بدأت المرحلة التجارية، بعد انتظار طويل من الابحاث وتشييد المصانع، لإنتاج المشتقات النفطية وتسويقها (الديزل والكيروسين والغازأويل) مباشرة من الغاز الطبيعي بدلاً من النفط الخام فقط. فقد قامت شركة «رويال داتش شل» بتسويق الشحنة الاولى من انتاج «مشروع اللؤلؤة» في مدينة راس لفان الصناعية في قطر، وتتضمن الشحنة وقود الغازأويل. تكمن اهمية المشروع في انتاج الديزل والغازأويل والكيروسين والنافثا والبارافين مباشرة من الغاز الطبيعي، بدلاً من الحصول على هذه المنتجات من تكرير النفط الخام. هذا يعني، استعمالاً جديداً للغاز الطبيعي كان مجاله حكراً على النفط. و «اللؤلؤة» مشروع مشترك بين «قطر بتروليوم» الحكومية وشركة «شل». يذكر ان «مشروع اللؤلؤة» في قطر يملك طاقة انتاجية تُقدّر ب140 ألف برميل يومياً من المنتجات البترولية (من ضمنها 50 ألف برميل يومياً من الغازأويل)، اضافة الى طاقة انتاجية بنحو 120 ألف برميل يومياً لإنتاج المكثفات وسوائل الغاز الطبيعي ونحو 11 مليون طن سنوياً لغاز البترول المسيّل. ويحتاج المشروع الى نحو بليون و600 مليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي يومياً لإنتاج هذه السوائل «الخضراء». وستوفر قطر هذه الكميات الضخمة من الغاز الطبيعي من حقل الشمال البحري. وبلغت تكاليف هذا المشروع العملاق (الاكبر من نوعه عالمياً) نحو 19 بليون دولار. ان الاستفادة من منتجات تحويل الغاز الطبيعي الى سوائل بترولية هي في الحصول على منتجات بترولية «خضراء» ذات كميات ضئيلة جداً من ثاني اوكسيد الكبريت او اوكسيد النيتروجين الملوثة. وبالنظر الى التكاليف الباهظة ومحدودية كميات هذه المنتجات، من المتوقع ان ينحصر استعمالها بادئ الامر بمزجها مع المنتجات المشابهة التقليدية، وذلك لتحسين نوعية هذه المنتجات، وتأهيلها لتتماشى مع قوانين البيئة الصارمة في الدول الصناعية. بمعنى آخر، ان خطط تسويق هذه المنتجات هي محاولة بيعها بالجملة من اجل خلطها مع المنتج المماثل التقليدي (مثل خلط كميات محدودة من البنزين الجديد مع البنزين القديم او خلط كميات محدودة من الديزل الجديد مع الديزل القديم)، ومن ثم تقليص معدل الملوثات البيئية في المنتجات القديمة. أي ان هذه المنتجات «الخضراء» لا يتوقع تسويقها في المحطات كي يستطيع المستهلك شراءها مباشرة. وأحد الأسباب لعدم بيعها مباشرة هو توافر كميات قليلة منها، كما ان تكاليفها باهظة الثمن. تكمن الفائدة للدول ذات الاحتياطات الغازية الضخمة في توافر امكانات جديدة لاستخدام الغاز الطبيعي وتسويقه. ففي الوقت الراهن، يستعمل الغاز لتغذية محطات الكهرباء او كلقيم لمصانع البتروكيماويات والالومنيوم في شكل خاص. كذلك، فإن هذه الدول ستحصل على ريع اعلى من تحويل السوائل «الخضراء» من الغاز الطبيعي وبيعها بدلاً من الاكتفاء ببيعه بأسعار اقل كوقود لمحطات الكهرباء او كلقيم للمصانع. أما بالنسبة الى الدول المستهلكة، فإن السوائل البترولية المنتجة من الغاز الطبيعي تساعد في نظافة الوقود المستعمل وفي تحسين البيئة. ان اهم التحديات التي تواجه هذه الصناعة، تكمن في انها تستهلك كميات ضخمة جداً من الغاز الطبيعي لإنتاج كميات محدودة من السوائل البترولية. هذا يعني الاستنفاد السريع للاحتياط الغازي في حال الولوج بقوة في هذا النوع من الانتاج. كما ان هناك مشكلة الكلفة العالية لتشييد مصانع الانتاج، ومن ثم القيمة العالية لهذه المنتجات. السؤال الذي يطرح هنا يتعلق بأثر هذه السوائل البترولية في صناعة النفط. ففي الحقيقة، ان هذه السوائل «الخضراء» ستطيل عمر النفط، وتجعله اكثر منافسة لبدائل الطاقة الاخرى، لأنها ستساعد على توفير منتجات بترولية اكثر ملاءمة للبيئة على المدى البعيد. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية