أكد وزير الخارجية السوداني علي كرتي أن بلاده هي «أول بلد عربي أرسل موفداً إلى القيادة السورية نصحها بأن الانفتاح هو الحل الوحيد للخروج من المشاكل، لكن للأسف النصيحة لم تجد طريقها إلى النفاذ (التطبيق)»، لافتاً «أن الإصلاح كان يمكن أن يقوده الحزب الحاكم في سورية (البعث) والرئيس بشار الأسد». وأكد في حديث إلى «الحياة» على هامش مشاركته في منتدى الأممالمتحدة لتحالف الحضارات المنعقد في قطر حالياً، أن هناك «تباطؤاً» من الحكومة السورية، وأن اللجنة الوزارية العربية ستجتمع خلال أيام «بخاصة أن هناك أعداداً كبيرة من القتلى يومياً». واستبعد وقوع حرب بين دولتي السودان وجنوب السودان، وكشف أن الحكومة السودانية أبلغت الصين بضرورة إشراك الولاياتالمتحدة في وساطتها لحل الخلافات بين الخرطوم وجوبا كي «تنجح» الوساطة. ودعا واشنطن إلى عدم إعاقة السلام في السودان الذي «تتباهى» بأنها ساهمت في صنعه، ورأى أن الولاياتالمتحدة «غير جادة في علاقتها مع السودان»، لكنه قال إنها دولة «مؤثرة وفاعلة». وسألته «الحياة» عن دلالة تشكيل حكومة سودانية جديدة من دون مشاركة أحزاب معارضة فيها مثل «الأمة» القومي و «المؤتمر الشعبي» و «الشيوعي»، فأجاب: «لا أعتقد أن من المناسب أن تكون كل الأحزاب (مشاركة) في الحكومة، ولا أعتقد أن ذلك هو الأفضل حتى للسودان. طبعاً، لو كانت هناك فرصة لمثل هذا فقد يكون ذلك أفضل في مرحلة من المراحل، ولعل من الأفيد للسودان أن تكون هناك قوى (معارضة) تستطيع أن تقول كلمتها في الحكومة وتساعد في تبيّن موطئ الأقدام وحركة الحكومة ونقدها. أعتقد أن في ذلك كثيراً من الايجابية، ولا يقدح في تجربتنا». ولفت إلى أن هناك انتخابات رئاسية وتشريعية اُجريت في وقت سابق و «أفرزت واقعاً سياسياً محدداً، لكن على رغم ذلك رأى «المؤتمر الوطني» (الحزب الحاكم برئاسة الرئيس عمر البشير) أن يتيح الفرصة لشراكة حقيقية مع قوى سياسية لم تتح لها فرصة كبيرة في الانتخابات. وأعتقد أن تكوين هذه الحكومة (شُكّلت الأسبوع الماضي) يمثّل نجاحاً لحزب «المؤتمر الوطني» في الانفتاح على الآخر، وفي اتاحة الفرصة للآخرين للتعبير عن أنفسهم في هذه المرحلة، للمساعدة في السلام والتنمية. نحن بحاجة لتكاتف الجهود، وليس إلى إلغاء بعضنا بعضاً». وسُئل كرتي عن مخاوف في شأن اندلاع حرب جديدة بين دولتي السودان وجنوب السودان في ظل احتقان شديد حالياً في علاقات الطرفين، فقال: «لا أعتقد أن الأمور ستصل إلى هذا الحد. هناك عزيمة لدى الطرفين في ألا تنزلق الأوضاع إلى حرب. قد تكون هناك بعض المناوشات وبعض المحاولات لاختراق هذا الجدار الذي قررنا أن نقيمه، وهو جدار السلام». وأضاف: «نحن على ثقة بأن لدى الطرفين (في الشمال والجنوب) عزيمة كبيرة في ألا تعود الأمور إلى حرب مرة أخرى، ولكن مثل هذه المظاهر (علاقة الشد والجذب في العلاقات) ستكون طبيعية في ظل وجود خلاف حول بعض المسائل، ومنها على وجه التحديد ما يؤدي مباشرة إلى احتكاك مثل الاختلاف على الحدود في بعض المناطق». وهل يعتقد أن الوساطة الصينية بين دولتي السودان وجنوبه ستنجح، قال: «ما طالبنا به (حكومة السودان) الصينيين عندما جاؤونا هو أن يشاركوا الآخرين، ونحن نقدّر للصين مشاركتها وحرصها على أن تكون وسيطاً نزيهاً بين الطرفين، ولكن في تقديرنا هناك أطراف أخرى لم يكن من الممكن الوصول إلى حلول (في شأن تحسين العلاقة بين دولتي السودان وجنوب السودان) من دون أن تكون طرفاً في هذه المعادلة». وسئل عن هذه «الأطراف الأخرى»، فرد: «الغرب، الولاياتالمتحدة. لا أعتقد أن من العقل أن تقول إن الصين في هذه المرحلة ستكون مقبولة لدى الجنوبيين (حكومة الجنوب). نحن نقبل وساطة الصين من دون شك، ولكن من أجل نجاح الصين نحن عرضنا عليهم أن يُشركوا الآخرين في هذا الجهد». وسألته «الحياة» عن كلام مبعوث أميركي إلى السودان قال قبل أيام إن واشنطن لا تسعى إلى تغيير الحكومة السودانية على طريقة ثورات «الربيع العربي»، فأجاب: «لا أعتقد أن هذا (الكلام) له علاقة بموقف طيّب من أميركا (ازاء السودان). كما يقولون هذه حالة من حالات التعامل مع الواقع. ليس هناك احترام للحكومة السودانية ولا تقدير لها (من الإدارة الأميركية)». وأضاف: «إذا كانت أميركا جادة بأنها لا تريد أن تزيل هذه الحكومة (حكومة البشير) وتقلب الأوضاع، فدونها الكثير من الجهود التي يفترض أن تقوم بها. لا أعتقد أن أميركا جادة في العلاقة مع السودان. لو كانت حقيقة جادة لفتحت الأبواب ولتعاملت مع كل محاولات السياسيين الأميركيين السابقين في أن يتخطوا حواجز السياسة الأميركية المعروفة التي لديها الكثير من الجواذب المحلية (دور اللوبيات) التي تمنعها من التعاطي مع قضية السودان. لم تستطع أميركا بإدراتها المختلفة أن تنجز الوعود المختلفة التي قدمتها خلال السنوات العشر الماضية». وأكد كرتي أن «هناك محاولات (أميركية) متعددة ليكون السلام لمصلحة الجنوب فقط وليس لمصلحة السودان (الشمال). إذا كانوا (الأميركيين) جادين في هذا الأمر (السلام في السودان) فهناك الكثير مما يمكن عمله من أجل أن يكون السلام للسودان (الشمال) وللجنوب (في الوقت نفسه)». وسألته «الحياة» عن عضويته في اللجنة الوزارية العربية المعنية بالملف السوري وكيف يرى سيناريو الحل في سورية، فأجاب: «بكل أسف بذلنا مجهودات كبيرة جداً لإقناع الأخوة السوريين بأن ما نقوم به في الجامعة العربية هو من أجل محاصرة الأوضاع داخل إطار وبيت العرب، ولكن بكل أسف هذه النداءات حتى الآن لا أشعر أنها تجد استجابة. ما زلنا حتى الآن نقول إن الحل يمكن أن يتم في بيت العرب (الجامعة العربية)». وأضاف: «ما طالبنا به (الحكومة السورية) هو فقط إيقاف هذه الحالة من المواجهات الداخلية وإطلاق سراح معتقلين تحدث سوريون بأنهم بالآلاف وموجودون داخل السجون. طالبنا كذلك بإزالة المظاهر العسكرية من الطرقات، وقلنا إن هذا كي يحدث لا بد من أن تكون هناك رقابة، وطالبنا بنشر مراقبين. اتفقنا (في اللجنة العربية) على بروتوكول لحماية هؤلاء المراقبين، ولإعطائهم الحصانات المطلوبة. لكن للأسف حتى الآن هناك أيضاً تباطؤ (من الحكومة السورية)، ونأمل قبل الاجتماع المقبل للجنة العربية الذي سيعقد خلال أيام أن تسير الأمور بسرعة، بخاصة أن هناك أعداداً كبيرة من القتلى يومياً». وهل قدّم السودان نصيحة محددة للقيادة السورية، قال: «نحن أول دولة أرسلت موفداً إلى سورية، وقدّم النصح للقيادة السورية بأن الانفتاح هو الطريق الوحيد للخروج من هذه المشاكل وأنه كان يمكن الحزب الحاكم (البعث) والرئيس بشار الأسد أن يقود هذا الإصلاح، لكن بكل أسف هذه النصيحة لم تجد طريقها إلى التنفيذ، وكنا داخل الجامعة العربية وداخل اللجنة الوزارية العربية أكثر الناس حرصاً على ألا تنفلت الأمور أو تنزلق لفتح الباب لأي محاولات أجنبية للدخول في هذا الملف، أو لمحاولات تعدٍ من جانب الأممالمتحدة وأطراف أخرى، ولكن لا تستطيع أنت من جانب واحد وبالآمال فقط أن تصل إلى ما تريد».