لن يكون الطريق الذي سيسلكه الشاب الهولندي «مانو»، والذي فاز أخيراً بأول مسابقة تلفزيونية لاختيار رئيس وزراء لهولندا، مختلفاً كثيراً عن ذلك الذي يتوجب أن يقطعه زملاؤه من الفائزين ببرامج المواهب التلفزيونية المتنوعة. فالتلفزيون يكتفي بوضع هؤلاء على بداية طريق النجاح الطويل. لكن أحداً لا يستطيع التكهن بعد ذلك، بما سيؤول إليه مصير هؤلاء، وهل ينتهون للنسيان بعد أشهر فقط من تصدرهم الحياة الاجتماعية، كما حدث لنجوم من برامج المواهب تلك، أم تتخلى غالبيتهم عن أحلامها الأصلية الكبيرة، وتكتفي بأدوار ومراكز تناسب مواهبها الحقيقية؟ لا يختلف برنامج «مطلوب رئيس وزراء» الذي عرضته شاشة القناة الهولندية الرسمية الثالثة، بتركيبته التلفزيونية كثيراً عن برامج اختيار مواهب أخرى. لكن «الهدف النهائي» من المسابقة، أي اختيار سياسي ببرنامج إصلاحي، هو ما يميزه عن معظم برامج المواهب، ويدرجه ضمن فئة البرامج التوعوية. لذلك لم يكن غريباً أن يجد البرنامج التلفزيوني طريقه إلى شاشة قناة حكومية بدل القنوات التجارية (عرين برامج المواهب). كما أن من غير المعروف ما إذا كانت القناة الهولندية، ستنتج حلقات جديدة منه، أم تكتفي بما عرضته بعد الصخب المرتفع الذي أثارته الفكرة، بخاصة في مواقع التواصل الاجتماعي. واللافت أن برنامج «مطلوب رئيس وزراء» الهولندي، والذي قد يكون الأول بفكرته التلفزيونية المبتكرة، عرض في الأسبوع ذاته الذي شهد عرض برنامج تلفزيوني هولندي آخر أثار ضجة حول العالم، بسبب قيام مقدميه بأكل لحم بعضهم كجزء من التجارب التلفزيونية المجنونة التي يقومون بها، من دون أن يثير البرنامج الأول الاهتمام نفسه، في تأكيد جديد بأن التلفزيون يفشل في بيع «السياسة» كمادة ترفيهية، حتى حين غلفها بثوب التركيبة التلفزيونية الشعبية. استعاض برنامج «مطلوب رئيس وزراء» عن تصويت الجمهور للمشتركين، كما هو سائد في معظم برامج اختيار المواهب التلفزيونية، بلجنة تحكيم تتألف من سياسيين سابقين ومعاصرين، خبروا العمل السياسي في البرلمان الهولندي. هذه اللجنة هي التي اختارت الفائز الذي رأت أنه يصلح لمنصب رئيس الوزراء الهولندي المقبل، بعد مجموعة من الاختبارات، منها مناظرات تلفزيونية بين المشتركين أنفسهم، وأخرى مع أعضاء لجنة التحكيم. في تلك المناظرات، تقترح إدارة البرنامج مواضيع للنقاش على المشتركين، وتطلب منهم الدفاع عن وجهة نظر معينة، ضمن زمن محدد، يشبه ذلك الذي تفرضه المناظرات السياسية التلفزيونية التي تسبق الانتخابات البرلمانية الهولندية. كما يفسح البرنامج المجال للمشتركين للحديث عن قضايا تشغلهم منذ زمن، ليقدموا عبر منبر التلفزيون خطبة تلفزيونية بليغة، جرى التحضير لها بحرص واضح. وفي تأكيد جديد أن أبناء المهاجرين لم يفشلوا تماماً في الاندماج في المجتمع الهولندي، كما تروج الأحزاب الهولندية اليمينية المتشددة، وصل اثنان من أبناء الجيل الثالث من المهاجرين العرب والأفارقة إلى المرحلة الأخيرة من المسابقة، وأظهرا وطنية لا تقل أبداً عما يحمله غيرهما في المسابقة. يهيمن الهدف الاجتماعي على هذا البرنامج الذي عرض أفلاماً قصيرة عن المتبارين، تحدثوا فيها عن أسباب شغفهم بدخول معترك السياسة، وإيمانهم العميق ببلدهم والدور الذي يجب أن يضطلع به في الدفاع عن ثوابت إنسانية معينة. ويتجه البرنامج في جوهره إلى الشباب الهولنديين، الذين، كحال عدد من نظرائهم في الدول الأوروبية، لا يعرف عنهم اهتمامهم الكبير في السياسة. لذلك، يغازل البرنامج جمهوره بتركيبة برامج معروفة، ويختار لهم متنافسين لا يقلون وسامة وحماسة عن الذين يمرون في برامج البحث عن نجوم الغناء، ويمنحهم فرصة التوجه إلى جمهور كبير، لإقناعه بموهبتهم وغاياتهم.