على رغم الفاجعة التي حلت بعائلة «الجباري» المجاورة لمدرسة براعم الوطن المحترقة بجدة التي تدرس فيها ثلاث من بناتها، حنين وندى وغيداء، إلا أنها لم تنس زميلاتهن، إذ استضافت أسرة الطالبات الثلاث 30 طالبة من المدرسة المنكوبة إضافة إلى إنقاذ والدهن ل13 طالبة ومعلمتين. ولم تكن الاستضافة لتجاذب الحديث أو بقصد تسجيل زيارة ترويحية، بل كانت أشبه بالعيادة الطبية، إذ تحول المنزل إلى مكان خيم عليه الصمت بعدما طغى النوم على جميع الطالبات بداخله جراء الصدمة النفسية التي انتابتهن من آثار الحريق الذي كن وسطه. وبعدما أفقن من الحال التي كن فيها، بدأت الطالبات في سرد مشاهداتهن ل «الحياة» باستفاضة وما واجهنه أثناء الحادثة التي تسببت لهن في حال نفسية لا تزال آثارها بيِّنة على محياهن حتى مساء يوم أمس (السبت)، كما تحدثن عن الهلع الذي عم أرجاء المدرسة. وقالت حنين جباري (وهي طالبة في أولى متوسط): «خرجت من المدرسة مذهولة مما حدث»، مشيرة إلى أن الحريق بدأ في وسط المدرسة وتحديداً من «المختبر»، الأمر الذي تسبب في اختناق الكثير من الطالبات خصوصاً صغار السن. وأضافت أنها شاهدت طالبات يصرخن وأخرى يستغثن لإنقاذهن من وسط ألسنة اللهب ووصل الأمر ببعضهن إلى كسر الشبابيك ورمي أنفسهن في سبيل النجاة من الحريق الذي انتشر بسرعة. أما أختها، ندى الجباري (الطالبة في الصف السادس الابتدائي) فأفادت بحدوث اختناقات في صفوف الكثير من الطالبات، لافتة إلى أنها تمكنت من الهرب من الباب الرئيس للمدرسة قبل تمدد النيران إلى الفصول المجاورة التي بدأت في حال ضوضاء بسبب الصراخ والبكاء الصادر من جميع الطالبات اللائي كن في الفصول الموجودة في الطابق الثاني مكان بدء اندلاع الحريق. وأشارت إلى أن منظر زميلاتها كان محزناً، إذ إن بعضهن اتجهن نحو منافذ الفصول (شبابيك المدرسة) محاولات كسرها وبعد تمكنهن من ذلك بدأن في إلقاء أنفسهن من الطابق الثاني، والصراخ يتقطع في الأجواء، ونداء الاستغاثة ملأ المكان من طالبات لم تتجاوز أعمارهن سبعة أعوام. وفي السياق، أوضحت الطالبة غيداء جباري أن شرارة الحادثة انطلقت من موقع «المختبر» أثناء شرح إحدى المعلمات مادة «التدبير المنزلي» لمجموعة من الدارسات، فانطلق الحريق من هناك، ملمحة إلى أن الطالبات بدأن في الصراخ والاستغاثة منذ أن شاهدن النيران تتمدد إلى الغرف الأخرى ما أحدث الرعب والخوف لديهن، متسببات في تدافع كثيف ولجوء إلى تحطيم الأبواب والنوافذ في محاولة للهرب من ألسنة الحريق المتسارعة. وأكدت أنها تمكنت من الخروج والنجاة بنفسها من الحادثة، في الوقت الذي شاهدت فيه الكثير من زميلاتها يصرخن ويحاولن الفكاك مما هن فيه، فيما بدأت صرخات الطالبات ممن فقدن أخواتهن أو تأخر نزولهن من الفصول الدراسية في الدور الثاني. ونظراً إلى موقع المدرسة القريب من منزل أسرتها، أبانت الجباري أنها عملت على استضافة أكثر من 30 طالبة من زميلاتها وزميلات شقيقتيها في منزلهن المجاور للمدرسة، لافتة إلى أن غالبيتهن في حال من الخوف والهلع والذهول، إذ لم يستطع البعض منهن الذهاب مع ذويهن بسبب النعاس الذي غالبهن كثيراً. من جهته، أسهم حسين صوفي وهو من عائلة «الجباري» في إنقاذ أكثر من 15 حالة بينهن معلمتان من طريق السلالم التي وضعها من جهة سور منزله، إذ ساعد هو وعدد من المتطوعين في إنقاذهن قبل وصول مركبات الدفاع المدني. وأردف ل «الحياة»: «كنا مع بداية الحريق عائدين من المسجد عقب تأديتنا صلاة الظهر، فتنامى إلى مسامعنا أصوات صاخبة من التلميذات، فخرجت إلى الشارع ولم أجد فيه أحداً من المارة، وما هي إلا لحظات حتى شاهدت الدخان يتصاعد من المدرسة وأصوات الصراخ تعلو»، مشيراً إلى أنه سمع عبارات من قبل الطالبات تتضمن «أنقذونا أنقذونا». وأوضح أنه عمد عاجلاً إلى نصب سلالم حديدية هو ومجموعة من المتطوعين قبل وصول مركبات الدفاع المدني، ما أدى إلى إنقاذ عدد من الطالبات والمدرسات، إذ تم إخراج أكثر من 15 حالة جميعها من الدور الثاني من الجهة المقابلة لمنزله، في الوقت الذي شاهد فيه الحال السيئة في المدرسة «والبنات يصرخن أنقذونا... متنا ...متنا».