الإنسان من أرقى المخلوقات الكونية، وهو يفوقها، ويحظى بتقدير إلهي، ومن يتأمل التشريع يجد أن أكبر مقاصده قائم على فهم حقيقة الإنسان في خلقه وفي علاقاته جميعها، ولهذا فرض الإسلام للإنسان حقوقاً أساسية من الصعب التنازل عنها أو تركها، لأنها أساس معتبر في تحقيق إنسانيته وتجسيد كرامة الخلق الإلهي له، وهو مطلب شرعي. من تعريفات الحقوق في الاصطلاح عند المسلمين المتقدمين يعرف العلامة سعد الدين التفتازاني أن حق الله هو: «ما يتعلق به النفع العام من غير اختصاص بأحد، وأما حق العبد فهو ما يتعلق به مصلحة خاصة». من المواقف النبوية التي تبين قيمة الإنسان ومستوى التكريم الذي يليق به، كان «صلى الله عليه وسلم» يقوم إذا مرت به جنازة، فقيل له ذات يوم «إنها جنازة يهودي». فقال: «أليست نفساً»، رواه البخاري. وعن جابر بن عبدالله رضي الله قال: «مر بنا جنازة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم، وقمنا. قلنا «يا رسول الله إنها جنازة يهودي»، قال: «إذا رأيتم الجنازة فقوموا»، رواه البخاري. هذا الموقف النبوي يعطي انطباعاً جميلاً من ناحية حجم التقدير الذي يتمتع به الإنسان بصفته فرداً،حياً أو ميتاً. وأن حقوقه محفوظة. من المعلوم أن الحق أعلى قيمة في سلم القيم الإسلامية، والتراث مليء بالنصوص التي تعزز مفهوم الحقوق وتقسمها. فمن هذه النصوص على سبيل المثال لا الحصر، يقول القرافي في فروقه: «الفرق الثاني والعشرون بين قاعدة حقوق الله تعالى وقاعدة حقوق الآدميين، فحق الله أمره ونهيه، وحق العبد مصالحه، وقسم التكاليف على ثلاثة أقسام: حق الله تعالى فقط، وحق العبد فقط، وقسم مختلف فيه: يغلب فيه حق الله أو حق الآدمي. وحق الآدمي قد يقدم على حق الله تعالى، كما قالوا في وجوب قطع صلاة الفريضة لإنقاذ الأعمى». لا يزال الوعي الحقوقي في المجتمعات العربية، لم يلد ولادة كاملة فهو مشوه ويعتريه ضبابية، والمعادلة غير مكتملة النمو. ومن يتأمل خريطة الحقوق على أرض الواقع يجد الخلل واضحاً، فمثلاً حقوق الراعي تطغى على حقوق الرعية، وحقوق الوالدين على حقوق الأولاد، وحقوق الزوج على حقوق الزوجة، وحقوق المعلم على حقوق التلميذ. وهذه المفاهيم هي نتاج استخدام سلطة القوة. أسباب تراجع الوعي الحقوقي في المجتمعات العربية كثيرة، ولقد تعرض لها كثيراً كتاب النهضة، هناك مقولة للمفكر عبدالرحمن الكواكبي تشخص الأمراض التي تصادر قيمة الإنسان وكرامته الحقيقية المغيبة في ظل اختفاء القانون، وضعف الوعي. يقول: «الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحقِّ فاجرٌ، وتارك حقّه مطيع، والمشتكي المتظلِّم مفسد، والنّبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين. كما يعتبر أنَ النِّفاق سياسة، والتحيُّل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة». وسائل الإعلام تلعب دوراً كبيراً في عملية التأثير، وتشكيل الرأي داخل المجتمع، وهي مطالبة بتأدية أدوارها وعلى رأس هذه الأدوار نشر الثقافة الحقوقية بين الناس، من أجل الإسهام في الارتقاء بالمجتمع وحمايته من كل الأضرار. وتعالج جوانب الخلل، وتعطي مصطلح الحقوق حقه الطبيعي المغيب، مقارنة بمصطلح الواجبات الذي يستحضر في كل مناسبة. * كاتب سعودي. [email protected] twitter | @alzghaibi