غالباً ما عُرف الكاتب المصري محمد حسنين هيكل بتحليلاته المستندة إلى قراءات واقعية للوثائق التاريخية، وابتعاده عن المزاجية أو التهويم العاطفي والرغبات. مع ذلك، يُمكن أن يلاحظ المرء أن ما إن يقترب هيكل من الواقع الراهن، حتى تنسحب الموضوعية الرصينة مخلية مكانها لتحليلات يغلب عليها تأثير رغباته وأفكاره وقناعاته المسبقة، ما يطرح السؤال: هل صار هيكل «مؤرّخ الماضي»؟ ما قاله هيكل عن «الربيع العربي» للمذيع محمد كريشان في برنامج «مع هيكل» على شاشة «الجزيرة» يدفعنا لطرح هذا السؤال، خصوصاً أن أهواءه التي لمسناها في أحاديثه وتحليلاته الأخيرة إذ تبتعد عن ملامسة الرؤية الصائبة والموضوعية، تلتقي في شكل أو آخر مع مواقف وتحليلات سابقة كتبها قبل عقود، وكانت هي الأخرى تتناول قضايا سياسية كبرى كانت راهنة يومها، أي أنها لم تكن تحليلات لقضايا وأحداث عبرت وصارت جزءاً من التاريخ. يتبادر إلى ذهني، مقالته «بصراحة» في «الأهرام» في أعقاب موافقة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر على مشروع وزير الخارجية الأميركي وليم روجرز لحل أزمة الشرق الأوسط، وهو المشروع الذي عرف باسمه، والذي لم يجد طريقه للنجاح والتحقق في الواقع. يومها أطلق محمد حسنين هيكل مقولته التي أثارت جدالات عاصفة عن «تحييد أميركا» في مواكبة فكرية لذلك المشروع السياسي الذي كان ينتسب لوزير خارجية الولاياتالمتحدة، وكانت صورة الشرق الأوسط هي صورة حرب الاستنزاف الكبرى على ضفتي قناة السويس، وصورة أميركا التي تقدم لإسرائيل السلاح والمال والدعم السياسي والديبلوماسي. هل هو مؤرّخ الماضي؟ سؤال يظلُ حاضراً كلما تابعنا تحليلات هيكل عبر الشاشة الصغيرة لأننا سنلحظ أنها تقارب الصواب حين تلامس قضايا التاريخ التي مضت وانقضت، لكنها سرعان ما تصبح مجرّد «وجهة نظر» حين يتعلق التحليل بالقضايا الراهنة بما هي انحيازات ورؤى مسبقة ومصالح وأفكار تخصُ صاحبها، وتشدُه نحو خيارات خاصة وربما شخصية. يبدو الماضي «محايداً» إلى حد ما، فيما يبدو الراهن «شرساً» متحفزاً، لا يقبل بالحيادية وإن كان لا يمنع أبداً من الموضوعية.