بعد انتهاء حقبة العقيد معمر القذافي، يستعد الليبيون لإعادة بناء اقتصادهم وترتيب حياتهم. إلا أن الفساد داخل سلطة الاستثمار، التي تتمتع بمخارج عدة، خصوصاً الوصول إلى عدد كبير من الصناديق السيادية الأجنبية حيث أخفى القذافي أموال بلده النفطية، بدأ يُقلق المراقبين الدوليين. وتقليدياً، تُعتبر ايران الدولة الوحيدة التي تتهمها المؤشرات الغربية، التي تسجّل درجة شفافية الصناديق السيادية الدولية ومدى صدقيتها، بالمخالفة. أما اليوم، فتنضم ليبيا إليها داخل قفص الاتهام، وفي حال لم تخضع سلطة الاستثمار الليبية للإصلاحات، فان ذلك سيشكّل جرس إنذار لشركات منطقة الشرق الأوسط والعالم وماليتها، من وجهة نظر سويسرية. وأشار اقتصاديون سويسريون إلى أن الحالة الصحية لسندات الخزينة، بصرف النظر عن الدولة التي تدعمها، تشكّل مرآة لقوة استقرار الأسواق المالية العالمية. وبينما تتفاعل هذه السندات يومياً مع الأحداث السياسية الدولية، فإن الدولة المصدرة لها قد تسحب كل الاستثمارات في الخارج في أي لحظة. وفي حين تعيش ليبيا عصرها الجديد، ما زالت الهيكلية السياسية الموكلة إدارة البلاد في أيدي ميليشيات غير منظمة، وهي عاجزة عن التحكم بالفوضى العارمة التي تشمل الأنسجة المالية والاقتصادية وسلطة الاستثمار. ويعجز خبراء عن رسم الخرائط المتشابكة للصناديق السيادية حول العالم. وبصرف النظر عن الاستقرار النسبي الذي تعطيه هذه الصناديق إلى النظام المالي العالمي ووقوفها مباشرة وراء بقاء الدولار العملة الأهم دولياً، نجد إجماعاً في أوساط المحللين على أن أي خلل في إدارة أي صندوق سيادي، سيكون له ارتدادات سلبية على الأسواق المالية. وبما أن الوضع الليبي ليس مستقراً بعد، فإن المخاوف على إدارته المستقبلية كبيرة وتلعب دوراً في إخماد المبادرات السويسرية الرامية إلى الاستثمار هناك. تأمين سيولة وبسبب الوضع الليبي الحالي، والأزمة المالية في دبي عام 2009، قد تتوخى الدول الصناعية المتقدمة الحذرَ إزاء الاستثمار في سندات الخزينة الصادرة عن أفريقيا الشمالية ودول الخليج والشرق الأوسط. وفي حين أن رؤوس الأموال الأفريقية والخليجية والعربية الهادفة إلى الاستثمار في الشركات الغربية، تُعتبر استراتيجية، سواء للحفاظ على توازن الاقتصاد العالمي أو لتأمين سيولة قادرة على تغذية الأسواق المالية الغربية، إلا أن على الدول المصدّرة لرؤوس الأموال هذه مراقبة الصراع على سلطة الاستثمار الليبية، حتى لا يتعرّض التوازن الاقتصادي العالمي الهش لحوادث. ولا يمكن تطبيق المعايير الغربية التي تحيط بسياسات الصناديق السيادية الغربية، على نظيرتها العربية. أما الجهود المبذولة لإعادة ترميم سلطة الاستثمار الليبية، فإن تأثيرها على تحركات الأسواق العربية والأجنبية سيكون واضحاً خلال الفترة المقبلة. وستكون منطقة الشرق الأوسط والدول الخليجية، وعلى رأسها البحرين وإمارة دبي، أكثر تأثراً من غيرها بالسياسات التي ستعتمدها حكومة ليبيا الجديدة. وسيكون من الصعب جداً عودة ليبيا إلى الأسواق المالية الدولية، ومن ضمنها الساحة المالية السويسرية، وسيتطلّب إجراءات ضرورية تعتمد على إرادة ليبيا الجديدة في إحياء ثقلها الدولي الشفاف.