ربما آن الأوان كي ينزع الشيخ عنه رداء العناد، ويترك صاغراً تحديه لمسيرة التغيير والتحديث التي تعصف بتركيا، من دون ان تستثني تيار الاسلام السياسي فيها. كان هذا الانطباع السائد لدى جميع المراقبين، بعدما تلقى رئيس الوزراء التركي السابق الإسلامي نجم الدين أربكان مجدداً ضربة موجعة من أقرب المقربين إليه، اذ خرج تلميذه الجديد زعيم «حزب السعادة» الاسلامي نعمان كورطولمش عن وصايته وقاد انقلاباً في الحزب أدى الى تصفية جميع رجال أربكان المحيطين به، واستبدلهم برجال مخلصين له معلناً بدء حقبة جديدة في الحزب الذي أسسه ورعاه أربكان وحكمه في الظل، على أمل أن يتحدى به «حزب العدالة والتنمية» الحاكم الذي اسسه رجب طيب أردوغان وعبد الله غل عام 2000 بعد انشقاقهما عن أربكان اثر خلاف معه حول توجهاته وسياساته وإصراره على السيطرة على مجريات الامور من منزله. وحضر اربكان الذي يمنعه حكم قضائي من العمل السياسي مدى الحياة، افتتاح مؤتمر «حزب السعادة» الاحد، على رغم مرضه وتقدمه في السن (84 سنة)، وألقى كلمة أكد فيها أن الحزب يتجه الى حكم تركيا قريباً، مكرراً عادته القديمة بتلقين جميع الحضور قسم الولاء للحزب وأصابع الابهام مرفوعة تشهد عليهم. لكن نعمان كورطولمش الذي جاء أربكان به من الحرم الجامعي والساحة الاكاديمية، فاجأه بترشيح لائحة جديدة لمجلس قيادة الحزب، ما اثار بلبلة وعراكاً امتد الى المنصة، في محاولة مستميتة للدفاع عن لائحة الاسماء التي رشحها أربكان. لكن بعد ثلاث جولات تصويت فاز نعمان بولاية جديدة في زعامة الحزب، إثر تخلّصه من جميع الحرس القديم. وبذلك يكون التاريخ كرّر نفسه، مذكراً بمحاولة الانقلاب التي قادها اردوغان وغل وبولنت ارينش ضد اربكان ومرشحه لزعامة «حزب الفضيلة» رجائي كوطان عام 1999، والتي انتهت بانشقاق الثلاثة ليشكلوا «حزب العدالة والتنمية»، اذ اعتبرهم أربكان خونة وعملاء للغرب ودعاهم مرات عدة الى التوبة والعودة الى صفوف الحزب. ونجح نعمان كورطولمش خلال السنوات الاربع الماضية التي تولى فيها زعامة «حزب السعادة»، في رفع شعبيته من 1 الى 3.5 في المئة، وقد يزيدها الى 5 في المئة في الانتخابات الاشتراعية المقبلة، وهذه أصوات يستنزفها من الحزب الحاكم، ما دفع أوساطاً داخل «حزب العدالة والتنمية» الى المطالبة بالتحالف مع «حزب السعادة» بعد إبعاد أربكان، تمهيداً ربما لانضمامه الى الحزب الحاكم، خصوصاً أن سيناريوات تحديد وريث لاردوغان في الحزب إذا انتُخب رئيساً للجمهورية عام 2014، تشير الى احتمال إعراض غل عن العودة الى الساحة السياسية بعد الفترة التي قضاها في الرئاسة. ومع وجود تيار لا يرغب في رؤية وزير الخارجية احمد داود أوغلو زعيماً للحزب الحاكم ووريثاً لاردوغان، يفضّل هذا التيار شخصاً مثل كورطولمش زعيماً، خصوصاً أنه يشبه اردوغان من ناحية الكاريزما وانخراطه في صفوف الشعب.