سلمان بن سلطان يرعى أعمال «منتدى المدينة للاستثمار»    استعراض أعمال «جوازات تبوك»    أمير نجران يدشن مركز القبول الموحد    المملكة تستضيف اجتماع وزراء الأمن السيبراني العرب.. اليوم    تباطؤ النمو الصيني يثقل كاهل توقعات الطلب العالمي على النفط    البنوك السعودية تحذر من عمليات احتيال بانتحال صفات مؤسسات وشخصيات    توجه أميركي لتقليص الأصول الصينية    إسرائيل تتعمد قتل المرضى والطواقم الطبية في غزة    الجيش الأميركي يقصف أهدافاً حوثيةً في اليمن    المملكة تؤكد حرصها على أمن واستقرار السودان    أمير الشرقية يرعى ورشة «تنامي» الرقمية    كأس العالم ورسم ملامح المستقبل    رئيس جامعة الباحة يتفقد التنمية الرقمية    متعب بن مشعل يطلق ملتقى «لجان المسؤولية الاجتماعية»    وزير العدل: نمر بنقلة تاريخية تشريعية وقانونية يقودها ولي العهد    اختتام معرض الأولمبياد الوطني للإبداع العلمي    دروب المملكة.. إحياء العلاقة بين الإنسان والبيئة    ضيوف الملك من أوروبا يزورون معالم المدينة    جمعية النواب العموم: دعم سيادة القانون وحقوق الإنسان ومواجهة الإرهاب    «سلمان للإغاثة»: تقديم العلاج ل 10,815 لاجئاً سورياً في عرسال    القتل لاثنين خانا الوطن وتسترا على عناصر إرهابية    العلوي والغساني يحصدان جائزة أفضل لاعب    مدرب الأخضر "رينارد": بداية سيئة لنا والأمر صعب في حال غياب سالم وفراس    ماغي بوغصن.. أفضل ممثلة في «الموريكس دور»    متحف طارق عبدالحكيم يحتفل بذكرى تأسيسه.. هل كان عامه الأول مقنعاً ؟    الجاسر: حلول مبتكرة لمواكبة تطورات الرقمنة في وزارة النقل    الاسكتلندي هيندري بديلاً للبرازيلي فيتينهو في الاتفاق    أجسام طائرة تحير الأمريكيين    ليست المرة الأولى التي يخرج الجيش السوري من الخدمة!    مشيدًا بدعم القيادة لترسيخ العدالة.. د. الصمعاني: المملكة حققت نقلة تشريعية وقانونية تاريخية يقودها سمو ولي العهد    مترو الرياض    الجوازات تنهي إجراءات مغادرة أول رحلة دولية لسفينة سياحية سعودية    "القاسم" يستقبل زملاءه في الإدارة العامة للإعلام والعلاقات والاتصال المؤسسي بإمارة منطقة جازان    قمر التربيع الأخير يزين السماء .. اليوم    ولادة المها العربي الخامس عشر في محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية    إن لم تكن معي    أداة من إنستغرام للفيديو بالذكاء الإصطناعي    شكرًا ولي العهد الأمير محمد بن سلمان رجل الرؤية والإنجاز    لا أحب الرمادي لكنها الحياة    الإعلام بين الماضي والحاضر    استعادة القيمة الذاتية من فخ الإنتاجية السامة    منادي المعرفة والثقافة «حيّ على الكتاب»!    ضمن موسم الرياض… أوسيك يتوج بلقب الوزن الثقيل في نزال «المملكة أرينا»    الطفلة اعتزاز حفظها الله    أكياس الشاي من البوليمرات غير صحية    سعود بن نهار يستأنف جولاته للمراكز الإدارية التابعة لمحافظة الطائف    ضيوف الملك يشيدون بجهود القيادة في تطوير المعالم التاريخية بالمدينة    قائد القوات المشتركة يستقبل عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني    المشاهير وجمع التبرعات بين استغلال الثقة وتعزيز الشفافية    نائب أمير منطقة تبوك يستقبل مدير جوازات المنطقة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل سفير جمهورية الصين لدى المملكة    الصحة تحيل 5 ممارسين صحيين للجهات المختصة بسبب مخالفات مهنية    "سعود الطبية": استئصال ورم يزن خمسة كيلوغرامات من المعدة والقولون لأربعيني    اختتام أعمال المؤتمر العلمي السنوي العاشر "المستجدات في أمراض الروماتيزم" في جدة    «مالك الحزين».. زائر شتوي يزين محمية الملك سلمان بتنوعها البيئي    5 حقائق حول فيتامين «D» والاكتئاب    لمحات من حروب الإسلام    وفاة مراهقة بالشيخوخة المبكرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواجهة موضوعية مع طروحات هيكل


توطئة:
لم تأل صحافتنا السعودية جهداً في القيام بواجب الرد الصحفي على طروحات الأستاذ محمد حسنين هيكل غير الموضوعية في يوليو 2005 عبر فخ قناة الجزيرة الفضائية التي تملك أجندة خاصة خارج الحدود فوق مستوى الجارة الشقيقة قطر.
ولأن الأستاذ الشهير المصنف عربياً بأنه من أعمدة النكسة السبعة قد تجاوز مجاله الصحفي والسياسي الى ادعاء امتلاك زمام تفسير التاريخ دون غيره وادعاء حيازة الوثائق دون غيره، وادعاء الرؤية الشمولية البانورامية في تحليل الأحداث الدولية وانعكاساتها على المنطقة العربية دون غيره.. أقول ان هذه الأمور تستدعي مشاركة مؤرخينا السعوديين والعرب في مواجهة هذه الادعاءات بموضوعية وتأنٍ بعيداً عن التهويش والتجاذب السلبي.
الأستاذ محمد حسنين هيكل:
لا شك أن الجيل الجديد من شبابنا العربي الذي لم يحمل عقدة (صوت العرب) أو (هنا موسكو) ربما فاجأه خروج عملاق عجوز لا يكاد يعرف عنه شيئاً بدعوى تقديم تجربة نصف قرن من صفحات تاريخنا العربي وإن بصورة قاتمة انتقائية انهزامية.. من هذا المنطلق فالتعريف بالأستاذ هيكل ضرورة للجيل المعاصر.
ولد الأستاذ هيكل بالقاهرة حسب افادته هو في عام 1923م وتلقى تعليمه بها.. وفي سن العشرين التحق بجريدة الايجيبشيان جازيت محرراً في قسم الحوادث وشارك في تغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية، ثم عين محرراً بمجلة آخر ساعة، فأخبار اليوم مراسلاً متجولاً حول العالم. وقبيل الثورة أصبح رئيساً لتحرير آخر ساعة ومديراً لتحرير أخبار اليوم في الوقت نفسه.
وكانت المرحلة الذهبية لهيكل هي فترة رئاسته لجريدة الاهرام لمدة سبعة عشر عاماً.
وفي عام 1970 عين وزيراً للإرشاد القومي واستقال أخيراً في عهد الرئيس السادات اثر خلافه معه بعد حرب أكتوبر 1973م. ومنذ ذلك الحين تفرغ للكتابة في الصحف العربية والعالمية ونشر مؤلفاته السياسية والصحفية التي وصل عددها الى ثمانية وثلاثين كتاباً.
عاصر هيكل إذن ثلاثة عهود متناقضة من تاريخ مصر (الملك فاروق وعبدالناصر والسادات) وعهود الانحطاط العربي عبر هزائم ثمانية وأربعين وسبعة وستين وصراع المعسكرين والحرب الباردة.. فتشكلت شخصية الأستاذ من تركيبة تناقضات المرحلة صحفياً بارعاً وسياسياً براغماتياً ومؤرخاً انتقائياً غير موضوعي.
ثنائية الفرعون والكاهن:
كتب الأستاذ صلاح عيسى بعنوان (هيكل.. تراجيديا الفرعون والكاهن) قائلاً إن مؤرخي الأجيال القادمة سيحتارون إذا ما أرادوا تقييم الأدوار التي لعبها هيكل على مسرح الصحافة والسياسة المصرية والعربية وسيضلون الطريق اليه بين جبال من التفاصيل وتلال الأكاذيب.
كان عبدالله النديم كاهن أحمد عرابي وكان بسيطاً كزعيمه ومخلصاً وسيئ الحظ مثله!
وكان عباس العقاد الكاتب الجبار للزعيم الجبار سعد زغلول:
وكان محمد التابعي هو صحفي مصطفى النحاس.. وهيكل كما قال هو نفسه آخر تلامذة محمد التابعي قضى معه ثم مع أولاد أمين سنوات ظل يراقب بذكائه المشع قوانين لعبة الفرعون والكاهن.
تربع هيكل على عرش الكهانة عندما هوى قمر الزمن الماضي مات الملك عاش الضباط الأحرار، وبينهم كان هيكل المدني أصغرهم سناً وأكثرهم ذكاء وطموحاً وأبعدهم عن شبهات هؤلاء الضباط الشبان. وباعتقال مصطفى وعلي أمين سقطت معظم الحواجز التي كانت تقف بين هيكل وعرش الكهانة الذي أصبح سنة 1952 خالياً.
سخَّر هيكل كل مواهبه في خدمة عبدالناصر - حيث الكل في واحد - يصوغ له الخطب والرسائل ويؤلف له كتاباً في الفلسفة وميثاقاً في العمل الوطني، ويقرأ عليه الكتب وبرقيات وكالات الأنباء. ويلخص له الصحف وأخبار الإذاعات ويخرج له قراراته الكبرى ويكتب عنه وله كل أسبوع ترانيم يوم الجمعة، وينحت له تلك الكلمات الاسفنجية التي تمتص دموع الكوارث بتسميات (النكسة) و(نحن نملك أكبر قوة ضاربة ورادعة في الشرق الأوسط).
٭ وجاءت قمة كهانة هيكل عندما خرج بنظرية تقول إن عبدالناصر لم يكن بحاجة إلى حزب إذ إن حزبه في أجهزة إعلامه القوية.. فالشعوب في رأيه خلقت لتسمع وتقرأ والكاهن هو حزب الزعيم أو هو شعب الفرعون.. أما مصطلحات مثل: (الشعب المعلم) و(الشعب القائد) و(إرادة شعبنا) فلم تكن سوى دليل على تفوق الكاهن في كتابة الإنشاء.
وعندما مات عبدالناصر وخلا المعبد من الفرعون قبل الأوان وكان هيكل قد أدمن الكهانة فقد راهن على أنور السادات، ولكنه لم يهنأ بالقرب من السادات لينتقل خطوة بعد خطوة إلى صف المعارضين للسادات.
ادعاء حيازة الوثائق:
في حلقات قناة الجزيرة (مع هيكل) المتلفزة في يوليو 2005 يقول هيكل في مواضع مختلفة في سياق هجومه المباشر وغير المباشر على الملكيات العربية (السعودية والهاشمية وأسرة محمد علي في مصر): (أنا أظن أن احنا قرأنا التاريخ كثير قوي بعيداً عن وثائقه) (.. لكن وثائق نابليون والفترة المحيطة بها كلها أنا باعتقد إنها كلها موجودة في حوزتي) (أنا عندي هنا أوراق كرومر.. أنا في لندن ماشي يوم من الأيام في شارع بوم ستريت وفيه مزاد على أوراق كرومر.. ودخلت لقيت الثمن معقول اشتريتها).
وأقول هنا نحن معشر المؤرخين نتفق مع هيكل في ضرورة الاعتماد على الوثائق وهذا من أبجديات عمل المتخصصين الأكاديميين في مجال التاريخ الذين ليس من بينهم هيكل بالطبع.
وليس الأمر فيما يتعلق بالوثائق البريطانية وغيرها فرنسية وألمانية وهولندية وبرتغالية وتركية (عثمانية) هي ما بحوزة هيكل من أربعة مجلدات في كلية سانت أنتوني أو ما اشتراه من وثائق وهو يعبر السبيل في أزقة لندن أو ما جمعته الأهرام طيلة تاريخها.. أقول إن دور الأرشيفات البريطانية على سبيل المثال تحوي ما لا يمكن إحصاؤه من المحفوظات والسجلات الوثائقية وتوجد في مقرين رسميين مستقلين لم يذكرهما هيكل لأنه لم تطأ قدماه أياً منهما وهما (دار السجلات العامة - Public Records Office) و(سجلات وزارة الهند - India Office Records) ثم ما تنشره وزارة الخارجية البريطانية من سلاسل وثائقية أو ما ينشر من وثائق وزارة الهند أو مجموعات (طبعات الأرشيف Archive Editions) ومعظم الأكاديميين السعوديين ومن بينهم كاتب هذا المقال قد أتاحت لهم الحكومة السعودية مشكورة فرصة الاستفادة منها بفضل بعثات الدراسات العليا في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.. وأذكر أن أول زيارة قمت بها لدار السجلات العامة في لندن كان في عام 1981 وسبقني اليها ايضاً الدكتور محمد آل زلفة وغيره من الزملاء والباحثين.
وتكاد تكون المملكة العربية السعودية بجامعاتها ومؤسساتها أكبر دولة عربية ترجمت ونشرت الوثائق البريطانية والفرنسية والأمريكية والتركية ويكفي فخراً ما قامت به دار الدائرة للنشر والتوثيق من اصدار السلسلة الوثائقية (الملك عبدالعزيز سيرته وفترة حكمه في الوثائق الأجنبية) في عشرات المجلدات برعاية كريمة من سمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز وما تحويه دارة الملك عبدالعزيز ومكتبة الملك فهد الوطنية من أرشيفات وثائقية بمؤازرة ورعاية من سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز وأهم من ذلك أن المملكة عضو فاعل في مجلس الوثائق الدولي وقد شرفت شخصياً بتمثيل دارة الملك عبدالعزيز قبل سنوات بحضور المؤتمر العالمي لمجلس الوثائق الدولي في بكين بتكليف من الدكتور فهد السماري أمين عام الدارة.. وهناك مجموعات وثائقية مهمة نشرت بتمويل من رجال أعمال سعوديين ومن باحثين متخصصين.
فأين قطرات هيكل الوثائقية من بحر الوثائق العالمية.
القراءة غير الموضوعية للوثائق
ثم يأتي بعد ادعاء حيازة الوثائق القراءة المنحازة التدليسية غير الموضوعية للأستاذ هيكل مع الجهل بالتاريخ السعودي.. وأقدم هنا نماذج من أخطاء هيكل في برنامج قناة الجزيرة عن (دور الأسر الثلاث الحاكمة تاريخياً):
1) يقول هيكل (والأسرة المالكة السعودية بدت لأول مرة في التحالف بين الأمير سعود الكبير وبين محمد بن عبدالوهاب).
والخطأ هنا من جهتين الأول قوله بين الأمير سعود الكبير والصحيح الإمام محمد بن سعود في عام 1744م. لأن سعود الكبير ت 1813م هو الإمام سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود الذي غطى حكمه معظم ارجاء الجزيرة العربية وجبى الزكاة من بادية الشام الى عمان على بحر العرب.
والخطأ الثاني والذي أعزوه لجهل أستاذنا هيكل هو أن امارة آل سعود قد بدأت في الدرعية منذ عام 850ه/1446م. وأن عام 1157/1744م هو عام معاهدة الدرعية بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب التي أعطت للإمارة زخماً جديداً جعلها تسود معظم أنحاء الجزيرة العربية والدول الاستعمارية تراقب عن كثب نموها الهائل وامتدادها الكاسح فتسعى هذه الدول عن طريق رحالتها ومقيميها في المنطقة لتقصي هذه الظاهرة الذاتية الدفع.
وبلغة الوثائق التي يتحدث بها أستاذنا هيكل نحيله إلى وثيقة عثمانية مؤرخة في 28 رجب 981ه/ 1572م اكتشفها باحث سعودي شاب هو الأستاذ راشد بن عساكر في الأرشيف العثماني تشير إلى شكر الدولة العثمانية ممثلة في واليها على الاحساء لجهود أمير الدرعية ابراهيم بن موسى (أحد أجداد آل سعود) وبعض الأمراء والمجاورين في تأمين طريق الحجاج عبر نجد (الوثيقة محفوظة في دائرة الأرشيف العثماني) التابع لرئاسة مجلس الوزراء باستانبول مهمة دفتري 23، ص163، رقم الوثيقة 341.
2) يقول هيكل (ماحدش عنده وثائق كافية ولا مراجع كافية عن الدور اللي لعبته حكومة الهند في الدولة السعودية.. في قيام الدولة السعودية الأولى لكن نستطيع ان نتصور انه لما عقدت أول معاهدة سنة 1860 بين حكومة الهند وبين الأمير سعود.. بالأمير فيصل بن سعود..).
وأقول أولاً يقصد هيكل بقوله (الأمير سعود.. بالأمير فيصل بن سعود) الإمام فيصل بن تركي بن عبدالله الذي زار الرياض في عهده معتمد بريطانيا في الخليج الكولونيل بلي في مارس 1865م وليس 1860 كما يقول هيكل.
وثانياً فيما يتعلق بعلاقات السعوديين مع الدول الكبرى ومنها بريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية ذاتها ومحاولات هيكل التهويشية ازاء موضوع العلاقة مع بريطانيا.. اقول بأنه لا يوجد كيان سياسي في العالم منذ فجر التاريخ يعيش منكفياً على نفسه مكتفياً بموارده وإنما لابد من التفاعل المحلي والدولي.. فكيف بموقع استراتيجي عالمي كالبلاد السعودية التي تضم معظم جزيرة العرب.. فوجود علاقة بين السعوديين وبين الدول الكبرى السائدة دليل على قوة الكيان لا تبعيته.
ثم إن الأمر ليس كما يقول الأستاذ هيكل (ماحدش عنده وثائق أو مراجع كافية عن الدور اللي لعبته حكومة الهند في قيام الدولة السعودية).
فهنا نرى محاولات إيهام المشاهد العربي بأن ثمة دوراً ما لبريطانيا في قيام الدولة وهل تجرؤ أي دولة كبرى آنذاك على اختراق وسط الجزيرة العربية مباشرة أو غير مباشرة؟
ولذلك فإن الوثائق والمراجع وهي كافية لدى المؤرخين الأكاديميين وليس كما يزعم الأستاذ تقول ان هناك أحداثاً في المنطقة أدت إلى اتصال بريطانيا بالدولة السعودية الأولى مثل التحالف القائم آنذاك بين السعوديين والقواسم الذين قاموا بالجهاد البحري ضد بريطانيا وبعض قوى الساحل الأمر الذي أدى إلى وقوف بريطانيا ضد القواسم والسعوديين مع حذرها من التورط في العداء المباشر مع السعوديين لأن مصالح شركة الهند الشرقية البريطانية في مناطق الساحل لا المناطق الداخلية في جزيرة العرب.
وعلى هذا الأساس أرسلت بريطانيا المستر رينود أحد مساعدي الوكيل البريطاني عام 1214ه/ 1799م إلى الدرعية كرئيس للبعثة الرسمية إلى العاصمة السعودية حيث أجرى محادثات مع الإمام السعودي عبدالعزيز بن محمد تركزت على تأمين سلامة بريد شركة الهند الشرقية البريطانية من البصرة إلى حلب عبر الطريق الصحراوي الذي تقطنه قبائل سعودية.
ولعل الأمر اللافت للنظر في هذا السياق ان الجانب البريطاني كان دائماً هو البادئ في عملية الاتصالات مع الجانب السعودي.. وتكرر ذلك في التاريخ السعودي بمراحله الثلاث.
وقد اتضح الموقف البريطاني من السعوديين إثر سقوط الدرعية حين أرسلت بريطانيا الكابتن فورستر سادلير إلى الدرعية ليهنئ ابراهيم باشا على انتصاره.
وفي سياق علاقات الدولة السعودية الخارجية تشير بعض المصادر إلى أن بعثة فرنسية برئاسة دي لاسكارس وصلت إلى الدرعية في عهد الإمام سعود الكبير 1226 ه/ 1811م وتباحث معه حول قيام علاقات بين البلدين.
كما تذكر الوثائق العثمانية ومنها الوثيقة (رقم 3841 وتاريخ 4 صفر 1213ه الموجودة في خطي همايون بأرشيف مجلس الوزراء العثماني باستانبول) ان الإمام عبدالعزيز بن محمد أرسل مندوباً إلى استانبول محملاً بالهدايا ورسالة إلى السلطان العثماني.
٭ إساءة هيكل لتاريخ الملك عبدالعزيز وأبنائه:
من الإنصاف في حق الأستاذ هيكل أن يشكر له الباحثون موضوعيته ازاء الدور الريادي للملك عبدالعزيز في بلاده من خلال ما سطره في تقديمه لكتاب معالي الشيخ عبدالعزيز التويجري بعنوان (لسراة الليل هتف الصباح) وهو الكتاب الذي حوى عشرات الوثائق المحلية وأجاد والدنا الشيخ التويجري في عرضها وتحليلها سياسياً وتاريخياً.
وهنا نختار مقاطع مما قاله الأستاذ هيكل في تقديمه لهذا الكتاب: رحت أجول ببصري أو بفكري حول الأفق متذكراً وملاحظاً:
1) ان الملك عبدالعزيز آل سعود أسس دولة وأنشأ نظاماً، وتلك مهمة تعهد بها المقادير لرجال لا يتكررون بسهولة، ذلك ان تأسيس الدول وإنشاء النظم يحتاج أول ما يحتاج إلى إرادة تستطيع في لحظة استثنائية أن تحرك التفاعل الكيميائي الخلاق بين الجغرافيا والتاريخ ويفجر طاقة فعل هائلة.
2) يتصل بذلك مباشرة انه في تأسيس الدول وإنشاء النظم فإن مشروعية الفعل تتأتى من ضرورته الطبيعية والإنسانية، ومن لزومه للأمن والعمران في موقع معين من الأرض، وقد كان القلب في شبه الجزيرة العربية في حاجة إلى دولة وإلى نظام بعد قرون طويلة حكم فيها الإهمال وسادت الفوضى، خصوصاً والموقع المعني موطن الأماكن الإسلامية المقدسة، ثم هو الأرض المبسوطة وحولها البحار، وطرق التجارة بين الشرق والغرب، وأمام هذه الخريطة المثقلة بالخطوط والألوان والعلامات فإن مشروعية الفعل الذي قام به الملك عبدالعزيز تكتسب لنفسها أرضية وقاعدة، بل ونوعاً من الحتمية التاريخية.
2) إضافة إلى ذلك فإن شرعية الدول والنظم بعد كل ظروف التأسيس والنشأة تتحقق من استجابتها للدواعي المطلوبة للموقع الذي تقوم فيه وللناس الذين يعيشون على أرضه ومن حوله.. وربما أن جزءاً كبيراً من شرعية الدور الذي قام به الملك عبدالعزيز هو انحيازه التلقائي والفطري في بعض الأحيان لقضايا الأمة، وفي مقدمتها قضية فلسطين.. وهذا الانحياز التلقائي والفطري للملك عبدالعزيز لقضية فلسطين حقيقة تشهد به المواقف والوقائع وتسجله الوثائق الدولية بما لا يترك سبباً لشك.
والحاصل ان الدور الذي قام به الملك عبدالعزيز آل سعود حزمة مربوطة تكاد أن تكون دائرة شبه كاملة محددة بذاتها، واضحة في حدودها ومعالمها، بناء دولة وإقامة نظام - ثم قيادة الدولة والنظام إلى الإقليم والأمة - ثم وضع الدولة والنظام على طريق العصر.
وهنا من حقنا التساؤل لماذا لا يتناغم هذا التحليل الموضوعي للأستاذ هيكل عن الملك عبدالعزيز مع ما قاله الأستاذ نفسه في قناة الجزيرة في يوليو 2005م عن التاريخ السعودي فهل ألقت سياسات قناة الجزيرة بظلالها على فكر الأستاذ وهو أكبر بكثير أن يفعل به ذلك.. أم تغيرت القناعات أم ماذا؟.
ومن شواهد انتفاء الموضوعية في طرح هيكل في الجزيرة ازاء تجربة الملك عبدالعزيز ما يلي:
٭ محاولته الربط التعسفي بين واقع الملكيات الثلاث السائدة (السعودية والهاشمية والخديوية) في علاقتها بصراع الامبراطوريات وفي الجدران الوهمية الحاكمة للحكام.
والواقع ان لكل أسرة مالكة آنذاك فروقاً في مسيرتها لا يجعل تاريخها قابلاً للتحليل في سلة واحدة.. فأسرة محمد علي ارتبط وضعها بعلاقتها العضوية مع الدولة العثمانية وبمقررات مؤتمر لندن 1840م الذي حدد وراثة الحكم لأسرة محمد علي وفي تحجيم وتقليص نفوذ الباشا إلى نقطة الصفر التي بدأ منها في مصر بدلاً من أطماعه في حكم الشام واليونان والسودان والجزيرة العربية.
في حين أن الأشراف آنذاك كانوا ولاة للدولة العثمانية إلى حين قيام الشريف حسين بن علي بثورته ضد العثمانيين في عام 1916م بتحالف مباشر مع بريطانيا.
وكل ذلك يختلف تماماً عن مسيرة الملك عبدالعزيز الذي تتكئ على إرث أسرته الضارب في القدم في قلب الجزيرة العربية، وعلى حاجة بريطانيا إلى استقرار الأوضاع في سواحل الخليج.
فهل تعاملت بريطانيا وغيرها من الدول الكبرى مع السعوديين بنفس السياسات التي اتبعتها مع باشا مصر والأشراف في الحجاز من قبل العثمانيين الجواب لا بالطبع وان كانت تحليلات هيكل تسوقها تعسفاً على قدم المساواة.. وأما إذا كان المقصود أوضاع ما بعد الحرب العالمية الأولى التي انتهت بانهيار الدولة العثمانية واحتلال مصر واستقلال الشريف الحسين وابنائه فإن ذلك لا يقتضي أيضاً ربط مصير هذه الكيانات السياسية الجديدة بأحداث وسياقات التاريخ السعودي.
٭ فمثلاً مقولة الجدران الوهمية الحاكمة للحكام التي أطلقها هيكل في برنامجه وهي أن كل واحد من هؤلاء الملوك كان شايف نفسه بشكل، وان كل واحد طامع يحل محل الخلافة ويقصد «الملك فؤاد والملك الحسين بن علي والملك عبدالعزيز» وقوله (... الملك عبدالعزيز عنده حاجة غريبة قوى يشرحها الكاتب العظيم اللبناني أمين الريحاني لما راح.. لما كتب كتابه ملوك العرب وراح شاف كل الملوك، الملك عبدالعزيز وهو بيكلمه قال له ايه؟ انت عاوز الخلافة؟ قال له نحن لا نطلبها لكن يسعوا إلينا فنقبلها وحتى فيه أمين الريحاني لفت نظره انه الملك عبدالعزيز قبل ما يتكلم يقول حنا العرب فهو كان بيقول والله اخوانا الهاشميين دول في الحجاز دول اتراك ولا لهم دعوة بالعرب نصفهم اتراك ملهمش دعوة بالعرب، الملك فؤاد على عيني وراسي وفوق تاجنا وراسنا وكل اللي انتووا عاوزينه لكنه ألباني وتركي..).
وأقول أولاً قد رجعت إلى كتاب ملوك العرب للريحاني فلم أجد فيه البتة كل ما قاله الأستاذ بل على العكس من ذلك أشار الريحاني في كتابه الآخر (تاريخ نجد الحديث وسيرة عبدالعزيز آل سعود) ص230 إلى قول الملك عبدالعزيز (لا طمع لي بالخلافة وإني لا أرى من هو أجدر بها من الشريف حسين).
نعم كان الملك عبدالعزيز يعلم ان الخلافة قد حوربت في عاصمتها استانبول بيد أبنائها ومؤازرة أعدائها الأوروبيين وان الحرب العالمية الأولى قد أجهزت عليها.. فأنى لملك عربي أن يطلبها أو يتبناها آنذاك.
وأما الجدران الأربعة (حوالين كل واحد فيهم) أي الملوك الثلاثة فؤاد والحسين وعبدالعزيز وهي بزعمه (القوة الأجنبية) و(مشكلة مع شعبه) و(المشكلة مع الزعماء المتنافسين) و(الخلافات بين الحاكم وأبنائه).
فأقول رداً على هيكل ما قاله المؤرخ الأديب أمين الريحاني في كتابه ملوك العرب ص 927: (رعية الملك حسين تطيعه وتخافه، ورعية ابن سعود تطيعه وتحبه، ورعية الإمام يحيى تطيعه دون حب ودون خوف، ورعية الملك فيصل في العراق لا تخاف ولا تطيع إلا مكرهة).
وعندما زعم هيكل خلاف الملك فؤاد مع فروع عائلته وخلاف الشريف مع أبنائه.. ابتكر طريقة فجة للاستدلال بوثيقة انتزعها من كتاب الشيخ التويجري المذكور آنفاً دون الإشارة إلى ذلك وإنما حاول التدليس بأنها ضمن مجموعاته الوثائقية الخاصة.. واستدل بهذه الوثيقة على وجود خلاف بين الملك عبدالعزيز وأبنائه وراح يدندن بخلاف نص الوثيقة وروحها الايجابية التي توحي بدلالات ايجابية بعكس ما يقوله الأستاذ.
وأسوق إلى القارئ الكريم نص الوثيقة وتعليق الشيخ التويجري عليها وجواب الأبناء البررة لأبيهم المعلم المربي:
(من عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل إلى الأبناء سعود وفيصل ومحمد وخالد سلمهم الله تعالى بعد ذلك من طرف أربعة هالامور التي سأذكرها لكم ادنى وهي:
أولا: تكونوا يدا واحدة فيما بينكم صغيركم يوقر ويمتثل امر كبيركم.
وكبيركم يعطف على صغيركم، كما أن الصغير إذا رأى أمرا ما يجوز من الكبير أن يبين له ذلك ويقول الأمر هذا لا يجوز منك، وعلى الكبير الاصغاء لأخيه الصغير كما هو لازم عليه مناصحة أخيه الصغير.
ثانيا: ان كل شيء آمر به او تدبيرا ادبره تنفذوه ولا تعترضوا من وكلت أمره.
ثالثاً: كل ما سألتكم عنه أو لزم لكم رفعه إلى تصدقونني فيه باي حال تكون.
رابعا: ان لا تعترضوا أمور ماليتي، ولا قريبها ولا بعيدها، في قليل ولا كثير.
هذه الأمور افهموها واحرصوا على تنفيذ موجبها وكل شيء يصير منكم مخالفا لشيء منها أجزموا انه سيكون سببا لسخطي عليكم يكون ذلك معلوما).
20 ربيع الآخر 1349ه (1930م).
تعليق الشيخ التويجري:
هذه الرسالة كتبها الملك عبدالعزيز لأكبر أولاده سنا في ذلك الوقت، ماذا تدل عليه وتشير اليه؟ انها رسالة عليها هيبة الأب ورجل الدولة، وفيها وعيه الحكيم لما ينتج عن تدخل الولد في شؤون الدولة بسلطان أبيه.
(1) إنه بهذه الرسالة يضع لهم حدا ويقيهم شر التنافس او القطيعة، للصغير حقه مثلما للكبير حقه في أدب العائلة، وقد وضعهم في دائرة من هذا الأدب لم يخرجوا منها حتى الآن.
(2) يحذرهم ألا يتجاوزوا على أمر يصدر منه، وينفذوه، وكذا لا يتدخلوا فيما يصدر عنه نحو الآخرين.
(3) عدم الكذب عليه والا.
(4) المالية التي هي قوام الدولة نراه يحذرهم من التدخل فيها، والرسالة أوسع من كل التصورات، ولكنها اشارة إلى حماية الدولة من التسيب الذي يسببه الأولاد والحاشية.
جواب أبناء عبدالعزيز لوالدهم:
(أدام الله وجودكم
بعد لثم أياديكم الشريفة كل ما ذكره جلالتكم اعلاه عن الأربعة الأمور فهمها مملوكينكم وان شاء الله نعمل حسب ما جاء بها وترون ما يسركم ويرضيكم بحول الله وقوته).
ألا ينزعج المتابع العربي من قلب الايجابيات الى سلبيات في منطق هيكل وتحليلاته؟
وأخيرا اعرض للقارئ آخر فرية لهيكل بحق الملك عبدالعزيز في برنامجه عبر الجزيرة حين قال: «لكن الملك عبدالعزيز من الأول خالص كانت طلباته هي طلب الفلوس كل شوية بيطلب ذهب عايز مائة ألف روبية عايز سلاح.. الملك عبدالعزيز بتروح له الفلوس داخل سحارات..)
لماذا يخرج هيكل بالحدث من سياقه التاريخي ويجعل الموضوع مجرد استجداء المال من الانجليز.. ان مؤرخي تلك المرحلة ومنهم الريحاني والزركلي وفيلبي يؤكدون ان الانجليز كانوا يأبون ان يكون لسواهم من الأوروبيين والامريكان يد في المنطقة وهم في سواحل الخليج العربي لا يطمئنون كل الاطمئنان رغم ما عقدوه من المعاهدات مع أمراء العرب ولولا ابن سعود لما أمنوا التعديات البرية والبحرية..) انظر: الريحاني، ملوك العرب ص 549.
ويشير الزركلي في كتابه شبه الجزيرة في عهد الملك عبدالعزيز ص 287 أنه خلال المحادثات بين عبدالعزيز والحكومة البريطانية قبيل الحرب العالمية الأولى وصل إلى الرياض في مارس 1914 مندوب فرنسي عرض على عبدالعزيز مساعدة مالية سنوية كبيرة من الحكومة الفرنسية إذا قام بتأمين حرية التجارة بالأسلحة في العقير أو القطيف.. فلما علمت بريطانيا بذلك عرضت على عبدالعزيز خمسين ألف ليرة سنويا وتسليمه ما يحتاج من سلاح.
وقال فلبي فكان من نتيجة الاتصالات بين برسي كوكس وعبدالعزيز في عام 1915م الاتفاق أن يصرف لعبدالعزيز مبلغ خمسة آلاف جنيه في كل شهر وبعض السلاح ليحفظ الأمن في بلاده منعا لعرقلة المواصلات البريطانية في الخليج.
إذن أين منطق المصالح المشتركة والتفاعل المحلي مع القوى الكبرى في المنطقة والتفاوض وفق مقتضيات المرحلة؟ لماذا لم يقم الاستاذ هيكل بتحليل طروحاته وفق هذه المعايير؟
أم أن هيكل لا زال يحمل عقدة «البروليتاريا» ضد الملكيات (الرجعية) بمنطق الستينات البائد.
٭ أستاذ التاريخ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.