تتميز صناعة النفط بمشاريعها البعيدة الأجل التي تمتد لسنوات بل عقود. وعلى رغم كون الصناعة عالمية، يبقى الشرق الأوسط عمادها الأساسي. وسنحاول ان نستعرض هنا بعض أهم التطورات المستقبلية المحتملة في المنطقة والتي نتوقع لها آثاراً بعيدة المدى: أولاً، توسيع شركة «أرامكو السعودية» الإنتاج من حقل خريص إلى طاقة إنتاجية تبلغ نحو 1.2 مليون برميل يومياً، مقارنة بنحو مئة إلى مئتي ألف برميل يومياً حالياً. ويُعتبر هذا التوسيع للطاقة الإنتاجية الأضخم عالمياً من قبل أي شركة نفطية، والأضخم لشركة «أرامكو السعودية». ومع الإنتاج بالطاقة الكاملة للحقل، الذي تبلغ احتياطاته المثبتة نحو 27 بليون برميل، ستصل الطاقة الإنتاجية المتاحة للسعودية نحو 12.50 مليون برميل يومياً، بحلول نهاية عام 2009، مقارنة بالإنتاج الفعلي الحالي البالغ ثمانية ملايين برميل يومياً، ما يعني تأمين طاقة إنتاجية إضافية وافية للمستقبل وللطوارئ. ثانياً، النتائج المحتملة للمفاوضات بين العراق وشركات النفط الدولية. يضم العراق نحو 115 بليون برميل من الاحتياط المثبت للنفط، في حين لا تتعدى الطاقة الإنتاجية نحو 2.50 مليون برميل يومياً. ويتوقع في حال فك الاشتباك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والموافقة على الاتفاقات المقترحة مع الشركات الدولية، زيادة الطاقة الإنتاجية إلى نحو ستة ملايين برميل يومياً في المستقبل المنظور. هذا هو محور المفاوضات الجارية حالياً بين وزارة النفط والشركات الدولية على مسودات لاتفاقات تمتد لربع قرن. وفي حال الحصول على الموافقات السياسية، ستغير هذه الاتفاقات حجم الصناعة النفطية العراقية ونوعيتها، سواء أكان ذلك في ما يخص الطاقة الإنتاجية أو على صعيد دور الاستثمار الوطني المباشر أو دور شركات النفط الوطنية في تطوير الصناعة. سيحصل، بمعنى آخر، تغيير شامل في صناعة النفط العراقية: كيفية إدارتها وحجم طاقتها الإنتاجية كما عرفناها منذ الستينات والسبعينات حتى يومنا هذا. وكما هو معروف، هناك خلافات كبرى وعميقة بين السلطات الرسمية من جهة، وما بين خبراء النفط العراقيين والسلطة التشريعية من جهة أخرى، حول شكل العقود المنوي إبرامها مع شركات النفط الدولية وطبيعتها. وبعض هذه الخلافات مهني صرف، والبعض الآخر عبارة عن خلافات سياسية ومصلحية ضيقة ما بين الأحزاب النافذة. وما يعقد المشكلة أن هذه المفاوضات تدور والعراق لا يزال تحت الاحتلال، يخيم عليه جو غير مسبوق من الفساد بالإضافة إلى هيمنة المحاصصة الطائفية والخلافات الدستورية. ثالثاً، هناك التقنية الجديدة التي تطمح قطر إلى استعمالها لتعزيز الاستفادة من احتياطاتها الغازية العملاقة، وذلك بتحويل الغاز مباشرة إلى سوائل. وتعرف هذه التقنية بأنها عملية تحويل الغاز الطبيعي الى سوائل هيدروكربونية مصنعة، ويتميز الوقود الناتج منها بقابليته للاستخدام في وسائل النقل المختلفة. هو وقود نظيف لا تنطلق منه أي انبعاثات ضارة، كما يحتوي على كميات منخفضة للغاية من النتروجين والكبريت. وتتعاون قطر مع شركات دولية مرموقة لإنتاج هذا الوقود الجديد: فهناك مشروع «اوريكس» بالتعاون مع شركة «ساسول» الجنوب أفريقية، الذي يستخدم نحو 330 مليون قدم مكعبة يومياً من الغاز لإنتاج نحو 34 ألف برميل يومياً من ديزل الغاز النظيف ونحو تسعة آلاف برميل يومياً من «النافتا» ونحو ألف برميل يومياً من غاز النفط المسال. وهناك أيضاً مشروع «لؤلؤة قطر» بالتعاون مع شركة «شل»، الذي يهدف إلى استخلاص المكثفات والديزل النظيف والنافتا والزيوت الأساسية مباشرة من الغاز. ويعتبر هذا المصنع الأكبر من نوعه عالمياً، إذ سيتم استخراج نحو بليون قدم مكعب يومياً من الغاز الطبيعي وتصنيعه لإنتاج نحو 140 ألف برميل يومياً من المنتجات النفطية، بالإضافة إلى ما يزيد على نحو 70 ألف برميل يومياً من المكثفات المصاحبة. ويتوقع الانتهاء من إنجاز المشروع في نهاية عام 2010 أو أوائل عام 2011. رابعاً، هناك الاكتشافات الغازية في مياه شرق البحر المتوسط. وقد تم بالفعل تشييد صناعة غازية وتصديرية كبيرة في مصر، نتيجة هذه الاكتشافات البحرية. وهناك اكتشافات وشواهد غازية في كل من المياه الفلسطينية والإسرائيلية واللبنانية، ومحاولات للاكتشاف في كل من قبرص وسورية. وفي حال العثور على كميات ضخمة من الغاز على سواحل البحر المتوسط، غير مصر، فهذا يعني بداية صناعة نفطية جديدة في المنطقة. سيعتمد الأمر، طبعاً، على كميات الغاز المكتشفة، ومدى عمق المكامن وبعدها عن السواحل، ما يؤثر في كلفة الإنتاج وقوانين النفط المعنية في كل دولة. وهناك دور المناكفات السياسية في تعطيل عمليات الاستكشاف والتطوير في الدول المجاورة، مثلما تبدى من رد فعل كل من تركيا تجاه عمليات الاستكشاف القبرصية أو إسرائيل بالنسبة إلى مشاريع تطوير الغاز الفلسطيني. * كاتب متخصص في شؤون الطاقة