«لأنه وفي النهاية السينما تصنع، دوماً، في مكان آخر غير المهرجانات وبعيداً جداً من بهرجتها»! بهذه العبارة الجميلة والصادمة اختتم الناقد السينمائي العراقي المغترب الصديق قيس قاسم مقاله الذي نشره في ملحق سينما لجريدة «الحياة» والذي جاء تحت عنوان «المهرجانات الدولية لن تُسمن السينما العراقية» وكأنه بذلك ينفي أهمية إقامة مهرجانات سينمائية دولية في بغداد التي تأخرت كثيراً عن ولوج هذا المجال الإبداعي منذ عقود عدة لظروف معروفة لكل المعنيين في الشأن السينمائي. ولعل زميلنا قاسم يغفل حقيقة عشناها حية طوال العقود المنصرمة وامتدت إلى يومنا، تمثلت بحجم الإهمال والتهميش والأدلجة التي عانت منها السينما العراقية وصنّاعها ناهيك عن حجم الخراب والدمار الذي لحق ببناها التحتية قبل وبعد التغيير في عام 2003الأمر الذي انتقل تسلسلها من بين دول المنطقة إلى المراتب النهائية بعد أن كانت من أوائل السينمات العريقة. وأكاد أقول هنا إن الحراك السينمائي الذي شهده العراق بعد التغيير والذي حمل رايته ثلة من الشباب العاشقين للفن السابع وفي مقدمهم عدي رشيد ومحمد الدراجي، هو الذي جعلنا نعلن في اكثر من مناسبة أن الأمل معقود على هؤلاء الشباب في عودة الحياة للسينما العراقية وإعادة دوران عجلتها على أسس صحيحة وسليمة. وهذا ما حصل فعلاً إذ إن هؤلاء الشباب استطاعوا أن يحققوا الانطلاقة الجديدة للسينما العراقية بحرص وتفان ومسؤولية دون أن توهن عزيمتهم وإصرارهم صعوبات وعراقيل لا تعد ولا تحصى في بلد حاولت قوى الظلام والإرهاب أن تعيده إلى العصور المظلمة. لقد تعددت المحاولات من اجل إثارة انتباه الدولة والحكومة والبرلمان للاهتمام بالسينما ودعمها باعتبارها صناعة وطنية لابد من حضورها سلاحاً ثقافياً وتنويرياً فعالاً في المعركة ضد الإرهاب وقوى الظلام، وأيضاً في معركة بناء العراق الجديد في وقت لم تحظ فيه دائرة السينما والمسرح بأي دعم مادي ملموس لأخذ زمام المبادرة في إنعاش السينما وتوفير كل مستلزمات الصناعة السينمائية الحديثة شكلاً ومضموناً. ومن هنا فإن جملة من المهرجانات السينمائية التي شهدها العراق على مدى السنوات الثماني الماضية لاسيما الدولية منها وعلى الرغم من تواضع البعض منها، أسهمت في الحراك الثقافي والفني في الداخل العراقي لاسيما على صعيد السينما من خلال إثارة انتباه الجميع لاسيما في وزارة الثقافة لإيجاد الخطط الكفيلة لانتشال السينما العراقية من واقعها الحالي والاهتمام الجدي بها. فقد أفضى ذلك إلى قرار الوزارة بإنتاج مجموعة من الأفلام الروائية الطويلة والقصيرة فضلاً عن الوثائقية ليصب في مصلحة السينما العراقية من خلال استثمار مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013 والذي سيشمل - كما هو معروف - استيراد أجهزة تصوير حديثة متكاملة وضمنها آلات المونتاج التي دونها لا يمكن أن تتكامل عمليات النتاج السينمائي المطلوبة لاسيما أن أسماء مهمة في مستوى ومكانة مخرج مخضرم كبير مثل محمد شكري جميل شيخ المخرجين السينمائيين العراقيين، ستتاح لها الفرصة لإنتاج وإخراج بعض من الأفلام الجديدة ناهيك عن مشاركة عدد من المخرجين الشباب والجدد الذين حتماً ستتكامل بهم صورة الواقع السينمائي العراقي الجديد الذي نأمل بألاّ يتوقف عند هذه الحدود لينتقل الفن السابع إلى هدف استراتيجي لا مرحلي.