هناك نهي متواصل من الرسول صلى الله عليه وسلم عن مشابهة الكافرين بجميع أصنافهم وفي كل شيء قد يوهم التقاءً في الهيئة بين المسلمين وغيرهم، داء ذلك تارة على سبيل النهي عن المشابهة على الإطلاق وتارات أخر على سبيل النهي عن أحوال خاصة من المشابهة. فمن الأول قوله عليه الصلاة والسلام:(من تشبه بقوم فهو منهم) رواه أحمد وأبو داود، وقوله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (ليس منا من تشبه بغيرنا لا تشبهوا باليهود ولا بالنصارى) رواه الترمذي. أما الثاني فمنه ما هو في العبادات ومنه ما هو في الهيئات، فكان من العبادات نهيه صلى الله عليه وسلم عن مشابهتهم في أوقات الصلاة فكان وقت طلوع الشمس ووقت غروبها من أوقات النهي لهذه العلة وكذلك نهى عن خلع النعال في الصلاة مخالفة لليهود فيما رواه مسلم عنه صلى الله عليه وسلم (خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم وخفافهم). وأمر ه صلى الله عليه وسلم بأكلة السحور وبتعجيل الفطر في الصوم مخالفة لهم فيما رواه مسلم: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب: أكلة السحر) وفيما أخرجه أبو داود قال صلى الله عليه وسلم (لا يزال الدين ظاهرًا ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون). ومن أمره بمخالفتهم في الهيئة ما رواه البخاري إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم)، وكذلك ما رواه البخاري (جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس). ومن المخالفة في الهيئة: المخالفة في اللباس ففي الصحيحين عن أبي عثمان النهدي، قال: كتب إلينا عمر رضي الله عنه ونحن بأذربيجان، مع عتبة بن فرقد، (يا عتبة إنه ليس من كد أبيك، ولا من كد أمك، فأشبع المسلمين في رحالهم، مما تشبع منه في رحلك، وإياكم والتنعم، وزي أهل الشرك، ولبوس الحرير، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم: نهى عن لبس الحرير، قال: إلا هكذا، ورفع لنا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأصبعيه: الوسطى والسبابة وضمهما). وكذلك مخالفتهم في آنية الطعام (لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة). والمتتبع لأمثال هذه الأحكام يجدها في السنة كثيرة حتى أصبح جنس المخالفة للكافرين من المتواتر المعنوي في الإسلام، وما ذاك إلا لصيانة المجتمع المسلم. فإن هذه الأمور التي نُهي المسلم فيها عن التشبه بالكافرين بها قد يراها البعض بعيدة عن القِيَم وعن أصولها ولهذا لا يعرف حكمة النهي، مما دفع البعض إلى إنكار حكم مخالفة الكفار بالكلية جريًا على البدعة الجديدة في إنكار كل حكم لا يدركون حكمته. والتأمل الدقيق يوصلك إلى أن المبالغة في النهي عن التشبه بالكفار كانت مرادة لتعظيم الحاجز بين المسلمين وبينهم وذاك أن المشابهة في الظواهر والعادات واللباس وغيرها توصل حتمًا إلى ضعف الحاجز الحضاري بين الفريقين الأمر الذي سوف يؤدي حتمًا إلى زوال الهوية الداخلية بعد انكسار حاجز المخالفة الظاهرية. ومع هذا التأكيد المستمر على المخالفة في العادات والعبادات جاء النص على النهي عن اتباعهم في الأفكار، وهو ما سماه القرآن أهواءً، وجاء النهي فيه شديدًا على مثال قوله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَء تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ) المائدة48 ومثل ذلك ذلك جاء في سورة الأنعام 150والشورى 15والجاثية18. كل هذه الأمور الخمسة مجتمعة تؤكد عناية الإسلام بممناعة المجتمع ضد القيم الأجنبية وتأكيده على أن يكون مجموع تلك القيم التي تصنعها الأمة نتيجة ذلك التفاعل الذي قدمناه بين الإنسان المسلم وبين مصادر قِيَمِه.