عندما يحتاج أحدنا مراجعة إحدى الإدارات الحكومية ذات العلاقة المباشرة مع الجمهور، فأول ما يتبادر إلى ذهنه كم من الوقت يحتاج لإنهاء موضوعه في تلك الإدارة؟ الإجابة عن هذا السؤال تتوقف على الموظف الذي سيكون لديه هذا الموضوع، فإن كان الموظف من الفئة التي تطبق مقولة يسروا ولا تعسروا فسينتهي موضوعه بأسرع مما توقع، وسيتكون لديه انطباع جيد عن الإدارة، أما إن كان من فئة «راجعنا بكره» فسيطول الموضوع ولن ينتهي، وقد يصرف النظر عن مراجعة تلك الإدارة بالطرق النظامية، وتبدأ رحلة البحث عن «الواسطة» التي أصبحت شبه ظاهرة، بمباركة مثل هذا الموظف وأشكاله، رغم أنه من المفترض ألا نلجأ اليها، وهنا سيتكون لدى المراجع انطباع سيئ عن تلك الإدارة، مثل هؤلاء الموظفين، وإن كانوا قلة موجودين، فأنت عندما تراجعه تقف أمامه وتبتسم، وتقول له السلام عليكم، فيقابلك بعبوس قاتم، أعاذنا الله وإياكم منه، ودون ان يرد السلام يبادرك القول «وش عندك»؟ تبلع ريقك وأنت تموج من الغيظ وتحاول ان تكون طبيعياً وإلا لن ينتهي موضوعك، تسلم له أوراقك، ينتزعها منك بيده وهو يتحدث مع زميله الذي بجانبه او عبر الهاتف ويؤشر لك بيده أن تراجع غداً. تحاول ان تتفاهم معه أن الموضوع لا يستغرق أكثر من دقائق، ومن الممكن ان ينجز الآن، وتقدم له بعض الأعذار لعل وعسى ان ينهي موضوعك، يثور عليك ويرعد ويزبد، وهل انت الذي تعلمه عمله، واذا لم تنصع لأوامره سيؤجل موعدك لأسبوع، تقبل بالأمر الواقع خوفاً من تأجيل موضوعك وتنسحب من أمامه، بعد ان تبتعد عنه وتضمن أنه لا يسمعك، تبدأ بالتمتمة بكلمات داخل نفسك تخفيها عنه وتفرج بها غضبك. تعود له في اليوم التالي وتقف أمامه ويبادرك بالسؤال نفسه «وش عندك»، لأنه لا يتذكرك، رغم ما حصل بينك وبينه في اليوم السابق، فذلك يحصل له مع الكثير من المراجعين، تعطيه ورقة المراجعة ويؤشر لك بالجلوس والانتظار، تجلس في مكان الانتظار ويطول انتظارك، وبعد ان ينهي وجبة الفطور التي أحضرها مع زملائه ومعها «التميس»، وينهي بعض المكالمات التليفونية يتذكرك، ويبدأ بالبحث عن معاملتك وأنت تراقب حركاته وسكناته وتفز إليه مع كل إشارة منه، حتى وإن لم تكن المقصود بها، وبعد طول انتظار يلوح لك بيده، لا شلت، وتهب اليه وأنت تقول جاء الفرج، يناولك معاملتك دون أن يتخذ عليها أي إجراء، ويطلب منك إكمال النواقص. تنظر إليه مستغرباً، تحاول سؤاله لماذا لم يتفقد المعاملة عندما تسلمها في اليوم السابق ويشعرك بالنواقص في حينه؟ يشيح وجهه عنك دون ان يجيبك، فأنت آخر اهتماماته، ويتشاغل ببعض الأوراق، وإن كان الذي بينك وبينه شباك فسيقفله، تنصرف من أمامه وأنت تقول «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ألا يوجد لمثل هذا الموظف مسؤول يقوِّمه؟ تبدأ رحلتك مع «الواسطة» التي بدأت تظهر لدينا بمباركة مثل هذا الموظف وأشكاله، تجد من يتوسط لك بهذه الادارة ولدى الموظف نفسه، وينتهي موضوعك في اليوم نفسه دون إكمال المطلوب. فمن المسؤول عن مثل هذا الموظف؟ ومن المسؤول عن ما تسبب به هذا الموظف من تعطيل لهذا المواطن؟ لماذا لا يتم انتقاء موظفي الادارات ذات العلاقة بالجمهور بعناية؟ أين دور الجهات الرقابية في متابعة مثل هذا الموظف؟ لماذا دور المراجع لدينا سلبي في الإبلاغ عن مثل هؤلاء لمسؤول الادارة أو للجهات الرقابية؟ أين تكون المسؤولية في مثل تلك الحالة؟ [email protected]