تنافس مهنة الاسكاف في السعودية محلات الأحذية المسجلة، حيث تلاقي إقبالا من الكثيرين الذين يفضلون إصلاح أحذيتهم من "الاسكاف" القادر على إصلاح الحذاء في دقائق، وعلى الرغم من أن هذه المهنة من المهن التقليدية والمتوارثة التي ازدهرت في زمن لم تكن به مصانع للأحذية، إلا أنها ما زالت موجودة على أرض الواقع. ففي مدينة جدة يتمركز الإسكافون في أماكن مخصصة، وبالتحديد في منطقة "الشرفية"، حيث يشاهد المارة العديد من المحلات المتراصة التي يجلس بها محترفو هذه المهنة، ويلاحظ الزائر لهذه المنطقة أن جنسية معينة سيطرت على هذه المهنة، وهي الجنسية الأفغانية. "الوطن" زارت هذه الأماكن لمعرفة سر بقاء هذه المهنة، على الرغم من الانتشار الواسع لمصانع الأحذية المسجلة بماركات عالمية، وكيف لم تتمكن هذه المصانع من القضاء على هذه المهنة، التي أصبحت منافسا شرسا لها في سوق الأحذية . في أحد دكاكين حي الشرفية يجلس محمد خان (59 عاما) في محله المتواضع بين ماكينة إصلاح الأحذية والعديد من الأدوات التي يعتمد عليها لإصلاح عيوب الأحذية، وتجميل شكلها، لتعود إلى سابق عهدها. يقول خان إنه يعمل من الساعة التاسعة صباحا وحتى منتصف الليل، بنشاط لا يتوقف إلا لتناول وجبه الغداء، وبوصفة على وجه السرعة، حتى يعود لاستقبال زبائنه الذين اعتادوا عليه. يقول خان الذي يعج محله بالأحذية القديمة والحديثة "رغم التطور، ما زالت مهنة إصلاح الأحذية تشهد ازدهارا كبيرا في السعودية، فلديّ العديد من الزبائن الذين يأتون من كافة أحياء جدة لإصلاح ماتلف من أحذيتهم، فهناك أحذية مرتفعة الثمن، قد تتعرض لتلف، مما يدفع بأصحابها لعدم التخلص منها، والحضور لإصلاحها". ويؤكد خان أن ارتفاع إيجار المحلات دفع العديد ممن يعملون في هذه المهنة إلى اللجوء للأرصفة، لعدم مقدرتهم على توفير إيجار المحلات، فالدخل الذي يحصلون عليه لا يكفي لاستئجار محل لممارسة مهنته، فالأرصفة خير مكان لهم، مع حرصهم على اختيار الأماكن المناسبة كأرصفة الأسواق الشعبية والمحلات التجارية وغيرها مما يتردد عليها الزبائن". على الجانب الآخر جلس عبد المنان، حينما تتأمله تجد لديه براعة فائقة في التعامل مع الحذاء، كأنه طبيب معالج للأحذية، فهو يضعها بداية تحت الملاحظة الدقيقة، مستكشفا ما يصيبها، وما حدث لها من تمزقات في الجلد أو تشوهات في الكعب". قال عبدالمنان إن إصلاح الأحذية بطريقة يدوية يستلزم الكثير من الجهد والمشقة، عكس الطرق الحديثة، مضيفا أن أهم الأدوات التي يعتمد عليها في مهنته المطرقة والسندان، والمفك، والمسامير مختلفة الأحجام، والكماشة التي ينتزع بها المسامير القديمة، إلي جانب الأدراج الملتوية التي تتضمن مخزونا كبيرا من الأدوات والفرش والبوية بكافة ألوانها لطلاء الأحذية بعد إصلاحها. وعن أسعار الإصلاح قال إن "قيمة إصلاح الحذاء تعتمد على حجم الضرر، فقد يترواح من 20 -40 ريالا، وفي بعض الأوقات قد يطلب الزبون صنع حذاء بمقاييس معينة، ويتحدد السعر حسب الجلد المختار ونوعيته وجودته، مشيرا إلى أن ذلك قد يكلف مابين 90-130 ريالا. ويقول عبدالمنان إن زبائن محله من مختلف شرائح المجتمع، وأغلب الذين يأتون له طلاب الجامعة والموظفون، موضحا أن سوق الأحذية بدأت تغزوه صناعات الأحذية الصينية والمحلية والتي تباع بأثمان رخيصة، ولكن هذا لم يقلل من حجم بيع الأحذية التي يقوم بصناعتها الاسكافون، إلى جانب مهنتهم الرئيسة وهي إصلاح الأحذية التالفة، مشيرا إلى أن من يدخل محل لتصليح الأحذية يري عالما صغيرا، لكنه يضم بجوانبه الأدوات الغريبة التي لا يعرف مسمياتها إلا من يعمل بهذه المهنة. وعن أهم العقبات التي تواجههم قال إن "أهم العقبات محاربة محلات الأحذية في المراكز التجارية "للاسكافين" ، بتقديم عروض مختلفة بأسعار رخيصة جعلت البعض يلجأ لهذه العروض، لكن بعد استخدام هذه الأحذية، يكتشف الزبون أنها رديئة، وسريعة التمزق والتلف، عكس مانقوم بصناعته بطرق يدوية تستغرق وقتا وجهدا واختيارا للجلود الجيدة التي تعطي الحذاء رونقا وجمالا في المظهر". من جانبه ذكر حمزة عادل (صاحب محل للأحذية في أحد المراكز التجارية) أن انتشار الأحذية الصينية والصناعات المحلية، وتقليد الماركات العالمية تسبب في حدوث خسائر نوعا ما لمحلات الأحذية، حيث تنتشر هذه الأحذية بأسعار رخيصة. وأضاف أن وجود الأشخاص الذين يقومون بصناعة هذه الأحذية بطرق تقليدية جعلت العديد من أصحاب الدخل المحدود يلجأون للشراء منهم، وترك الماركات العالمية، حيث يقوم الإسكافون بصناعة الأحذية المقلدة لماركات معروفة"، مشيرا إلى أن المستهلك يفضل شراء حذاء رخيص الثمن ومقلدا على ماركة معينة، معللا ذلك بارتفاع أسعار الأحذية ذات الماركات المعروفة.