لم يكن من السهل الاحتفال بالحرف اليدوية في مهرجان ذي طابع بداوة صرف، لكن ما حدث في مهرجان الربيع بمحافظة النعيرية، الذي افتتح رسمياً قبل يومين، هو كسر الحاجز القديم الذي كان يصنّف ذوي الحرف اليدوية ضمن "الصنّاع". وبكل بساطة، احترم منظمو المهرجان أصحاب المهن وأفردوا لهم جناحاً واسعاً للعمل وبيع الإنتاج، ومن بين الحرف اليدوية مهنة الخرازة والتي يبرز منها صالح عبدالكريم الذي يأخذ موقعه من السوق الشعبي في المهرجان. وقال عبد الكريم، وهو أحد قدامى أصحاب المهنة المنقرضة،"لم نكن بحاجة إلى محل واسع لكون معداتنا وأدواتنا هي عبارة عن حديدة ذات قاعدة لتفصيل النعال أو الحذاء، ومخرز وهو على شكل مسمار في بدايته خشبة يمسكها الخراز لتحميه من المسمار، إضافة إلى خيش وجلد ومخلفات الإطارات ومطاط ومسامير صغيرة وخيوط، إما من الجلد أو القماش لخياطة الحذاء أو النعل". وأضاف أن المهنة كان يمتهنها العديد من المواطنين في المنطقة، من خلال دكان صغير أو بسطة على ناصية الطريق، أو ركن بارز في السوق حتى يراه الناس الذين كانوا يحتاجونه ويقدرون أهميته. وقال "في الماضي كنا نصنع ما يسمى بالجواريب، وهي من الخيش والجلد، وتستخدم في الشتاء، والنعال الجلدية وأشهرها ما يسمى القصيمي وهو الأجود، ثم بدأنا في التطور وفق ما يطلبه الشباب إما بإبداعاتنا الشخصية، أو بتقليد المستورد، أما الأسعار فكانت بسيطة للغاية، حيث لا تتجاوز الخمسة أو العشرة ريالات أو أقل، حسب مساومة الزبون". ولدى وصفه ما يحتاجه من يمارس هذه المهنة التي انقرضت.. قال عبدالكريم "لم يعد هناك إناس يعملون في تلك المهنة بعد أن هجرها المواطن وحل مكانه المقيم الذي يقوم بتصليح ما فسد من نعالهم أو تفصيل الجديد". وبين أنه إذا كان استهلاك الأحذية والنعال في السابق قليلا، فقد كان الناس يحافظون عليها لأن دخل الأسر كان بسيطا.. أما اليوم فمن يعمل في هذه المهنة من السعوديين يعدون على الأصابع، وهم يعملون للمشاركة في المعارض التراثية فقط التي تعرض حرف الماضي. وقال عبد الكريم إن "صاحب المهنة كان قديما يورث مهنته لأبنائه، ويعتز بالانتماء لها، بل إن البعض تحولت أسماء أسرهم إلى أسماء مهنهم، أما اليوم فقد جاءت الموديلات الحديثة والأسماء المتنوعة، وكل يمدح سلعته رغم رداءة صنع العديد منها". وطالب عبد الكريم وزملاؤه من أرباب مهنة الخرازة، الجهات المختصة أن "تتبنى برنامجا للعناية بالحرف القديمة التي اختفت أو شارفت على الاختفاء، والقيام بعمل دورات لتدريب الشباب عليها.. الخرازة حرفة شعبية قديمة ولا تزال منتشرة حتى يومنا الحاضر". يذكر أن السوق الشعبي في المخيم الربيعي، قد شهد إقبالاً من الزوار خاصة ركن "الحرف اليدوية" الذي قدّمه مجموعة من أصحاب الحرف الذين قدِموا إلى النعيرية بالتحديد من أجل صنع الحرف اليدوية وعرضها وإعادة ذكرى الزمن القديم، وعلى رأسها صنع الخبز الحساوي الذي لاقى إقبالاً شديداً من زوار السوق.