بغداد - رويترز - بعد 35 سنة أمضاها في رسم الكاريكاتور مازال خضير الحميري، أحد أبرز رسامي الكاريكاتور في العراق، يحلم بمستقبل سياسي أفضل لوطنه، علّه يستطيع عندها أن يعبر عن ذاته ورؤيته بالريشة. وعلى رغم مرور نحو 9 سنوات على الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وإسقاط نظام الرئيس الراحل صدام حسين الذي حكم العراق عقوداً بقبضة من حديد، وهو الحدث الذي ظن فيه عراقيون كثر انه سيكون إيذاناً ببدء عهد جديد من الديموقراطية والحرية، فإن الكثير من رسامي الكاريكاتور مازلوا حتى اللحظة يترددون كثيراً في ممارسة النقد السياسي المباشر في رسومهم ويلجأون إلى التعميم. وحتى الآن يجد عدد من رسامي الكاريكاتور أنفسهم مرغمين على اتباع أسلوب «التحايل» في رسومهم من خلال رسم «شخوص عامة» لتجنب الاصطدام مع الحاكم والمسؤول. ويقول الحميري: «كان من المفترض أن تكون هنالك انطلاقة حقيقية لرسام الكاريكاتور العراقي بعد 2003 في أن يكون صريحاً ومباشراً في النقد، لكن اكتشفنا أن هذا غير ممكن». وأضاف الحميري الذي غزا الشيب شعره: «هذا مؤلم. بعد نحو 40 سنة في المهنة مازلت أتمنى أن تحدث نقلة نوعية في الوضع السياسي. أشعر بأنني حتى اليوم لم أعبر عن ذاتي كرسام كايركاتور حقيقي... بعد كل هذه السنوات مازلت أنتظر أن أقول في رسومي كل ما أريد قوله». ونادراً ما تجسد رسوم الكاريكاتور في العراق شخصيات سياسية عراقية أو غير سياسية في شكل واضح وصريح. ويعزو رسامو الكاريكاتور ذلك إلى الخوف من رد فعل قد يصل أحياناً إلى ما هو غير متوقع من المسؤولين أو الدائرة المحيطة بهم. ويأسف الحميري لأن «الحرية التي يتمتع بها رسامو الكاريكاتور في كثير من دول العالم مازلنا نحن محرومين منها. ولهذا نلجأ إلى النقد العام وليس المباشر». ومع كل احتياطاته، فإنها لم تكن كافيه لتجنب ما كان يخشى وقوعه، إذ أدت مكالمة هاتفية تلقاها عبر هاتفه الخليوي عام 2006 إلى إعادة النظر في كل ما يرسمه، وألا يتجاوز الخطوط الحمر. وعلى رغم أن السنوات التي تلت عام 2003 لم تسجل مقتل رسام كاريكاتور واحد في العراق، فإن الحميري وآخرين، مثل أحمد الربيعي، يعتقدون أن معاناتهم كرسامي كاريكاتور جزء لا يتجزأ من معاناة الصحافيين العراقيين. وتفيد المنظمة العالمية لحماية الصحافيين بأن اكثر من 150 صحافياً عراقياً ذهبوا ضحية العنف الذي ضرب البلاد بعد عام 2003. لكن منظمات عراقية معنية تؤكد أن الضحايا يفوقون هذا الرقم بكثير. ومثل الحميري، يعتقد الربيعي أن أسلوب التعميم في رسم الشخوص قد يكون الأنجع والأكثر أماناً في ممارسة هذه المهنة حالياً لتجنب رد الفعل وأسلحة «الكاتم» التي تطاول العديد من المسؤولين، والتي تحولت إلى ما يشبه ظاهرة في العراق وخصوصاً في بغداد. وكان الربيعي الذي ينشر رسومه في صحيفة «الصباح» عاد قبل سنتين بعد أربع سنوات أمضاها في المهجر عقب تلقيه رسالة تهديد. ويقول: «عودت نفسي أن أبتعد عن المواضيع الحساسة». وبعيداً من الشخصيات السياسية، فإن أكثر الرسامين يتجنبون المساس بالشخصيات الدينية أيضاً، فانتقاد المؤسسات الدينية أو مسؤوليها في العراق غير جائز. واستشهد الربيعي بحادث اغتيال الصحافي العراقي والمذيع هادي المهدي الذي عرف بجرأته في النقد الصريح والمباشر. واغتيل المهدي في أيلول (سبتمبر) الماضي في وسط بغداد بسلاح مزود كاتماً للصوت. وترك اغتياله صدى كبيراً في العراق. ولم تُعرف حتى الآن الجهة التي تقف وراء اغتياله. وبحذر وتوجس شديدين يتحدث الربيعي عن عمليات القتل المتزايدة في بغداد، والتي تنفذ باستخدام أسلحة مزودة كواتم للصوت. ويقول: «نجحوا في أن يضعوا الجميع في إطار وقالب معينين. تمكنوا من وضع الصحافة والصحافيين في قالب وخط معين لا يستطيع أحد أن يخرج عنهما أو يحيد عنهما سواء كان كاتباً أو رساماً».