عاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو، في تعاطيه مع الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، إلى «معادلته» القديمة التي وضعها خلال ولايته السابقة قبل عقد من الزمن القائمة على «الأخذ والعطاء» والتي عرفت بكلمتي «يعطون يأخذون»، أي أن تحصل إسرائيل على مقابل من الفلسطينيين ليأخذوا «تنازلات» إسرائيلية، لكنه وسّع نطاقها هذه المرة حين أعلن أن الدولة العبرية تشترط القيام بخطوات تنطوي على تنازلات إسرائيلية بالحصول على مقابل من الدول العربية أيضاً تتمثل أساساً بتطبيع تدريجي في العلاقات. وأفادت وسائل الإعلام العبرية أمس أن نتانياهو قال في لقائه سفراء الاتحاد الاوروبي مطلع الأسبوع إن «كثيرين من الإسرائيليين مستعدون للقيام بتنازلات كثيرة للفلسطينيين، لكنهم ليسوا مستعدين أن يكونوا مغفلين، وعليه إذا أراد أحد أن أجمّد الاستيطان، فإني أتوقع أن يعطي الفلسطينيون المقابل لذلك». وأكدت التقارير الصحافية أمس أن وزير الدفاع ايهود باراك أبلغ الموفد الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل أثناء لقائهما في نيويورك الاثنين الماضي موقفاً مماثلاً، وأنه اقترح على الأميركيين «صفقة رزمة» تقضي بتجميد إسرائيل البناء في المستوطنات في شكل موقت، ومن دون أن يشمل ذلك مواصلة بناء أكثر نحو 3 آلاف وحدة سكنية طور البناء، شرط الحصول على ضمانات باتخاذ دول عربية خطوات تقود إلى استئناف المفاوضات باتجاه تسوية إقليمية شاملة. ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن أوساط باراك الشروط الإسرائيلية الأخرى لتجميد البناء في المستوطنات في شكل موقت وفي مقدمها: التزام فلسطيني بأن تقود المفاوضات الخاصة بالحل الدائم إلى إنهاء الصراع، وأن تقوم دول عربية بخطوات لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وأن يعرب الفلسطينيون عن استعدادهم للاعتراف بإسرائيل دولة الشعب اليهودي، وأن يعربوا عن استعدادهم لأن تقود المفاوضات إلى إقامة دولة فلسطينية. وتعني هذه الشروط مزيداً من التشدد الإسرائيلي، إذ بينما وضعها نتانياهو في خطابه الأخير شروطاً لإقامة دولة فلسطينية، باتت الآن شروطاً لتقليص حجم البناء في بعض المستوطنات، ولفترة زمنية قصيرة. وعكس هذه المواقف نائب وزير الخارجية داني ايالون عندما قال في حديث للإذاعة العامة أمس إنه «لا يمكن مطالبة إسرائيل بتسديد دفعة فورية وكاملة بينما الطرف الآخر غير مستعد للقيام حتى بخطوة واحدة». وأضاف أن إسرائيل ترى وجوب التقدم في المفاوضات في شأن تجميد الاستيطان في إطار إقليمي. وكرر الموقف الإسرائيلي الرسمي الرافض وقف البناء في المستوطنات بغرض التجاوب مع «التكاثر الطبيعي»، بداعي أنه «لا يمكن خنق 300 الف إسرائيلي يعيشون في هذه المستوطنات في شكل شرعي تماماً»، مستثنياً عمداً 200 ألف مستوطن آخر في القدسالمحتلة ومحيطها تخرجهم إسرائيل مسبقاً من أي حسابات في التفاوض على البناء لهم «باعتبار المستوطنات التي يعيشون فيها جزءاً من العاصمة». وتابع أن إسرائيل والولايات المتحدة متوافقتان على ملامح الحل النهائي للصراع وتواصلان الاتصالات بينهما». من جهتها، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن الإدارة الأميركية لم تنجح حتى الآن في الحصول على تعهد من الدول العربية لتقوم بخطوات في اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وأضاف أن لقاء الرئيس باراك أوباما مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لم تثمر موافقة سعودية على تشجيع بقية الدول العربية، خصوصاً دول الخليج، لتنفيذ خطوات في اتجاه تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وعليه رأى المصدر انه «في وضع كهذا» لن يكون في وسع الأميركيين الاستمرار في المطالبة ببادرات حسن نية فقط من إسرائيل، مثل تجميد البناء في المستوطنات». وعقّب مصدر أميركي رفيع المستوى على ذلك قائلاً إن «محادثات الإدارة الأميركية مع دول عربية تتواصل بهدف الحصول على بوادر نية حسنة تجاه إسرائيل، ونحن نأمل في أن نرى نتائج هذه الاتصالات قريباً». إلى ذلك، نقلت الصحيفة عن المصدر الأميركي تأكيده أن لقاء باراك – ميتشل حقق تقدماً في مسألة الاستيطان «لكن إلى الآن لم نتوصل إلى اتفاق»، مضيفاً أن اللقاء «كان جيداً، والاتجاه ايجابي ونحن لسنا في طريق مسدود»، مضيفاً أنه إلى جانب التقدم مع إسرائيل «ثمة تقدم في الاتصالات مع الدول العربية». من جهتها، نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» اليمينية عن مصدر سياسي إسرائيلي رفيع ارتياح إسرائيل لنتائج لقاء باراك – ميتشل، وفي مقدمها أنه بدد المخاوف التي سادت مكتب رئيس الحكومة من أن الرئيس الأميركي يسعى الى إسقاط حكومة نتانياهو و «إنزال» خطة سياسية إقليمية على إسرائيل، «كذلك أدرك الرئيس أنه ليس في نية نتانياهو خداعه». وأضاف أن الرئيس الأميركي يعكف فعلاً على بلورة خطة للسلام الإقليمي «لكنها ستكون بالتنسيق مع إسرائيل». وزاد أن باراك نجح في التوضيح للإدارة الأميركية بأنه لا يمكن معالجة مسألة البناء في المستوطنات في معزل عن بدء العملية السياسية، مشيراً إلى أن البيان المشترك الصادر عن اجتماع باراك – ميتشل لم يطالب بتجميد البناء كما كان المطلب الأميركي في الأشهر الأخيرة إنما ب «تغييرات في قضية الاستيطان»، كما أنه تضمن للمرة الأولى دعوة للفلسطينيين الى محاربة العنف ووقف التحريض.