الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، والذي لا يمكن لأي مسلم أن يلغيه من حياته، ولكنه أيضاً ركن أراد الله عز وجل أن يطهر به الإنسان ويرفعه إلى مرتبة الملائكة وهم يطوفون بالبيت العتيق. وهو الركن الوحيد في الإسلام الذي يكفي الإنسان أن يؤديه مرة واحدة في حياته. والحج مدرسة فيها كثير من الفوائد المعنوية والدينية .. حيث يستفيد المسلم في مدرسة الحج برياضة السفر والسياحة. وقد روى أبو داود من حديث أبي أمامة أن رجلاً قال : يا رسول الله ائذن لي في السياحة، فقال عليه الصلاة والسلام : "إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله عز وجل" والسياحة هي مفارقة الأوطان، والمراد بالسياحة هنا الاغتراب وفراق الوطن للقيام بواجب التعبد لله، من أجل إعلاء دين الإسلام والدفاع عن المقدسات والأعراض والحرمات، ومن هنا فإن الحج جهاد وسياحة في سبيل الله تعالى. ومن فلسفة مدرسة الحج اجتماع المسلمين في صعيد واحد، لا فرق لأبيض على أسود، ولا لغنيّ على فقير. وعندما يقف مئات الآلاف أو آحاد الملايين على صعيد عرفات فإن هذا يكون بهدف واحد وبلباس واحد، متوجهين إلى خالقهم العظيم وألسنتهم تلهج بالدعاء والعبادة في صورة تتجلى فيها كل معاني الصفاء والإخلاص والمحبة والإيمان. كلّ هذا يبدو واضحاً في صورة تنقلها وسائل الإعلام إلى كل مكان من أنحاء العالم، صورة لا يمكن أن توجد في أي ديانة أخرى غير الإسلام. ومدرسة الحج تعلمنا أن الحج ينمي في شخصية المسلم الحب والشوق للمشاعر المقدسة والآثار الإسلامية الخالدة التي تجعله محباً ومقدراً لها. فإذا ما تذكر المسلم تلك المشاعر المقدسة والآثار الإسلامية تولّد لديه الحماس والشوق ودمعت عيناه طالباً من الله العلي القدير أن يتيح له حضور مشهد الحج العظيم. إن مدرسة الحج تتلخص بشكل كبير في الجانب الروحي وبشكل تختفي فيه زخارف الأزياء، وكأن المسلمين بذلك الإحرام الأبيض هم كتلة من النقاء والصفاء لا فرق بينهم .. قلوبهم وألسنتهم تلهج بالدعاء وأبصارهم تصعد للسماء ... هذا الاجتماع العظيم على صعيد عرفة، وتلك العبادات التي يؤديها المسلم منذ قدومه إلى مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة لابد أن تحفز الهمم من أجل تحقيق المعاني العظيمة لمدرسة الحج. ومن تلك المعاني الإخلاص والعمل الصادق من أجل نشر الدين الإسلامي بمعانيه السامية، ومحاربة الضلالات والفتن التي تحاول أن تفرق الأمة الإسلامية. إن أعداء الإسلام سواء من داخل بلاد المسلمين أو من خارجها يفرحون بتفرّق كلمة المسلمين وإضعاف شوكتهم. لابد للمسلمين أن يستذكروا في مدرسة الحج أهمية التعاون والتعاضد فيما بينهم، وأن يستذكروا أن قيمة المسلمين تتحدد ليس بضعفهم وتواكلهم بل بقوتهم المعنوية والاقتصادية، وإسهاماتهم العلمية والفكرية. إننا نعيش عصر العولمة التي لا ترحم الشعوب الضعيفة ... والعولمة تؤثر في جميع الأفراد والشعوب مما يحتم على جميع القادة المسلمين والشعوب الإسلامية أن تستغل فرصة الحج ومدرسته العظيمة من أجل إيصال ثقافتنا وقيمنا وأفكارنا وعلومنا إلى الآخرين .. فلا مكان في العولمة للضعفاء والفقراء المعتمدين على فتات الأغنياء ...