افتتح رسمياً في قطر الأسبوع الماضي، مشروع «اللؤلؤة» المشترك ما بين شركة «قطر للبترول» و»شل» لإنتاج المشتقات البترولية من الغاز الطبيعي. وتشكل هذه الصناعة الحديثة نقلة مهمة وأساسية في صناعة البترول، إذ كانت المشتقات مثل الديزل ووقود الطائرات والنافتا والإيثان وغيرها، تنتَج من تكرير النفط الخام. أما الآن، فأصبح ممكناً الحصول على هذه المنتجات من الغاز الطبيعي أيضاً، وبمواصفات أفضل مقارنة بالمشتقات المكررة من النفط الخام، لخلوها من الكبريت تقريباً، ما يجعلها تتوافق مع القوانين البيئية الصارمة. ومشروع «اللؤلؤة» هو الثاني من نوعه في قطر، بعد مشروع «أوريكس» الذي تأسس بالشراكة ما بين «قطر للبترول» و»ساسول» الجنوب افريقية. لكن مشروع «اللؤلؤة» اكبر حجماً بكثير من «أوريكس»، بل هو أكبر مصفاة من هذا النوع في العالم، ما سيعطي قطر دوراً مهماً في هذه الصناعة الناشئة. وتبلغ الطاقة التصميمية الإنتاجية لمشروع «اللؤلؤة» بمرحلتيه الأولى والثانية نحو 140 ألف برميل يومياً و120 ألف برميل يومياً على التوالي من الغاز النفطي المسال والمكثفات والإيثان، بينما تبلغ الطاقة التصميمية الإنتاجية لمشروع «أوريكس» نحو 34 ألف برميل يومياً من منتجات الديزل والنافتا وسوائل الغاز. وتقدَّر الكلفة الإجمالية لمشروع «اللؤلؤة» بنحو 18.5 بليون دولار. وهناك طلب واسع على منتجاته لخلوها من الملوثات البيئية. ماذا يعني إنتاج المشتقات البترولية من الغاز؟ يعني هذا بالنسبة إلى دولة «غازية» مثل قطر، الحصول على قيمة إضافية من احتياط الغاز المتوافر لديها. واستطاعت شركة «قطر للبترول» خلال العقدين الماضيين تشييد طاقة إنتاجية للغاز المسال بطاقة 77 مليون طن سنوياً، وتصدير الغاز بالأنابيب «مشروع دولفين» إلى الإمارات وعُمان، إضافة إلى إنتاج المكثفات المصاحبة للغاز الطبيعي وتصديرها، واستعمال الغاز محلياً في توليد الكهرباء وتحلية المياه والمصانع البتروكيماوية. ولم يكن من السهل ولوج قطر صناعة الغاز الطبيعي في بادئ الأمر، خصوصاً في قطاع الغاز المسيل. فهذا النوع من الصناعة يتطلب تقنية متقدمة، وأسواقاً تثق برصانة الدولة المنتجة في هذا المجال وصدقيتها. وكانت هناك شكوك وتساؤلات عديدة في أوائل التسعينات، خصوصاً من الشركات اليابانية المستوردة، عندما انطلقت صناعة الغاز القطرية، لكن مما ساعد قطر في مسيرتها هذه هو انفتاح الأسواق العالمية خلال هذه المرحلة في الاستهلاك الواسع للغاز، كوقود نظيف في مجال الطاقة، والتحسن التدريجي للجوانب الاقتصادية للغاز وأسعاره، ناهيك عن الإرادة السياسية للبلاد في التصميم لتوسيع صناعة الغاز، وإدارة شركة «قطر للبترول»، المتسمة بشفافية في العمل، وحرص على توثيق علاقة الشركة بشركات النفط الدولية من خلال شراكات متعددة معها، والاستفادة من خبراتها وتقنياتها وإمكاناتها التسويقية. وهذه هي بالفعل الحال مع مشاريع تحويل الغاز إلى سوائل. ويعني مشروع تحويل الغاز إلى مشتقات تأمين كميات من المنتجات البترولية الصديقة للبيئة، ولو المحدودة نسبياً مقارنة بمجمل حجم النفط الخام المتوافر في الأسواق والمقدر حالياً بنحو 90 مليون برميل يومياً. وسيساعد هذا التطور من ثم على إدامة أسواق النفط وتحسينها ولن يوجِد منافسة للنفوط التقليدية، إذ أن تحويل الغاز إلى مشتقات يتطلب احتياطات غازية ضخمة جداً، وهذا أمر محصور في دول قليلة جداً حتى الآن. من نافل القول أن قطر تمكنت من تشييد صناعاتها الغازية بفضل الاحتياط الهائل من الغاز المتوافر لديها في حقل الشمال البحري (900 تريليون قدم مكعبة). ولم يكن من الممكن تأسيس صناعة تحويل الغاز إلى سوائل من دون توافر هذا الاحتياط الكبير من الغاز. إذ أن هذه الصناعة تتطلب خصوصاً إنتاج كميات ضخمة جداً من الغاز، فالمشاريع الحالية من الغاز المسيل وتحويل الغاز إلى سوائل وغيرها، تتطلب إنتاج نحو 24.6 بليون قدم مكعب من الغاز يومياً. ويعني انخراط قطر في هذه الصناعات الغازية المتعددة أنها تنتج كميات ضخمة جداً من الغاز يومياً، كما يعني استثمارها البلايين من الدولارات في هذه المشاريع أن عليها ضمان الطلب على هذه المنتجات لسنوات بل عقود طويلة. وصناعة الغاز اليوم، كما هي صناعة النفط، وبقية صناعات الطاقة، في تغيير مستمر ومنافسات من جهات متعددة. وخير مثال على ذلك بروز صناعة النفط والغاز الحجري أخيراً، وعلى رغم محدودية حجم الإنتاج لكليهما، يلاحَظ أن إنتاج الغاز الحجري في الولاياتالمتحدة، الدولة الأكبر في استيراد الغاز سابقاً التي بدأت تصدر كميات محدودة جداً منه حالياً. وأثّر هذا التغيير في أسواق الغاز العالمية وأسعاره، خصوصاً في أوروبا. ولهذه الأسباب تدعو الدول المصدرة للنفط والغاز إلى ضمان صادراتها ومشاركة الدول المستهلكة أخطار هذه الاستثمارات، فكما تطالب الدول المستهلكة بضمان الإمدادات البترولية، تطالب الدول المصدرة بضمان الأسواق لصادراتها، فالمشاريع التي تنفذها تتطلب استثمار البلايين من الدولارات، ما يبرز المسؤولية المشتركة لكل من المصدرين والمستوردين في تحمل المسؤولية. وتدل صناعة تحويل الغاز إلى مشتقات بترولية على أهمية التقنية وحيويتها في فتح أبواب جديدة أمام صناعة البترول، وتحسين نوعية الإنتاج الهيدروكربوني ليصبح صديقا للبيئة، وهو مطلب مهم للرأي العام عالمياً، وعامل إيجابي لهذه الصناعة الضخمة. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية