تصدّرت الأنباء الشراكة الاستراتيجية التي أُعلنت أخيراً بين شركة «أرامكو السعودية»، عملاق صناعة النفط في العالم، وشركة «داو» الأميركية، عملاق صناعة البتروكيماويات في العالم. وسيؤدي الاتفاق إلى بناء أكبر مجمع لإنتاج البتروكيماويات في العالم بعد خمس سنين، وبرأس مال يساوي 20 بليون دولار تقريباً، موزعاً مناصفة بين من الطرفين. تمثّل هذه الشراكة نقلة نوعية لكل من الشريكين، فهي تنطوي على توجه جديد في تنويع مصادر الدخل في السعودية وفي بناء الطاقة البشرية وتطويرها وتشغيلها، بما يشمل آلاف الأشخاص على صعيد اليد العاملة المباشرة وغير المباشرة. وستؤثّر هذه الشراكة مباشرة في تنمية المملكة خصوصاً والخليج عموماً، وستفتح آفاقاً لصناعات متطورة وتقنيات جديدة في المنطقة العربية في الأجل البعيد. وستستفيد «داو» من أنها ستكون شريكاً استراتيجياً لأبرز دولة نفطية في العالم ومن أنها ستكون في الوقت ذاته في موقع استراتيجي فريد لقرب المملكة من الأسواق الآسيوية الناشئة والواعدة في كل من الصين والهند وكوريا الجنوبية وإندونيسيا. وستقدم «داو» مساعدة جلّى، خصوصاً في مجال تسويق المنتجات البلاستيكية والمواد المختصة والمواد البتروكيماوية الأخرى. وستتدفق عليها مبالغ مالية كبيرة وعائدات مجزية. وهذا جزء من استراتيجيتها في الأجل البعيد التي تنص على التوسع في الشراكات العالمية. ويُتوقع أن يبدأ المجمّع العملاق الإنتاج الكامل عام 2016. وسيحتوي المجمع، الأكبر من نوعه في العالم، 26 وحدة إنتاج لمواد بتروكيماوية مختلفة، ما سيجعله فريداً في العالم على صعيد التنوع في الإنتاج. وسيكون التركيز على إنتاج مواد مختصة، خصوصاً في المجال الطبي، ستحقق قيمة مالية مضافة، مقارنة ببقية المنتجات البتروكيماوية. وهذا أحد أهم عناصر المنافسة لتوجهات «داو» المتميزة بامتلاكها تقنيات مختصة ودقيقة لا يمكن أحداً أن ينافسها في الأجل القريب، ويُتوقع أن تحقق عائدات مالية عالية. وتتخلص الشركة في الوقت ذاته من تقنيات لا تحقق عائدات مالية كبيرة وتتركها لشركات أخرى في دول آسيوية نامية. وهكذا تبحث «داو» دائماً عن تقنيات وأسواق مختصة تكون المنافسة فيها ضعيفة، وهذه هي بالطبع أمنية كل الشركات التجارية العالمية. وستتولى شركة «صدارة» السعودية للبتروكيماويات أعمال الشراكة الاستراتيجية الجديدة وستملك فيها «أرامكو السعودية» نسبة 65 في المئة و «داو» 35 في المئة، فيما ستكون النسبة المتبقية البالغة 30 في المئة مخصصة للاكتتاب العام. ويُتوقع أن تكون لكل من «صدارة» و «سابك» صناعتها البتروكيماوية الخاصة بها بما سيمنع المنافسة المباشرة، وسيكون التركيز على قطاعات بتروكيماوية مختلفة لكل منهما، منعاً للتكرار وتعزيزاً لتنمية فرص التخصص بما يحقق الهدف المنشود على صعيد الأرباح والعائدات على رأس المال والمساهمين. ومثلما تركز «داو» على لب صناعتها، تركز «أرامكو السعودية» على زيادة إنتاج النفط الخام وموجوداتها النفطية منعاً لأي نقص في الأسواق العالمية. وبدأت أخيراً التركيز على قطاع التكرير وزيادة الطاقة التكريرية والشراكات مع شركات نفطية عالمية مثل «إكسون موبيل» و «شل» و «توتال». وفي هذه الشراكات منافسة للشركات النفطية العالمية التي انخرطت في قطاع البتروكيماويات قبل زمن بعيد، وفرصة ل «أرامكو السعودية» كي تكون شركة نفطية عملاقة متكاملة على صعد الإنتاج والتكرير والتسويق والنقل البحري والبتروكيماويات. في النهاية هو «لقاء السحاب» بين قمتين كل منهما عملاق في صناعته المختصة، يرغب في أن ينمو في تخصصه ويريد أن يتطور، وأن يستفيد من خبراته وكذلك من خبرات متميزة أخرى من ضمن شراكات مع شركات تشاطره رؤى وأرضيات مشتركة. «داو» تريد مزيداً من النمو لكن بمساعدة شريك قوي يمدّها بالمواد الأولوية، و «أرامكو السعودية» تريد أن تنمو وتتوسع في مجال آخر ومع شريك قوي لديه ما يكفي من الخبرات وذلك في أقصر وقت ممكن. والنتيجة هي هذه الشراكة العالمية والمنافع المرجوة للقطاعيين، النفط والبتروكيماويات، وللعملاقيين، «أرامكو السعودية» و «داو». * كاتب مختص في شؤون الطاقة - الكويت