القاهرة - رويترز - يرى خبير اقتصادي أميركي أن تاريخ الحضارة هو تاريخ الضرائب وما تثيره من رد فعل أو مقاومتها شعبيا ولكنه ينبه إلى أن الضرائب المفرطة تضر بالسياسة الاقتصادية. ويقول جين هيك أستاذ الحكم والتاريخ بجامعة ماريلاند إن الضرائب في أفضل الأحوال شر لا بد منه "وفي أسوأها سرطان مستشر... لم يحدث في أي وقت في التاريخ أن كانت الضرائب الأعلى مسؤولة عن النمو الاقتصادي الأكبر" مستشهدا بما يراه انتعاشا في البلاد بعد أن قام الرئيس الأسبق رونالد ريغان بخفض الضرائب عام 1981. ويضيف هيك الذي عمل كبير مستشاري الخزانة الأميركية بوزارة المالية السعودية في كتابه "بناء الرخاء... لماذا كان رونالد ريغان والآباء المؤسسون محقين بشأن الاقتصاد؟" أن سياسة ريجان اعتمدت على مبدأ اقتصادي بسيط هو أنه "لم تحقق دولة الرخاء بفرض الضرائب" ويعزز ذلك بأن خفض الضرائب بشكل كبير يعقبه نمو اقتصادي كبير نتيجة له. ويقول إن أميركا في الوقت الراهن ما زالت "اقتصادا في خطر" وإن نظام الضرائب الحالي هو العقبة الكبرى في سبيل النمو الاقتصادي حيث يدفع الشخص العادي سنويا أكثر من 6500 دولار ضرائب اتحادية. والكتاب الذي يقع في 330 صفحة كبيرة القطع أصدرته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ضمن مشروع "كلمة". وترجم الكتاب أحمد محمود وهو مصري، ترجم أعمالا بارزة من التراث الإنساني، منها: "طريق الحرير" و"أبناء الفراعنة المحدثون" و"تشريح حضارة" و"مصر أصل الشجرة" و"الأصول الاجتماعية للدكتاتورية والديموقراطية" و"الفولكلور والبحر" و"قاموس التنمية دليل إلى المعرفة باعتبارها قوة" و"عصر الاضطراب مغامرات في عالم جديد" و"التجارة في الزمن الكلاسيكي القديم" و"عندما تتصادم العوالم... بحث الأسس الأيديولوجية والسياسية لصدام الحضارات". وفي السطور الأولى من مقدمة الكتاب يثبت المؤلف قول الفيلسوف الألماني هيجل (1770- 1831) بأسى "إن كل ما نتعلمه من التاريخ هو أننا لا نتعلم شيئا من التاريخ" وفي نهاية المقدمة يقول إن أميركا إذا كانت تريد أن تسود في السوق التجارية العالمية فلا بد أن تستعين "بنوع جديد من الاستحداث السياسي الذي يخلق السياسة التي تتعلم من دروس التاريخ الاقتصادي" باستخلاص دروس ثلاثة آلاف عام من التاريخ. ويقول إن استراتيجية ريغان جاءت كنسمة من الهواء لدولة "مصدومة اقتصاديا" إذ سارع الرئيس الجديد آنذاك إلى خفض الضرائب وإن اقتصاد الدولة "استجاب" لتلك السياسات فزادت الصادرات وهبطت أسعار الفائدة وتم إيجاد أكثر من 19 مليون فرصة عمل إنتاجية جديدة "ونتيجة لذلك تم في العقدين التاليين في أميركا تحقيق صافي الثروة القومية على نحو يزيد على أي وقت آخر في تاريخ البشرية." ويرى هيك أن بلاده في الوقت الراهن "ليست فقيرة ماديا. إنها مازالت مجتمعا غنيا بالموارد بل وأغنى من أية دولة أخرى في التاريخ بما في ذلك ذاتها السابقة. ومازال اقتصادها أقوى اقتصاد على الأرض ومازالت تتقدم العالم في العلوم والتكنولوجيا" إلا أنه يعترف بأن أميركا تنكمش اقتصاديا بعد أن كان متصورا قبل عقدين أن الرأسمالية الغربية تواجه تحديا خطيرا متمثلا في الاقتصاد الشيوعي والآن "انهار التحدي والتصور". وفي رسم خريطة طريق لمستقبل اقتصاد بلاده يقدم المؤلف لمحات من تاريخ نمو الاقتصاد في الحضارات الأخرى وكيف انتعش الاقتصاد بالتوازي مع التطور السياسي.. فيقول ضمن فصل "الإنسان الاقتصادي والسعي وراء المكسب الرأسمالي" إنه في حين كانت الكنيسة المسيحية تدين السعي وراء رأس المال وترى أن المكسب المادي "جشع أصيل في البشر" كانت الإمبراطورية الإسلامية " القوة الاقتصادية العظمى في العالم حيث خضعت لها سوق مشتركة.. تمتد من اليابان والصين في الشرق إلى المغرب والمحيط الأطلسي في الغرب بينما غرقت أوروبا المسيحية في وحل العصور المظلمة الذي ازداد عمقا." ويضيف أن الثروة الإنتاجية التي صنعها "القطاع الخاص" وفرت التمويل الذي مكن مسلمي العصور الوسطى من الاهتمام بالعلوم التطبيقية "وكان وقت الفراغ الذي جعلته تلك الثروة ممكنا هو ما دفع الحضارة الإسلامية إلى أوجها الثقافي في العصور الوسطى" انطلاقا من حافز ديني يحث على امتلاك المعرفة الخاصة بالحضارات السابقة وتوظيفها في تطوير الحضارة المعاصرة. ويسجل أن التحرير التدريجي لتجار أوروبا من القيود الاقتصادية للكنيسة بدأ بتبادل سلع مع الشرق العربي وفي تلك المرحلة بدأت نواة رأسمالية غربية انتصرت على الروح الإقطاعية التي سادت في العصور الوسطى وأثمر ذلك نتائج مهمة منها التقدم التكنولوجي بالتوازي مع النمو الاقتصادي والتطور السياسي. ويضرب المثل ببريطانيا التي أصبحت عام 1764 في تقدير الماركيز كاراتشيولو "جمهورية ديمقراطية التجارة فيها هي الرب" وبعد أقل من قرن وبحلول عام 1860 سيطرت على نحو 45 بالمئة من صناعة العالم و40 بالمئة من تجارته في المصنوعات وثلث سفنه التجارية. ويثبت قول الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو أن الإنجليز تقدموا آنذاك " أكثر من كل الشعوب في الأمور الثلاثة الأكثر أهمية: التجارة والتدين والحرية." لكن أميركا بالنسبة إلى هيك دولة وتجمع بشري غير مسبوق.. فيقول إنها كدولة للمهاجرين هي الأكثر تنوعا عرقيا ودينيا واستطاعت كسوق حرة جديدة أن تمنح للمهاجرين فرصا للاجتهاد والمنفعة وأصبحت أكثر غنى من إفريقيا على الرغم من مواردها الطبيعية الأقل من القارة السوداء وأكثر سلما من إمبراطورية الاتحاد السوفيتي السابق على الرغم من أن بها طوائف ومعتقدات أكثر وهي أكثر تقدما في التكنولوجيا من أوروبا على الرغم من امتلاكها تراثا فكريا أقل. ويضيف أن أميركا في كل مرة تستقبل جماعة مهاجرة كانت تعدل ثقافتها السائدة التي تزداد ثراء بالوافدين إذ إنها تفضل الجدارة والطموح والإنجاز على الميراث والتقاليد وكان هؤلاء المحرومون من حقوقهم في بلادهم يجدون السياق الذي لا يخيب آمالهم. ويصف السوق الحرة الأميركية بأنها غاية طموح الذين يريدون تشكيل مصائرهم "وهي السبب في أن أكبر عدد للعراقيين خارج العراق يقيمون في ديربورن بولاية ميشيجان وهم مواطنون منتجون يكسبون رزقهم من صناعة الخدمات الأميركية وهي السبب في أن أكبر تركز لليمنيين خارج اليمن في ديترويت حيث يكسبون رواتب من العمل في صناعة السيارات الأميركية أكبر مئة مرة عما في بلاهم."