لم يعد فن الكاريكاتور يجذب المواهب الشابة في العراق، فالرسوم التي تنتقد السياسة ورجالها والمجتمع وظواهره، باتت تقتصر على رواد هذا الفن من الاجيال السابقة والذين شاخ معظمهم وباتوا يخطون رسومهم المعبرة بأيد مرتعشة. فالرسوم المنشورة في الصحف العراقية، والتي تنتقد شخصيات في الحكومة، وتلك التي تصور اوضاعاً او حالات انسانية يمر بها المواطن العراقي، لم تثر حفيظة المسؤولين في الدولة، ولم يلاحق أحد هؤلاء الرسامين بسبب رسومهم. على عكس ما يحصل مع المقالات التي تنتقد الحالات ذاتها والتي غالباً ما يتعرض كتابها الى الكثير من المشكلات. وهو امر يوضع عادة في خانة حرية التعبير التي تتسع في مكان ما وتضيق في مكان آخر في الاعلام العراقي. يشير المشهد العام لرسامي الكاريكاتور في العراق الى استمرار هيمنة الجيل السبعيني والثمانيني من رسامي الكاريكاتور، وغياب المنافسة من قبل رسامين شباب ممن هم اصغر سناً، ما يؤكد غياب جيل الشباب عن هذا الفن الابداعي. ويجد المتصفح للصحف العراقية بأن للكاريكاتير حضور دائم، في كل صحيفة تقريباً، وبرسوم أقل جودة موقعة بأسماء شبابية ظهرت مع صحافة العهد الجديد. والكثير من هذه الأسماء ربما تختفي بعد ظهور قصير، كما أن صحفاً أخرى لا تتورع عن نشر رسوم ركيكة جداً تشبه رسوم المبتدئين، تحت خانة الكاريكاتور. وهذه الصور بمجملها تؤشر على تراجع في حضور هذا الفن، وتلاشي ما كانت الصحافة العراقية تعتز بتسميته «المدرسة العراقية في فن الكاريكاتور»، تمييزاً لها عن مدارس عربية شهيرة. ففي العقدين الماضيين اصدر الكثير من الرسامين كتباً خاصة برسومهم، فيما اخترع بعضهم شخصيات ما زالت صورها راسخة في ذاكرة القراء مثل شخصية «أم ستوري الدلالة» التي ابتكرها الفنان عباس فاضل واقترن اسمه بها لسنوات طويلة، وانتقد من خلالها مجموعة من الظواهر الاجتماعية السائدة. ويجد المتابع لرسامي الكاريكاتور في التسعينات من القرن الماضي، أن هؤلاء حظوا بشعبية كبيرة لدى متابعي الصحف والمجلات العراقية، وكان بعضها يعطي مساحة لصفحات الكاريكاتور التي كان يحتلها أشهر الرسامين الرواد. ولم يكن الرسامون قادرين على انتقاد الوضع السياسي انذاك تحت ضغط حاجات المؤسسة الاعلامية للنظام. لكن هذا الامر تغير بشكل كبير بعد سقوط النظام حيث حصل رسامو الكاريكاتور على مساحة اوسع من الحرية، فكانت هناك حاجة واضحة لدى بعض الصحف العراقية الجديدة لانتقاد النظام السابق في الرسوم الكاريكاتورية. وهذا ما تحول الى موضة شائعة بعد سقوطه، ثم سرعان ما هيمنت موضوعات الساعة على الرسم الكاريكاتوري، من زحمة العاصمة الى الحواجز الكونكريتية المتكاثرة، إلى الفساد الإداري، إلى الصراعات السياسية، وغياب الأمن، والانتخابات النيابية وغيرها من الموضوعات التي تلقى اهتماماً من قبل المواطن العراقي.