فقط في الفترة الأخيرة من العام الذي ينقضي، ظهر العدد الأكبر من نتاجات السينمائيين العراقيين. فقبل شهرين، من الآن تقريباً، عرض عدي رشيد فيلمه الروائي الثاني «كرنتينة» ضمن الدورة الرابعة لمهرجان أبو ظبي السينمائي، التي عرضت، أيضاً، جزءاً من الفيلم الوثائقي «في أحضان أمي» للأخوين عطية ومحمد الدراجي، وهو قيد الإنجاز. وفي الدورة السابعة لمهرجان دبي، شارك العراق بفيلمين؛ الأول هو «المُغني» لقاسم حول والثاني «الرحيل من بغداد» لقتيبة الجنابي الى جانب بعض الأفلام الكردية منها: فيلم حسين حسن «زقاق الفزاعات» المشارك في مهرجان القاهرة الأخير. ومع قلة المنتوج، يلاحظ المرء حضوراً للسينما العراقية، مختلفاً ومتقدماً عن السنوات التي سبقته. فمن أين جاء هذا الانطباع وكيف تكوّن؟ نحسب أن المهرجانات العربية والعالمية هي من بين أكثر المجالات حيوية، واستيعاباً، لنشاط السينما العراقية، وهي، بالتالي من ولّد الإحساس بكثافة وجود هذه السينما وان بشكل نسبي. فأكثر الأفلام العراقية، تعرض فيها، وتحصل على دعمها ومنها تسوق إعلامياً، ويكفي الإشارة إلى مشاركة فيلم «ابن بابل» لمحمد الدراجي في الحقبة السابقة، في أكثر من 15 مهرجاناً، وحصوله على دعم كبرياتها كبرلين وساندانس وروتردام، الى جانب المهرجانات العربية. وفي السياق ذاته تأتي أهمية حصول صاحبه على جائزة مجلة «فرايتي» السينمائية، المختصة التي وصفته ب «السينمائي الأكثر اجتهاداً في المنطقة»، أثناء تسميته «مخرج الشرق الأوسط» لعام 2010. وفي مهرجان الخليج السينمائي في دبي خرج العراق فائزاً هذا العام بأكثر جوائزه، وثمة تغير جديد، تمثل في إقامة مهرجانات سينمائية محلية، مثل: «مهرجان ثقافات للفيلم العراقي» و «مهرجان الأفلام الوثائقية»، الذي نظمته شبكة الإعلام العراقي، وآخرها «مهرجان سينما دول الجوار». وبصرف النظر عن مستوى هذه المهرجانات وانتشارها ونجاحها فإنها تشير الى حراك داخلي يسعى الى فرض وجود السينما في جو معاد لها، وهو تجلى في قرار، صدر أخيراً، وقضى بتحريم تدريس مادة التمثيل في معهد الفنون الجميلة! ولكسر حصر عرضها في الخارج حاول بعض السينمائيين عرض نتاجاتهم داخل العراق، على رغم عدم وجود صالات عرض صالحة، محاولين بهذا خلق تفاعل بين المنتج السينمائي وجمهوره من جهة، وخلق مراكز تعاون بين السينمائيين أنفسهم من جهة أخرى، فأنبثق من ذلك تأسيس مركز سينمائي جديد أخذ على عاتقه عرض الأفلام ودعم نتاجات الشباب، بخاصة الأفلام القصيرة منها. ولكن في المقابل ظلت الدولة بعيدة عن هذا الحراك الذي اتسم بالفردية كما اتسمت نتاجات العراقيين بنزعة «سينما المؤلف»، عدا إقليم كردستان الذي دعم سينمائييه وأقام هو الآخر مهرجاناته المحلية، وأشرك أكراداً من مناطق مجاورة في صناعة أكثر أفلامه. أما على المستوى الأكاديمي فلم يشهد عام 2010 تغيراً يذكر فظلت «أكاديمية بغداد» بإدارة ميسون الباجة جي وقاسم عبد، الأكثر نشاطاً في تأهيل السينمائيين العراقيين بأدوات وإمكانيات بسيطة، لكنها مفيدة في ظل غياب حقيقي للمعاهد المختصة. وأهمية هذه المعاهد دفعت الهولندية شوشين تان لإخراج فيلم وثائقي عنها حمل عنوان «مدرسة بغداد للسينما»، عرض في مهرجان دبي الأخير، وسلط الضوء على واقع السينما العراقية والرغبة الحقيقة عند الكثيرين لتطويرها.