خصصت القنوات التلفزيونية الحكومية الهولندية الثلاث، وخلال شهر فقط، بضع ساعات تلفزيونية لبرامج جديدة عن الاسلام ومسلمي هولندا. برنامج مسابقات شعبي معروف، اختبر معلومات الهولنديين عن الاسلام، وقدم حلقة خاصة بعنوان «كل ما تريد ان تعرفه عن الاسلام وتخشى سؤاله». في حين خصصت القناة الثانية قبل اسبوعين، ساعتين للحديث عن قضايا الحب، العلاقات العاطفية، والزواج للمسلمين والمسلمات الهولنديين الشباب، وقدمت نقاشات اقتربت من الحدة بين مشتركين، اختلفوا او توافقوا مع اسلوب الآباء في التنشئة، وتعارضه احياناً مع ما يفرضه البلد الاوروبي من اسلوب حياة مختلف، بقيمه الاخلاقية عن تلك البلدان التي ينتمي اليها المهاجرون. القناة التلفزيونية الثانية ذاتها، هي التي بدأت أخيراً عرض برنامج جديد بعنوان «جامعي في المقدمة». وفيه يزور مقدما البرنامج مجموعة مختارة من جوامع هولندا الكبيرة، في محاولة للبحث عن تأثيرها على مرتاديها من المسلمين، والعلاقات التي اسستها هذه الجوامع مع محيطها الاوروبي. اللافت في البرنامج الأخير هو فكرته الاصيلة. فعلى رغم اهمية الجامع الكبيرة، الا ان حضوره التلفزيوني نادر. ويغيب كثيراً الحديث عن الجامع كمؤسسة اجتماعية، وعلاقته بالمدن والاحياء التي يقع فيها، واثر عمارته الخارجية والداخلية في تحديد هويته الخاصة، وايضاً الاسباب والظروف التي تجعل بعض الجوامع اكثر تفاعلاً وتأثيراً في مجتمعاتها عن أخرى تكتفي بتقديم الوظيفة الاساسية للجامع، والتي تتلخص بتقديم مكان مناسب لاداء فريضة الصلوات عند المسلمين. ما يكشفه البرنامج مبكراً، هو الاهمية التي صارت ترتبط بالجامع الاسلامي في اوروبا، والجدل الذي يثيره اداء الجوامع هناك. فالقناة التلفزيونية ذاتها التي تعرض برنامج «جامعي في المقدمة»، كانت اثارت موجة من الغضب الشعبي الواسع، عندما عرضت قبل اعوام تقريرا صوّر بكاميرا سرية لخطبة إمام متطرف في احد جوامع امستردام، دعا فيها مسلمي هولندا الى مقاطعة الحياة الاجتماعية الهولندية، ومنع اطفال المسلمين من الاختلاط مع الاطفال الهولنديين في المدارس. كذلك يحتل النقاش حول جنسيات ائمة جوامع المسلمين في هولندا، اهمية متصاعدة، مع دعوات الحكومة الهولندية، الى الاستفادة من جيل المسلمين الموجود اصلاً في البلد، وعدم استقدام أئمة من المغرب او تركيا او دول اخرى، بسبب جهلهم بظروف الحياة في هولندا. لا تكتفي الجوامع التي زارها مقدمو البرنامج بالصلاة، فصفوف تعليم اللغة العربية والتركية، اصبحت لازمة عدد من الجوامع الكبرى، كذلك يحاول بعضهم الانطلاق من «الجامع» للحوار مع غير المسلم، بتنظيم نشاطات، بعضها يتعلق بهموم مشتركة، مثل العنصرية، او التصدي للاحزاب اليمنية المتطرفة، وايضاً التعريف بالاسلام ومثله المتسامحة، من طريق تنظيم لقاءات مفتوحة مع ابناء الحي. كذلك يضطلع عدد من الجوامع الهولندية بمهات تخص المرأة المسلمة، كدورات تعليم اللغة الهولندية، واخرى لتعليم حرف ومهارات، تساعد في كسر عزلة النساء المسلمات في هولندا. من المشاهد المؤثرة في البرنامج، تلك اللقاءات التي اجراها مع هولنديين من غير المسلمين، جذبهم انفتاح الجامع للمشاركة في نشاطاته، مثل الهولندي الذي يبلغ السبعين، والذي يقدم دروس اللغة الهولندية لمجموعة من النساء التركيات المسنات في احدى غرف الجامع السفلية. قال الهولندي انه تخلى عن الساعات التي خصصها للعب رياضة الغولف من اجل مساعدة هؤلاء النساء، وعبر عن سعادته بوعودهن بالدعاء له. لم يشأ البرنامج ان يحقق مع ادارات الجوامع، عن مصادر التمويل، وهو الموضوع الذي يثير ايضاً الكثير من الجدل في هولندا واوروبا، بخاصة ان بعضهم يربط بين دعوات عدم التسامح التي تصدر من بعض جوامع هولندا، ومصادر تمويلها الخارجية. كذلك اختار البرنامج عدم الدخول في نقاشات عن الاسباب التي تجعل عدداً من الجوامع يختار أئمته من تركيا او المغرب، وعدم البحث عن الاشخاص المناسبين ضمن المليون مسلم الذين يعيشون في هولندا. في المقابل، اجتهد البرنامج الذي بحث ايضاً عن الكوميديا والابتسامة، لإزالة الصورة النمطية التي تحيط بالجامع، وفتحه امام الجمهور الواسع، وتقديم ما يجري خلف جدران تلك المباني بشفافية كبيرة.