على نسق ما ولى لن يعود، أضحى «الإسكافي» في عداد المنسيين، بعدما دعس الجديد على تصليح القديم، مثل دعس النعل الذي كان مصدر رزقه بعد تعطله، على التراب الذي يمشي عليه. «الإسكافي» تلك المهنة القديمة التي يهتم حرفيها بإصلاح النعل والأحذية البالية، إذ يعمل على تخييطها ورقعها كما أنه يحسن ترتيبها وتصنيفها، مستعيناً بأدوات غريبة عدة وغير معروفة. بجوار الإسكافى تتوزع قطع من الجلد تطابق المثل «جلدة ووافقت إسكافياً»، وتنتصب مطرقة إلى جانبها سندان وبكرات خيوط ذات أنواع وألوان مختلفة وإبر متفاوتة الأحجام والأشكال ومشرط وغراء وحافظة مليئة بالمسامير. وربما أن هذه المهنة تكاد تندثر كمحو أثر الحذاء الذي انتهت خطواته متجهة إلى محل «الإسكافي»، فلم يعد الناس يهتمون كثيراً بإصلاح أحذيتهم ورتقها، بل يجدون شراء حذاء جديد أسهل وأسرع من إصلاح تلك التي سايرتهم ورافقتهم في كل خطوة وطريق ذهبوا عليه. وإذا كان باستطاعة شريحة من الناس تغيير أحذيتهم القديمة بأخرى حديثة، فإن طبقة المعوزين تمسكت ببقاء صاحب الحرفة العريقة والأصيلة «الإسكافي» وحفظت له ماء وجهه من عنفوان رفض الطبقة المترفة لحرفته، قاطعين معه العهد «ستبقى موجوداً مادام نحن الفقراء نخطو على أرض البسيطة «منتعلين»، وسنكون فئتك المستهدفة وناصريك دوماً». ومن حسن حظ العامل بهذه المهنة، أنه لا يختلف حال الفقراء عن كبار السن الأكثر وفاء مع أحذيتهم المعمرة على أرجلهم، إذ تدفعهم طبيعة كبر سنهم إلى اقتناء الأشياء والاحتفاظ بها وإن كانت قديمة أو تالفة. ويؤكد أحمد مشهور (63 عاماً) أن الحذاء الذي يستخدمه لا يستطيع استبداله بغيره «حذائي هذا أصبح مثل السيارة» فما بين الفينة والفينة أرتاد «الإسكافي ليقوم بإصلاحه وتخييطه، في إشارة إلى صعوبة التفريط به، وقال: «لا أريد شراء حذاء جديد لأنه من الصعب علي التعود عليه عند لبسه والمشي به». وهو منزو بالقرب من أحد المحال التجارية، يرى «الإسكافي» محمد إسلام أن مهنته ما زالت تفي بغرضه وتقضي حاجاته، وتابع يقول ل «الحياة»: «هناك كلف عدة أدفعها للتنقل من مكان إلى آخر، وكذلك شراء الأدوات، ولكن أجد أنها مهنة توفي بحاجاتي»، وما يختص بزبائنه أوضح: «عادة إذا كانت الأحذية من النوع غالي الثمن فيبادر صاحبها لإصلاحها، وكذلك حال الأحذية الطبية التي يجلبها كبار السن». ويصطحب إسلام ابنه «الإسكافي الصغير» عبدالمجيد الذي يبلغ من العمر ثمانية أعوام فهو ينصرف من مدرسته ويتجه إلى تلك الزاوية ليلتحق بوالده عصراً ويمارس معه العمل، رامياً بحقيبته المدرسية بعيداً، وأضاف إسلام «ابني عبدالمجيد الذي أعمل على تعليمه هذه الحرفة، إضافة إلى تعليمه في المدرسة». وأنت ترى عبدالمجيد بحجمه الهزيل الذي تكاد تغطيه الأدوات والأحذية القديمة وبأنامله الصغيرة التي يمسك بها المشرط ويقطع الحذاء بكل قوة وإصرار فهو مع صغر سنه يحمل هم «القوت» الذي يوفره لعائلته، وأثناء الحديث معه، أفاد أنه يخرج من المدرسة ويذهب للعمل مع والده لكي يتعلم هذه المهنة جيداً ويساعده فيها، فهو يجري ممارساته على الأحذية التالفة حتى يتقن العمل، لينتهي مشوار والده بآخر خيط يدخله في الحذاء ليأتي ابنه ويكمل المشوار بعقد الخيط التالي.