ساهمت الحملات الانتخابية للمرشحين على مقاعد البرلمان المصري التي بدأت الأسبوع الماضي، في إنعاش قطاعات تجارية في البلاد، خصوصاً الدعاية والإعلان وبيع السلع الغذائية ومقدمي الخدمات مثل مراكز ومتعهدي الحفلات ومتاجر تأجير الكراسي والخيام والأقمشة والمطابع والخطاطين. لكنها أثارت استياء واسعاً من إهدار الملايين في بلد يعاني بوادر أزمة اقتصادية. وتقدر توقعات أن تصل كلفة الحملات الانتخابية الحالية إلى نحو 500 مليون جنيه (84 مليون دولار تقريباً)، مع البذخ الذي يرافقها خصوصاً في المحافظات الكبرى، علماً أن اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات البرلمانية حددت مبلغ نصف مليون جنيه حداً أقصى للإنفاق الدعائي، لكن مراقبين يؤكدون أن عملية مراقبة الإنفاق «في غاية الصعوبة». وأثار التسابق بين المرشحين في الإنفاق استياء ناخبين اعتبروا أن هناك الآلاف في حاجة إلى هذه الأموال المهدرة. ويقول عبدالغني حسين، وهو موظف متقاعد: «نرى أموالاً طائلة تُلقى على الأرض في وقت نجد الحكومة تكرر باستمرار شكواها من الأزمات المالية». وتساءل: «من أين أتت إذاً هذه الأموال التي تنفق في الدعاية الانتخابية؟». ورغم أن أم محمود التي تقطن حي السيدة زينب الشعبي في القاهرة تؤكد أن موسم الانتخابات «يعود علينا بالنفع، ويتسابق المرشحون على توزيع السلع الغذائية والخدمات في محاولة لكسب ودنا»، إلا أنها ترى في الوقت ذاته أن «هناك آلاف الشباب الذين لا يستطيعون العثور على منزل للزواج، هم في حاجة إلى هذه الملايين التي يتم إنفاقها». لكن آخرين يرحبون بهذا الإنفاق. وتشهد سوق الدعاية والإعلان بأنواعها كافة نشاطاً متزايداً، إذ غزت إعلانات المرشحين وبرامجهم الشوارع بلافتات وملصقات ومنشورات، إضافة إلى لوحات الطرق. ويقول شكري عبدالناصر، وهو صاحب وكالة إعلان: «ننتظر موسم الانتخابات بفارغ الصبر... السوق تشهد حركة نشطة مع انطلاق حملات المرشحين». ويوضح خيري خليل، وهو صاحب مطبعة، أن «الإعلان المطبوع يتصدر حملات المرشحين لأنهم يجدون في الإعلان المطبوع الوسيلة الفعالة في توصيل رسالتهم إلى الناخبين، كما يوفر الإعلان المطبوع تغطية واسعة وبأسعار مناسبة لرخص التكاليف»، مشيراً إلى أن «هناك طلباً غير اعتيادي على طباعة الصور والمنشورات بكميات كبيرة». ولفت إلى أن مطبعته «تعمل ليلاً نهاراً لتلبية حاجات المرشحين لدرجة أنني استقدمت عدداً من العمال الإضافيين الأسبوع الماضي لتلبية الطلبات المتزايدة». وهناك أيضاً قطاع الخطاطين الذي يعتبر الانتخابات موسمه الرئيس، إذ لا تزال اللافتات هي المادة الرئيسة التي يستخدمها المرشحون في حملاتهم. ويشير الخطاط إبراهيم مسعود إلى أنه جهَّز خلال شهر ما يزيد على ثلاثة آلاف لافتة من مختلف الأحجام راوحت أسعارها ما بين 300 و 1500 جنيه. غير أنه أكد أن هذا الرقم «ضئيل جداً بالنسبة إلى المستهدف في موسم الانتخابات... لايزال أمامنا نحو أسبوعين وستنتعش صناعة الخطاطين». ويقدر عدد اللافتات، سواء تلك المصنوعة من القماش أو البلاستيك، التي يتم استخدامها خلال الحملات الانتخابية بما يزيد على عشرة ملايين تنتشر في مناطق القاهرة وحدها. واستغلت غالبية المرشحين الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها معظم المصريين، ووزعوا سلعاً غذائية تضاعفت أثمانها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، فيما تباروا في بناء مقرات انتخابية فخمة تتسع لعدد كبير من الأنصار، علماً أن المقار الانتخابية عبارة عن خيم مصنوعة من القماش وتعمل محال تأجير الخيام والكراسي على مدار الساعة لتلبية حاجات المرشحين، كما لجأ الكثير من المرشحين لاستئجار حافلات لنقل أنصارهم إلى المقرات الانتخابية. بيد أن الدعاية قد لا تجدي في استقطاب ناخبين. وتقول ناخبة أربعينية: «لا فارق لدينا بين مرشح وآخر، فالكل يتسابق على نيل رضا الشارع هذه الأيام فقط». ويعكس موقفها انطباعاً لدى كثيرين بأن المتنافسين على شغل مقاعد البرلمان «يسعون إلى مصالح شخصية من دون النظر إلى المشاكل الحياتية التي يعاني منها المواطن البسيط».