بعد أقل من 24 ساعة على توقيع اتفاق توحيد المعارضة السورية، ممثلة في «المجلس الوطني السوري» و «هيئة التنسيق الوطنية»، ظهرت خلافات حادة بين الجانبين من جهة وداخل «المجلس الوطني» من جهة اخرى، ألقت بظلال شكوك قوية حول قدرة المعارضة على الوحدة، بسبب اختلافات كبيرة في وجهات النظر حول تعريف «التدخل الأجنبي» و «مداه». وبعد نشر وثيقة تتضمن بنود الاتفاق وأثارت استياءً بالغاً وعاصفة احتجاجات في صفوف المجلس الوطني ودفعت بعض أعضاء المكتب التنفيذي للمجلس الوطني إلى تجميد عضويتهم فيه، أعلن برهان غليون رئيس «المجلس الوطني»، أن النص «مجرد مسوّدة» سُرّبت قبل التصديق عليها، وأنه كان سيعرضها على الأمانة العامة للمجلس قبل إبرامها بشكل نهائي، في حين قال هيثم مناع رئيس «هيئة التنسيق»، إنه وقّع الورقة بالفعل ك «نص اتفاق» مع غليون بحضور 7 أعضاء من الجانبين. وسارع «المجلس الوطني» إلى حسم الجدل الداخلي حول الوثيقة الموقعة مع «هيئة التنسيق»، فشدد على ان ما جاء فيها مجرد «مسوّدة» تُعرض على الأمانة العامة للمجلس، واستغرب قيام «هيئة التنسيق» بتسريب نصها بعد الانتقادات التي طاولتها من قبل الحركات الكردية وجماعة «الإخوان المسلمين». وقال أنس العبدة عضو الأمانة العامة للمجلس الوطني، إن الاتفاق الذي توصل إليه المجلس مع هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي «غير ملزم» بالنسبة له. ورداً على ما أسفر عنه الاتفاق من خلافات بين أطياف «المجلس الوطني السوري»، قال بيان صادر عن مكتب رئيس المجلس الوطني برهان غليون، إن «هيئة التنسيق قامت بنشر المشروع على أساس اتفاق نهائي قبل الرجوع إلى الهيئات القيادية المعنية لدى الطرفين، وهذا مخالف لقواعد العمل المشترك كلها، وهو أول خرق لمشروع التفاهم المحتمل». وأضاف البيان: «الوثيقة هي مشروع وليست اتفاقاً نهائياً، وسيتم عرضها على الأمانة العامة والمكتب التنفيذي في المجلس الوطني، ويجب أن تُقَرّ في المجلس الوطني حتى تصبح وثيقة اتفاق معترَف بها... ويأتي هذا المشروع تلبية لطلب جامعة الدول العربية في توحيد رؤية المعارضة لتقديمها إلى مؤتمر المعارضة السورية الذي سيضم المجلس الوطني وهيئة التنسيق الوطنية وأطياف المعارضة كافة، وضمن هذا المؤتمر يمكن قبول هذا المشروع أو رفضه». وحول ما جاء في الوثيقة لجهة رفض التدخل الأجنبي، قال بيان مكتب غليون: «نحن نرفض التدخل الأجنبي البري، الذي من شأنه المساس بوحدة الأراضي السورية واستقلالها، ونوافق على التدخل الأجنبي الذي يفرض مناطق عازلة تحت حظر جوي وبحري، وهذا ركيزة أساسية في مطالب الحراك الثوري». وانتقد المجلس الوطني «هيئة التنسيق الوطنية»، التي قال إنها «جسد ليس له أرضية شعبية واسعة»، ورأى أن موافقتها على الاكتفاء برفض التدخل الأجنبي البري «يعني انشقاقاً سياسياً من طرفها عن النظام السوري وضربة ذات ثقل ضد النظام السوري ومحاولة لعزله سياسياً». وأكد البيان على موقف المجلس الوطني ورئيسه على «ضرورة تدويل الملف السوري وتحويله إلى مجلس الأمن الدولي بأسرع وقت ممكن،» كما أكد «الدعم الكامل» للقوات المنشقة عن الجيش السوري، والتي تعمل تحت اسم «الجيش السوري الحر،» بعد أن كانت الوثيقة قد اكتفت بالإعراب عن «الاعتزاز» بمن رفض إطلاق النار على المحتجين. وكانت جماعة الإخوان المسلمين في سورية انتقدت الوثيقة بالصيغة المقدمة من «هيئة التنسيق الوطنية»، والتي أظهرتها على أنها صيغة نهائية، وقالت إن هذه الوثيقة «احتوت على الكثير من التفصيلات المثيرة للجدل الوطني، وغاب عنها العديد من المواقف والمطالب الوطنية المهمة، كما أن كثيراً من الصياغات اللفظية قد تم بطريقة ضبابية تثير الريبة والشك». وختم الإخوان بيانهم بالقول: «نعلن أن الوثيقة المشار إليها إنما تعبِّر عن وجهة نظر الجهة التي تقدمت بها، ولا تلزم المجلس الوطني، ولا جماعة الإخوان المسلمين في سورية، إلاّ بعد إقرارها من قبل المؤسسات المعنية». كما أصدرت الكتلة الكردية في المجلس الوطني السوري بياناً قالت فيه إنها «فوجئت» كغيرها من مكونات المجلس الوطني السوري بإعلان الاتفاق، وأعلنت «استغرابها لهذا السلوك من قيادة المجلس»، وأكدت رفضها لهذا الاتفاق. أما «هيئة التنسيق الوطنية»، فقد انتقدت رد المجلس الوطني، وقالت في تعليق لرئيسها في المهجر هيثم مناع، الذي يظهر توقيعه على الوثيقة: «بعد نشر بيان من الدكتور غليون حول الموضوع، أصبح من الضروري تقديم تقرير مفصل للمعارضة الديموقراطية السورية وأصدقائنا العرب والرأي العام حول ما جرى بدقة، من أجل توضيح وقائع المباحثات، والجلسات الأخيرة تحديداً، ووجهة نظر الوفد المفاوض في هيئة التنسيق الوطنية، وسينشر التقرير في أقرب أجل». وكانت «هيئة التنسيق» السورية قد أعلنت اول من امس، أنها توصلت إلى توقيع اتفاق مع المجلس الوطني، وذلك بهدف توحيد القوى المناهضة لحكم الرئيس بشار الأسد، ويحدد الاتفاق معالم المرحلة الانتقالية، على أن يقدم كوثيقة رسمية للجامعة العربية. وتشير أبرز مواد الاتفاق إلى «رفض أي تدخل عسكري أجنبي يمس بسيادة البلاد واستقلالها»، مع الإشارة إلى أن التدخل العربي «لا يعتبر أجنبياً»، لكنه أضاف ضرورة «حماية المدنيين بكل الوسائل المشروعة في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان». وأكد الاتفاق «صون الوحدة الوطنية للشعب السوري بكل أطيافه وتعزيزها، ورفض الطائفية والتجييش الطائفي وكل ما يؤدي إلى ذلك وإدانته»، إلى جانب «الاعتزاز» بمواقف الضباط والجنود السوريين الذين رفضوا الانصياع لأوامر النظام ب «قتل المدنيين المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية». وبالنسبة للمرحلة الانتقالية، قال الاتفاق إنها تبدأ بسقوط النظام القائم بكافة أركانه ورموزه مع الحفاظ على مؤسسات الدولة ووظائفها الأساسية، وتنتهي بإقرار دستور جديد للبلاد يضمن النظام البرلماني الديموقراطي المدني التعددي والتداولي وانتخاب برلمان ورئيس جمهورية على أساس هذا الدستور. وحدد الاتفاق الفترة الانتقالية بسنة قابلة للتجديد مرة واحدة، وتعهد بأن تلتزم مؤسسات الدولة في المرحلة الانتقالية بأن يكون الشعب مصدر السلطات، وباستقلال سوريا وحماية أسس الديموقراطية المدنية والحريات. كما تطرق الاتفاق إلى المسألة الكردية، بالتأكيد على «أن الوجود القومي الكردي جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، وهو ما يقتضي إيجاد حل ديموقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً، الأمر الذي لا يتناقض البتة مع كون سورية جزءاً لايتجزأ من الوطن العربي». وحملت صورة من الاتفاق نقلها الموقع الرسمي لهيئة التنسيق توقيع رئيس الهيئة في المهجر هيثم مناع، وكذلك رئيس المجلس الوطني السوري برهان غليون. وأشارت هيئة التنسيق إلى أن المباحثات حول هذا الاتفاق استمرت لأكثر من شهر. وكان من شأن هذا الاتفاق بين أكبر تجمعين للمعارضة السورية تلبية مطلب توحيد مواقف القوى المناهضة لحكم الأسد، إلى جانب الاستجابة لشروط مبادرة الجامعة العربية التي دعت المعارضة للتوحد والخروج ببرنامج مشترك للمرحلة الانتقالية. ويعتبر المجلس الوطني السوري الممثل الأكبر لقوى المعارضة السورية حالياً، ويضم تشكيلات عديدة، بينها جماعة الإخوان وحركات كردية وشبابية، أما «هيئة التنسيق»، فتضم مثقفين وناشطين، ومجموعة أخرى من الأحزاب الأصغر حجماً، وهي ترفض تدويل الملف السوري. وكان من المفترض ان يقدم الطرفات نص الاتفاق بينهما الى الجامعة العربية امس.