتفتح إدراكات للأفراد والجماعات على أهمية التطلع إلى مستقبل الأجيال، والقضاء على الفساد، وظهور التعبيرات السياسية الشرعية من الحرية والكرامة، والعدالة والمساواة، وإقامة دولة الحق والقانون وتكافؤ الفرص، وإقامة الدولة المدنية والحريات الفردية. وتناول البحث القواسم المشتركة للأنظمة القائمة، التي تحركت الثورات ضدها، سواء ما كان منها يعتمد على النظام السياسي الجمهوري، «فوجد أنها عبارة عن أنظمة تفتقد الشرعية الدستورية، وأنها في معظمها أنظمة أتت عبر الانقلابات العسكرية، أو من خلال التخطيط المدروس لتوريث السلطة، كما هي الحال في بعض الأنظمة، ما أوصل في النهاية إلى الثورات وهيجان الشارع الشعبي، وذلك ليس وقتياً أو طارئاً، وإنما هو بنيوية تحولية خرجت بقوة بعد أن كانت تهان من الأنظمة الحاكمة الفاسدة، إلى أن بلغ السيل الزبى وطفح الكيل في استغلال الثروات، ونهبها، وقدمت التنازلات بالأنفس والأموال والمواقف على حساب الشعوب والأوطان، وإدراكاً من الشعوب الحرة والوطنية التي شعرت أن الديكتاتوريات لن تقودها إلا إلى الهاوية والفساد فإنها رأت أن بقاء الرموز الديكتاتورية من الحكام في السلطة ما هو إلا استمرار لتدمير الحياة والشعوب، وقيادة البلدان إلى التدهور بقمع الحريات وكثرة المظالم والفساد والنهب، فكانت المقاومة لإزاحة هذه الأنظمة في شكل ثورات لأنها لم تقم سلطتها على بيعات شرعية وإرادة شعوبية». وأورد سفر من الأسباب التي أدت إلى الخروج، انحراف السلطة الحاكمة، وذلك بتخليها عن الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة ونظاماً أو سلوكاً، لتصبح أداة في أيدي دول خارجية كبرى، أو سياسة داخلية لا ترعى شؤون الأمة بلاداً وعباداً، وتسلّط البطانات الفاسدة ذات المصالح الشخصية، وتغييب سلطة الحكام وشل حركتهم بالتعتيم وتحسين وتزيين الصورة، وتلميع البطانة لأنفسهم فيتولّد التراشق والبغضاء المتبادلة، وفي هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم». وأضاف: «من البغض لهذا الصنف من الحكام استئثارهم بالحظوظ الدنيوية والأموال وكنز الأرصدة والتلاعب بثروات البلاد، وإيداع المدخولات في بنوك أجنبية، وتوظيف الأموال غسلاً وتزويراً، والاتجار في السلاح والمخدرات والمحرمات، ومن صور الانحرافات القضاء على المعارضين ذوي النزعة الوطنية والسطو عليهم تنكيلاً وتعذيباً وقمعاً وتغريباً كما هو واقع في ظل بعض الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة، التي أبادها الله بظلمها رعاياها والبعد عن الاحتكام إلى الشريعة». «النموذج المميز» يمنع من الخروج على الحاكم الشرعي