الحنين إلى الأوطان شعور يعتري المغتربين عن بلدانهم كافة لظروف العمل بغية تحسين مستوى المعيشة أو الدراسة أو العلاج أو غيرها من ظروف الحياة التي دفعتهم إلى هجر أوطانهم وينتج الابتعاد عن الأهل والموطن شوقاً لتتبع كل جزئية ترتبط بما يفرج شيئاً من كربة المبتعدين غربتهم الجاثمة على أفئدتهم. وموسم الحج مناسبة دينية تأتي في العام مرة واحدة ولا تتكرر مشاهدها سوى في بلد واحد فقط وتستمر أياماً عدة وتجتمع في المشاعر المقدسة حشود بشرية قطعت آلاف الأميال وحطت بها الرحال على أراضيها لتأدية الفريضة وامتدت مناسبة الحج من كونها مناسبة دينية إلى مناسبة اجتماعية أيضاً. وتعد السعودية وجهة للعمالة المغتربة المنتشرة في جميع المدن والقرى في شكل لافت، التي تنتهز فرصة موسم الحج وقدوم أقاربهم أو أصدقائهم أو حتى من لم تربطهم بهم سابق معرفة ضمن وفود ضيوف الرحمن، إذ يحرص أولئك العاملون على القدوم إلى مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة للتعايش مع مظاهر تحيي في دواخلهم إحساساً معنوياً وتصنع طقوساً شبيهة إلى حد كبير بما في بلدانهم ما يخفف من وطأة الغربة. وفي هذا الجانب، يقول المقيم شهاب أحمد من السودان: «على رغم قسوة الظروف المعيشية في بلادي التي أجبرتني على الاغتراب أنا وشقيقي المغترب في دولة أخرى، إلا أن قول الشاعر: (بلادي وإن جارت علي عزيزة...وأهلي وإن ضنوا علي كرام)، يظل سيداً للموقف». وأضاف: «من المؤكد أنني محظوظ أكثر من شقيقي المقيم في الكويت»، كاشفاً حرصه على الحضور إلى المشاعر المقدسة قادماً من قرية تقع جنوبالطائف، وتابع: «إن لم أعرف أحداً في صفوف الحجيج إلا أن حضوري يمثل الشيء الكثير، ولا أخفي أن شعوراً بفخر يعتريني عند مشاهدتي لعلم بلادي على جوانب المخيمات». ومن صور التعايش مع الوطن وتجاوز حاجز بعد المسافات، أشار المغترب الهندي محيي الدين نور إلى أن ملابس الإحرام توجد شكلاً موحداً، وبعد التحلل واستبدالها بملابس أخرى تظهر الفروق في الزى، إذ إن للهنود زيهم الخاص بهم وللأفارقة زي مختلف للرجال والنساء وإلى جانب أن نكهات الأطعمة التي تعج روائحها في المشاعر توجد فرصة للتعايش مع الموقف وتجاهل الغربة، لافتاً إلى أن الصورة لا تقتصر على المظهر الخارجي بل تشمل بعض المصطلحات والكلمات التي تنفرد بها مجتمعات من دون غيرها وتستخدم أثناء التحاور بين شخصين وهذه في الغالبية تروج في المجتمعات الصغيرة. وعلى عكس المقيمين من أجل العمل في هذه البلاد، ألمح الحاج المصري حمدي حافظ إلى أن الحجاج لا يعرفون إلا جزءاً يسيراً من الغربة سرعان ما ينتهي بانتهاء المناسبة التي حضروا من أجلها، بيد أن وجودهم يعد أمراً غير عادي للمقيمين، لاسيما من تربعت حدة الغربة في داخله. وزاد: «يصنع وجودهم مخرجاً للتنفس من ضغط التغرب وانعكاسه الإيجابي على النفس»، مبيناً أن من يستغل المناسبة سيعود إلى ممارسة مهمات عمله بمعنويات مرتفعة وشعور بالنشوة».