الهواء داخل قاعات الجزء المخصص لحزب العدالة والتنمية الحاكم وأروقته في البرلمان التركي، مفعم هذه الأيام بأجواء النشوة والتحدي والثقة مع تأكد جميع أعضاء الحزب من أن زعيمهم رجب طيب أردوغان سيعلن ترشحه رسمياً لرئاسة الجمهورية الثلثاء المقبل. ومع أن وصول أردوغان إلى الرئاسة يستوجب انفصاله عن حزبه وحياده سياسياً وفق الدستور الحالي، لكن أردوغان ونواب حزبه لا يرون أن ذلك سيكون مطلوباً مع انتخاب الشعب للمرة الأولى الرئيس بالاقتراع المباشر، وأن ما سيحصل سيكون إخضاع مؤسسة الرئاسة، بعد مؤسسات سبقتها على هذا الطريق، الى حكم الحزب وهو ما عبّر عنه أردوغان قائلاً «إرادة الشعب ستنصهر مع إرادة الدولة لتصبحا شيئاً واحداً مع الرئيس الجديد الذي لن يكون رئيساً بروتوكولياً». وهو نفى بذلك صفة الحياد السياسي عن المنصب الذي سيجري الاقتراع عليه في دورة أولى في 10 آب (أغسطس) المقبل، مؤكداً عزمه على تحويل تركيا الى نظام رئاسي، سواء من خلال تغيير الدستور أو من خلال أمر واقع بفعل علاقته التي لن تنقطع مع الحزب المتفرد بالسلطة، وإن في شكل غير رسمي. وفي مقابل أجواء الفرح المبكر بهذا الكسب السياسي الكبير، فإن هناك أصواتاً لا تبدو راضية عن هذه الصيغة «الاحتكارية» لمستقبل الحزب، خصوصاً أن أردوغان تفرّد أيضاً بتسمية خليفة له في زعامة الحزب (لم يعلن اسمه بعد) يرجَّح ألاّ يكون من القيادات المؤسسة القديمة، وهو ما يثير غضب هؤلاء وشعورهم بالظلم. فالتصفيق الحاد الذي واكب دخول وزير الخارجية أحمد داود أوغلو، قاعة اجتماعات الحزب في البرلمان الثلثاء الماضي، كشف انتشار تسريبات تفيد بأن أردوغان اختاره لرئاسة الوزراء وزعامة الحزب من بعده، وفق سيناريو يقول ان أردوغان قرر الاستمرار في سياساته الداعمة للإسلام السياسي في تركيا والمنطقة، والهادفة، وفق تعبيره، الى تنشئة جيل جديد مؤمن ومتدين في تركيا، تاركاً خلف ظهره دعوات إلى اعادة النظر أو المراجعة... وأن أردوغان سيعتمد في تنفيذ هذا الهدف على رجاله الذين يثق بهم من مستشاريه ووزير خارجيته وكذلك رئيس جهاز الاستخبارات، هاكان فيدان الذي بات اسمه مطروحاً لتولي حقيبة الخارجية. هذه الرؤية تنسجم مع توبيخ أردوغان قادة حزبه في خطابه الأخير قائلاً إن «حزب العدالة والتنمية صاحب قضية ورسالة، لذا من الخطأ الدخول في منافسة على زعامته منذ الآن. ليس المهم مَنْ هو الزعيم وإنما الاتحاد مع الرئيس من أجل إكمال المشوار». وهذه إشارة واضحة الى أن اختيار أردوغان لن يعجب قيادات الحزب التي أبدت تململها إزاء اسم داود أوغلو الذي يُعتبر حديث عهد داخل الحزب. تلك المشاعر دفعت قيادات مثل بولنت أرينش وبشير أطالاي ومحمد علي شاهين إلى التلويح بضرورة عودة عبدالله غل لقيادة الحزب، وإعادة النظر في سياساته. وفي كواليس الحزب يدور حديث عن نية أردوغان تصفية جميع القادة القدامى خلال الانتخابات البرلمانية المرتقبة العام المقبل، لأنهم لم يقفوا معه وقفة قوية، كما يرى، في أزمة اتهامات بالفساد طاولته مع عدد من افراد عائلته ووزرائه. ويطرح الأمر تساؤلات عن نتيجة إبقاء عدد كبير من مؤسسي الحزب على الهامش مع عبدالله غل العام المقبل، وانعكاس ذلك على سمعة «العدالة والتنمية» وأدائه واحتمالات بدء حركة انشقاق داخله. في المقابل يتحدث نواب عن احتمال اعلان أردوغان اسماً مفاجئاً يخلفه في الحزب مثل النائب نعمان كورطولمش، أو وزير الاتصالات السابق بن علي يلدرم، الملقب بكاتم اسرار أردوغان، باعتبار أن الأخير سيحتاج الى أمين سر ينفذ له سياساته الداخلية والمالية بصمت وثقة. وعلى رغم التحديات السياسية في سورية والعراق وانعكاساتها على مستقبل تركيا، والملف الكردي الذي يدخل منعطفاً خطيراً في تركيا، يبدو «حزب العدالة والتنمية» واثقاً بنجاح زعيمه في الانتقال الى القصر الجمهوري، ونقل الحزب معه الى درجة أعلى من القوة والتفرد.