عروض الأفلام السينمائية عبر التلفزيون ظلت طيلة العقود الماضية أقلّ أهمية من عروضها التقليدية في دور العرض السينمائية. تلك النظرة أتت من جماليات العروض التقليدية أولاً، ثم بعد ذلك من حقيقة أن ما تعرضه القنوات التلفزيونية من أفلام هي بالضرورة ليست جديدة. مع ذلك فلا أحد ينكر اليوم الخدمات الكبرى التي يقدمها التلفزيون للسينما. التلفزيون ينهض اليوم بالدور الذي اهتزّ كثيراً لدور العرض السينمائية، على الأقل في البلدان العربية التي تقلصت في مدنها دور العرض الحديثة، ناهيك عن انحسار عادة المشاهدة واكتفاء نسبة كبرى من عشاق السينما بالجلوس في بيوتهم ومتابعة الأفلام السينمائية من هناك طلباً للراحة، ولكن أيضاً حرصاً على الألفة والحميمية التي يوفرها البيت باعتباره المكان الخاص. السينما في التلفزيون ليست بالتأكيد محصورة في هذا الدور، فالأهم في تقديرنا مساهمتها في النهوض بالدراما التلفزيونية وانتشالها من حالة السرد الرتيب صعوداً إلى حيوية السينما وجمالياتها. قبل عقدين ويزيد أطلق «شيخ المخرجين السوريين» هيثم حقي دعوته إلى تحقيق الدراما التلفزيونية بلغة بصرية سينمائية. كانت الدعوة برأي بعضهم أقرب إلى التبشير، لكنها اليوم أصبحت حقيقة ملموسة، فمعظم المسلسلات التلفزيونية الناجحة هي تلك التي جرى تحقيقها بلغة السينما وأساليبها، سواء تعلق الأمر بالخروج إلى الأماكن الحقيقية ومغادرة الأستوديوات المغلقة، أو حتى بانسجامها مع فكرة «الرواية التلفزيونية» بديلاً من الحكاية التي تستدرج السرد الحكائي ويستدرجها. ليس التلفزيون «فناً مختلفاً» كما دأب بعض العاملين فيه على القول، كما أنه أيضاً ليس سينما من الدرجة الثانية مثلما يردد بعض آخر، فهو في الأحوال كلها فن يقوم على الصورة وعلى الرواية معاً. الدراما التلفزيونية هي بهذا المفهوم تقوم على المخيلة وعلى براعتها في خلق الصورة وتحريكها واستثمار إمكاناتها على نحو مبدع وخلاق يمكنه بدوره تحريك مخيلة المشاهد وجذب اهتمامه. هكذا تبدو لنا الدراما الناجحة، أما تلك التي تراوح في مساحات التأكيد على خصوصيات تضعها خارج الإبداع الحيوي فليست سوى حكايات تفشل حتى في تسلية المشاهدين ناهيك عن إمتاعهم أو استقطاب دهشتهم.