لم تفلح وعود الأحزاب السياسية التونسية المترشحة للمجلس الوطني التأسيسي في امتصاص ولو جزء يسيرٍ من حنق الشباب العاطل من العمل ولا عائلاتهم. فمع كل يوم يتضاءل الأمل في الظفر بشغل في بلد يضمّ أكثر من 700 ألف عاطل من العمل بينهم ما يفوق 170 ألفاً من حاملي الشهادات الجامعية. شكري عاطل من العمل منذ أكثر من 13 سنة، وعلى رغم أن المرء غالباً ما يتأقلم مع الظروف مع مرور الوقت، فإن شكري يبدو يائساً أكثر من أي وقت مضى: «تعرضت للظلم زمن الرئيس المخلوع، وسُجنت وحُرمت من العمل والعيش الكريم، والآن وبعد ما يسمّى ثورة 14 يناير ما زلت محروماً كما كنت، بل وأرى أنّ كثيرين تمكنوا من الفوز بمواطن شغل وأنا أنتظر». ويضيف: «أريد أن أعمل، أريد أن أتزوج، أن أنجب أبناءً، أن أعيش حياة كريمة». وتعتبر الشعارات المناهضة للبطالة التي رُفعت في ثورة يناير من أكثر الشعارات دلالة على الأزمة التي يعيشها المجتمع التونسي، ومن أبرز تلك الشعارات: «التشغيل استحقاق يا عصابة السرّاق». ويعكس الشعار أكثر من معنى ودلالة، اذ يعلم الجميع في تونس وعلى رأسهم الشباب، أن البلاد كان يمكن أن توفر الوظائف وتكون من أفضل الدول من حيث جودة الحياة لولا «العصابات التي سلبت مال البلاد وأفرغت خزائنها وشوّهت حاضرها ومستقبلها». ويقول كثيرون هنا ان نظام بن علي ساهم في تدمير المنظومة التعليمية في شكل كبير، ما جعل مصير حاملي الشهادات العليا يتعقّد يوماً بعد يوم أمام انحسار أعداد الأيدي العاملة المتخصصة. في مدينة توزر في الجنوب الغربي لتونس، شبان يعيشون البطالة منذ سنوات، على رغم أنّ بعضهم كان يعمل في شكل موسميّ في قطاع السياحة أو الفلاحة. أنيس واحد منهم، يقول: «أنا عاطل من العمل منذ يناير الماضي، كنت أعمل في شكل عرضي في قطاع السياحة فأجني بعض ما يكفيني باقي العام، ولكن منذ قيام الثورة تراجع القطاع السياحي في شكل مهول، ما جعلني أعيش بطالة قسرية، الآن أحسّ بأنني أمثّل ثقلاً على عائلتي اذ آخذ مصروفي من والدي». ويضيف مع تنهيدة طويلة: «تصوروا شاباً في الثلاثين يأخذ مصروفه من والده الذي لا يكاد راتبه يفي بمتطلبات البيت». أنيس ليس الوحيد الذي يعيش مثل هذه الحالة، ويقول المولدي (33 عاماً): «بعد تراجع القطاع السياحي حاولت أن أعمل في أي مجال آخر من دون جدوى، فليست لي أيّ صنعة ولا أتقن غير البيع والشراء في محلّ الصناعات التقليدية الذي يملكه والدي، أمّا اليوم فننتظر الفرج ونرجو أن يكون قريباً». لا شيء تغيّر وغالباً ما تلتقي مجموعات من الشابات والشبان في مقاهي العاصمة التونسية، ويتنوع حديثهم بين المشهد السياسي الذي يشعل بال التونسيين كباراً وصغاراً، وبين مشكلة البطالة التي باتت تؤرّق العائلات التونسية. تقول صبرة، التي تخرجت منذ سبع سنوات، ولا تزال في انتظار فرصة عمل: «لم يتغيّر شيء بعد 14 يناير، الأساليب والطرق الملتوية نفسها، من له معارف وعلاقات سيفوز بعمل، أمّا الذين في مثل وضعي فلا أمل لهم غير الصبر والدعاء». رانيا توافقها الرأي، تخرجت في علوم التمريض منذ ثلاث سنوات تقريباً، وتؤكد أنّ «بعض الذين تخرجوا بعدها حصلوا على عمل في مؤسسات حكومية لأن لديهم من المعارف والوساطات ما مكّنهم من ذلك، علماً أنّ أبي متوفّى وراتب والدتي قليل ونسكن منزلاً مستأجراً». وفي مكاتب التشغيل تبدو الامور على ثباتها وكأن المشهد نفسه يتكرر، مئات الزوّار يوميّاً والإجابات عينها تُعاد على مسامع طالبي العمل... أحدهم اصطحب والدته المسنّة علّ القلوب ترقّ حين رؤيتها. تقول الحاجة زينب: «عمري 71 عاماً وابني متخرج منذ 13 سنة ولم يحصل على عمل حتى اليوم، كان مغضوباً عليه في عهد المخلوع ودخل السجن وحُرم حتى من السفر. وبعد قيام الثورة اسبشرنا خيراً وقلنا إن الحكومة ستنظر لابني بعين الرحمة، لكن ما حدث هو العكس، ابن أحد المسؤولين تخرج هذا العام وفاز بعمل في مؤسسة حكومية وابني المتخرج منذ 13 سنة والذي ناضل من أجل رحيل بن علي ما زال ينتظر».