«لا نريد للمنطقة العربية النموذج الأوروبي بحجة طروحات فصل الدين عن الدولة، ولا نريد ثورات بمفهومها الكلاسيكي أو انقلابات دموية... جامعة الدول العربية أنشئت لرعاية التداول السلمي، والتغيير حتمي في المنطقة، ولكن بواسطة آليات المجتمع». بهذه العبارات يتناول الوزير العماني المسؤول عن الشؤون الخارجية يوسف بن علوي بن عبدالله، واقع المنطقة في ظل الثورات والانتفاضات، وآفاق «الربيع العربي». ويؤكد ل «الحياة» أن المخاوف مما يُطرح حول «نظرية المؤامرة» وتأهب واشنطن ل «تسليم المنطقة» إلى حكومات إسلامية، مبالغ فيها، بل «ليس لها وجود في روحيات العرب المسلمين». ويشير إلى أن العالم الإسلامي تعايش مع «القومية العربية والناصرية والبعث والشيوعية والاشتراكية... والآن يتحدثون عن الجماعات الإسلامية». ويرى أن «الجماعات الإسلامية التي تريد حصر أهدافها وجهودها في زاوية واحدة من عالمية الدعوة الإسلامية ستنتهي، فيما روحية الإسلام باقية، وهذا أمر إلهي». ويعتبر بن علوي أن «التجديد مطلوب دائماً»، وينوه بوجود «مجتهدين بين المسلمين العرب، فلا يمكن أن نبقى في جمود، لأن الإسلام هو روح الأمة». واستبعد نجاح طروحات فصل الدين عن الدولة، والتي تقدمت بين اهتمامات النقاشات نتيجة التحولات الضخمة التي تفرضها الثورات والانتفاضات، وفي ظل انعدام التجانس الديني في بعض المجتمعات العربية التي تحتضن فسيفساء «أقليات». وشدد الوزير العُماني على أن «الدولة هي الأمة، فهل يستطيع أحد أن ينتزع الدين من روح الأمة؟... في أوروبا بدأوا بفصل الدين عن الدولة ولهم أسبابهم، ثم انتهوا بالعلمانية. فلننظر إلى أحوالهم اليوم والمشكلات التي يعانون منها». آفاق الربيع ماذا عن آفاق «الربيع العربي» يجيب بن علوي: «هناك ديناميكية للطموح عند العرب، والمهم هو كيف نستطيع أن نبني كياناً جديداً أو نظاماً جديداً، يستجيب ما لم يُستجب له في الماضي. يجب أن تتاح للشعوب والشباب خصوصاً، كل الوسائل كي يطوروا أنفسهم في كل وسائل الحياة... الإنتاج، الصناعة والزراعة. والأمر يحتاج الى خطة متدرجة (للتغيير)، فليس صحيحاً أن المشكلات في أي بلد عربي ستختفي بمجرد تغيير النظام أو إصدار قوانين جديدة». وأعطى مثلاً سلطنة عُمان، حيث «سيتقدم جيل ما زال يتابع التحصيل العلمي في المدارس، وإذا أحسنا اختيار المناهج التي يدرسها، سيكون له مستقبل واعد». ونبّه إلى أن التطور أو التغيير ليس مرتبطاً بشخص بل بمسيرة الأمة، معتبراً أن «تراكم المشكلات في النظام العربي» أدى الى ما تشهده المنطقة اليوم. ولكن، هل يمكن التغيير سلماً في دول عربية إذا استعصت أحوالها، كما حصل في ليبيا، ولم يستجب الحاكم للمطالب. يقرّ بن علوي بأن «تضحيات جسيمة» ستصبح واقعاً. وإذ يقلل من وقع مشاهد تخريب رافقت احتجاجات في صُحار وظفار خلال شباط (فبراير) الماضي، يشدد على أن قوى الأمن العمانية «لم تتصدّ لأحد، ولم يكن هناك عنف متبادل» مع المحتجين الذين طالبوا بفرص عمل وبرفع الأجور. ويرى أن الحكومة «تفهمت مبررات الاحتجاجات وتجاوبت»، مقرّاً بأن إيجاد فرص عمل للشباب العماني «كان من المسائل الأساسية جداً، وكان لدى الحكومة مخطط لاستيعاب كل الشباب، وهناك المشاريع الضخمة التي أنفِقت عليها مبالغ هائلة لتأمين وظائف، لكن هذه كان مقدراً أن ترافقها مرحلة الصناعات التحويلية التي تستوعب العدد الأكبر (من الموظفين والعمال)، وظروف المنطقة حرّكت الأوضاع. الحكومة اتخذت إجراءات لتخطي مواعيد تنفيذ مشاريع. الاحتجاجات إذاً سرّعت الوتيرة، لاستجابة المطالب. يقول بن علوي أن «مشاريع الصناعات التحويلية التي تستوعب جميع الخريجين كان مخططاً لها بدء التنفيذ بعد سنة أو اثنتين». وإذ يبدي تفاؤلاً بتفعيل دور مجلس عُمان (يضم مجلسي الشورى والدولة)، عبر توسيع صلاحياته في الرقابة والتشريع، يعتبر أن الحوار الذي يتناول الآن نظام التعليم هو بداية «حوار مفتوح بين كل شرائح المجتمع». تعديل النظام الأساسي وزير الإعلام العماني حمد بن محمد الراشدي يذكّر بتمسك السلطنة بنهج التدرج في «مسيرة النهضة» وهو «مناقض لأسلوب القفز الذي يبقى غير مضمون» العواقب. ولكن، هل جاء تعديل إيقاع التدرج بالإصلاح واستكمال مؤسسات «الدولة العصرية» تحت ضغط الاحتجاجات؟ يقول الراشدي ل «الحياة» إن تعديل النظام الأساسي للدولة جاء «استكمالاً وامتداداً للمرحلة السابقة، كما تندرج في هذا السياق التنظيمات الجديدة المتعلقة بالجهاز الإداري للدولة». ويضيف أن «مطالبات المواطنين وبعض المظاهر، لا ننظر إليها بوصفها سلبية، ولو شابتها بعض الشوائب». ويصر على أن التخريب الذي واكب احتجاجات في شباط «كان محدوداً جداً ولساعات، ومن أقدموا على التخريب أحيلوا على القضاء». وهل يرى أصابع خارجية في ما حصل. يجيب الراشدي: «ليس من سياستنا أن نرحّل مشاكلنا إلى الآخرين، بل نسعى إلى معالجتها واحتوائها. هذه السنة تم توفير أكثر من سبعين ألف وظيفة في قطاعات عدة». ويشير إلى أن «بعض الفئات كان يطالب بتحسينات في الأوضاع المعيشية، وهذا يحصل في أي مكان في العالم». وماذا عن حجم مشكلة الفساد التي كانت واحداً من شعارات الاحتجاج، وأدت إلى استبدال وجوه في جهاز الدولة؟ يقول وزير الإعلام: «ثبت أن هناك تصرفات خارجة عن القانون، واتخذت إجراءات بحق أشخاص في مواقع المسؤولية، وهذا ما ينبغي أن يكون، شرط ألا تؤخذ المسألة بالإشاعات والظنون». ونبّه إلى أن الرقابة المالية الإدارية باتت بمثابة جهاز الادعاء العام. ويتفق الراشدي وبن علوي على أولوية الحوار في الداخل، ويشدد الأول على معادلة قبول الرأي الآخر لإنجاح أي حوار، بعيداً من احتكار حرية التعبير.