علينا أن نغادر لئلا نقع فرائس اكتئاب له أول وليس له وسط ولا آخر، الابتعاد قليلاً والرحيل فترة عنهم والتنحي عن متابعة المآسي التي تضرب الأرض وذاكرتها هو الحل. لا أحسب أن واحداً من المليارات الثمانية المحسوبين على الكرة الأرضية وهو في هذه اللحظة (من دون أن انظر إلى عقارب ساعتي البائسة التي ضجرت من دورانها ليس حول الشمس أو حول كواكب أخرى، بل أمام ناظري اللذين لا يرحمان) لا يتوق إلى الهدوء والسكينة، إلى الهروب الشرعي والمشروع من ضجيج لا ينتهي وصخب يملأ الحواس. أمور كثيرة تدور في خلدي، ولست الوحيدة حبيسة هذه الحالة، كلكم أنا وأنا كلكم، فتعالوا نبحث عن حلول، فكم هو رائع ذاك الإحساس بالطمأنينة والهدوء النفسي، عندما أغافل هاتفي الجوال وأهرب منه من دون أن يعرف مكاني وزماني فيلحق بي، إن لم يكن هو شخصياً فصوته الأجش الذي لا يرحم الآذان. وكم هو رائع أن أدير ظهري لكل شاشات التلفزة والإنترنت وكل إذاعات العالم وصحفها المرئية والمسموعة والمرموقة، وامضي إلى خلوة مع الذات ولكن ليس أية ذات، فقد تكون تلك المشحونة والمعبأة بمشكلات الناس وهمومهم وتوتراتهم وضغوطهم وإحباطهم وخوفهم ويأسهم وقنوطهم. أريد ذاتاً مجردة، ذاتي الفطرية التي ورثتها أماً عن ست! المليئة بالتفاؤل والإيمان، المتعطشة إلى النقاء والصفاء الذهني والتفكير الهادئ. آه يا سلام! أنا في هذه اللحظة غير الحاسمة، بل العادية جداً، أتوق كما أسلفت إلى جرد حسابات أقرر على ضوئها وخفوتها من أقابل؟ هل أحصي عدد الكلمات التي سأنطق بها؟ أم أدع أمر كلماتي على غاربها؟ هل سأتدخل بما يعنيني ولا يعنيني وما يهمني ولا يهمني وإلى من يهمه الأمر؟ أم أقف مكتوفة الأيدي ومجدولة الحواس وفاقدة الحماس من القمة على الأساس؟ أقول ما أقوله ليس هرباً من تحمل المسؤولية، ولا أقول قولي تقصيراً في أداء الواجب، بل إنها استراحة المحارب الذي لا بد أن يهيئ نفسه من جديد ويشحذ أحلامه وأقلامه وآماله لينطلق إلى ميدان الحياة باسماً وراغباً وراضياً بما قسم الله عز وجل وقدر ولطف، فما يمر على العالم كثير أوصلنا إلى درجات عليا وحارة من عدم الأمان. فلننسَ ما يحدث خارجنا وتعالوا نركز على دواخلنا، فكم من مرة دخلنا في حالة تؤرقنا فيها حتى الموسيقى الهادئة أو أصوات أحبابنا، وكم من مرة تكاسلنا حد أن نحرم أنفسنا من هواية ما ومن رياضة ما ومن فرح ما. نحن في حاجة، أو أنا شخصياً على الأقل، إلى قيلولة ما بعد اليأس. [email protected]