أنشئ الفوج المؤلل ال179 في نانكين عام 1937، أي أثناء الحرب الأهلية (1927 - 1950). وقاتل الفوج اليابانيين (1937 – 1945)، وساند نظام بيونغ يانغ الشيوعي في الحرب بين الكوريتين (1950 - 1953). وورث الفوج من هذا التاريخ العاصف لقب «فوج المشاة المجيد». ورفعه تاريخه إلى مرتبة واجهة الجيش الصيني، ونصّبه مثالاً وقدوة حين تدعى الوفود الأجنبية، باسم «الشفافية»، إلى مشاهدة فصول من التدريبات والإعداد العسكري. وعلى رغم إبهاره، ليس التمرين الذي دُعينا إلى مشاهدته، وتضمن تسلق المقاتلين جدران مبنى بواسطة قصبة بامبو، إلا صورة تقريبية عن تعاظم قوة جيش التحرير الشعبي الصيني. ولا ريب في أن «الطفرة العظيمة»، التي يدعو الجنرال كيان ليهووا إلى إنجازها، ويتناول تفاصيلها في مكتبه بوزارة الدفاع وقبالته لوحة كبيرة للسور العظيم، أنجز شطر منها لا بأس به. فالحزب الشيوعي الصيني يجند في قواته 1,3 مليون رجل، وينفق عليهم 60 بليون دولار، رسمياً. والمبلغ قليل قياساً إلى 600 بليون دولار تنفقها الولاياتالمتحدة على جهازها الحربي. لكن الموازنة العسكرية الصينية لم تنفك، منذ 20 سنة، تتعاظم. وبلغت زيادتها، في 2001، 12,7 في المئة. الصين تطرق أبواب الابتكار والتجديد الحربيين كلها، ولا تستثني باباً واحداً. وفي آب (أغسطس) المنصرم أنزلت إلى الماء حاملة طائراتها الأولى. وهي سفينة أوكرانية جددتها، وزعمت في وقت أول أنها تنوي تحويلها كازينو. وفي كانون الثاني (يناير) 2007 قصفت قمراً اصطناعياً على 250 كلم في الفضاء، فأثبتت التقدم الذي أحرزته في مضمار الصناعة الفضائية. وأرفقت برهانها هذا بتجارب تحليق طائرة «جي 20»، وهي من الجيل الخامس من طائرات الاعتراض والمطاردة. ويردّ الناطق باسم وزارة الخارجية الصينية، جينغ يانشينغ، على مخاوف الغربيين الذين وصفوا تحليق طائرة ال «جي 20» بامتحان القوة، بالقول: «على جيوشنا اللحاق بركب تقدم الصين الاقتصادي والسكاني. وعلى قوة البلد أن تترجم على الصعيد العسكري وأن نبلغ مستوى الدول الكبيرة المتقدمة». وترى الصين أن تعاظم قوة الجيوش الأربعة - البري والبحري والجوي والنووي - هو مسألة مكانة، وذريعة للاضطلاع بدورها الدولي ومسؤولياتها عضواً دائماً في مجلس الأمن. وخرجت العقيدة العسكرية الصينية، في السنوات الأخيرة، من مسرح البحار القريبة. وهي على سبيل المثل، تشترك في مكافحة القرصنة في خليج عدن. وتولت بكين، لأول مرة في التاريخ الحديث، إجلاء رعاياها من ليبيا إبان الحرب، ولم توسط الغربيين أو تطلب مساعدتهم. وتتولى القوة العسكرية الصينية المتعاظمة «حماية المصالح الصينية»، و «السهر على تماسك»، البلد المترامي الأطراف والحدود التي يبلغ طولها 22 ألف كلم. ويبلغ طول الشاطئ الصيني 18 ألف كلم. ويلخص جينغ يانشينغ الحال بالقول: «تدعونا الحركات الانفصالية إلى إعداد العدة والتأهب لمكافحتها». وهو يقصد تايوان والتيبت ومناطق الأويغور في تشينكيانغ. وترى بكين أن التهديد الذي تتعرض له إقليمي. وعلى هذا، خرج الأسطول إلى البحر الأصفر وبحرَي الصين الشرقي والجنوبي. وتجوب سفنه البحار «الخارجية»، حيث لم تبلغ الخلافات والمنازعات الإقليمية والمحلية مرحلة الحلول بعد. وقبل عقدين، تخففت الصين من التهديد السوفياتي. وهي على يقين من إلحاح الحاجة إلى تأمين طرق إمدادها بالطاقة. ويقتضي التأمين حماية السلسلة الأولى ثم السلسلة الثانية من جزر المنطقة، وفتح طريق المحيط الهادئ التي تعترض ممراتها القواعد والسفن الحربية الأميركية. ويلاحظ ديبلوماسي غربي أن الصين تقضم، منذ 10 سنوات، الجزر الصغيرة الخالية من السكان، وتستولي عليها الواحدة بعد الأخرى. وبديهي أن تقلق سياسة الوقائع الناجزة والمقضية هذه دول الجوار. وفي أيلول (سبتمبر) 2010، وقع اشتباك بين حرس بحري ياباني وبين مراكب صيد صينية، فقام شاهداً على خطر صدام يتهدد دول المنطقة. وعلى بوابة قاعدة شنغهاي البحرية، وهي موقع استراتيجي يرابط فيه الأسطول الشرقي، تلوح صورة ضخمة لماوتسي تونغ بتحدي الديموقراطية التايوانية، على 420 ميلاً إلى الجنوب. وترسو في الميناء سفينة البحرية الصينية «الشاهدة» أو الرائدة. ويهدهد حولها الموجُ المخضب بضوء الشمس المائلة إلى الغروب، مئات مراكب الصيد الصغيرة. وتتوسط الفرقاطة الكبيرة بساط المراكب على شاكلة حصن متين يحمي القطيع اللائذ به. وينم التماع الدهان وتألقه عن قرب عهد الفرقاطة بالماء والإبحار. وأما الأسلحة التي جهزت بها القطعة البحرية، من مدافع وقاذفات صواريخ وقاذفات قنابل مضادة للغواصات، فلا تتمتع بمواصفات الحداثة والجدة التي يطمح إليها أميرالات البحرية الصينية. والسبب في التقادم البادي على قطع البحرية الصينية على ساحل شنغهاي هو أن نخبة الأسطول ترابط إلى الجنوب، بعيداً من فضول المراقبين والأرصاد. فمهمتها هي ردع تايوان عن إعلان استقلالها، وقطع الطريق على المساندة الأميركية في حال اندلاع حرب. ففي قاعدة سفلية، بجزيرة هاينان تبيت ثلاث غواصات نووية مجهزة بقاذفات صواريخ «SNLE». وتنتظر تركيب صواريخ باليستية استراتيجية تؤهلها لأداء دور رادع راجح. ويزداد، عاماً بعد عام، عدد دوريات الغواصات النووية الهجومية (SNA). هذا القطاع من الأسطول هو الذي يثير خشية الولاياتالمتحدة ومخاوف أسطولها السابع. ويثير قلق البنتاغون احتمال مبادرة الصين إلى صناعة صواريخ «كروزير» المنخفضة المدى والموازية للتضاريس والموجهة باللايزر، والقادرة على إصابة القواعد والقطع الحربية الأميركية المنتشرة هناك والحؤول دون دخولها المحيط الهادئ الغربي. يتمسك الجيش الصيني، رسمياً، بعقيدة دفاعية خالصة. فيقول الناطق باسم وزارة الدفاع إن النهج السلمي هو خيار استراتيجي يرمي إلى حماية أمن الصين ونموها وقوتها، ونحن استثناء من القاعدة التي تزعم أن بلداً في أوج نموه لا بد أن يسعى إلى الهيمنة والسيطرة. فنحن نريد ترجيح نشأة عالم مزدهر ومسالم، ولن تهدد قوتنا العسكرية أحداً في يوم من الأيام». والخطاب هذا لا يكل المتحدثون الصينيون من تكراره ولا يتعبون، من غير أن يصيب إقناعاً أو يستميل تصديق أحد، وعلى الأخص البنتاغون. فتقرير وزارة الدفاع الأميركية الأخير ينبه إلى تعاظم الوجه الهجومي من نمو جيش التحرير الشعبي الصيني وراء قناع قوة متمكنة ومتمالكة نفسها، وسرعان ما تتصلب وينكمش حال المس ب «هوامشها» الإقليمية، ولا تتستر على مطامحها الدولية. ويلخص أحد الديبلوماسيين الغموض الذي يحيط بمعطيات القوة العسكرية الصينية، فيقول إن عدد الاختصاصيين الذين يلمون إلماماً تاماً بهذه المعطيات ضئيل. فالجيش جهاز ضخم يقوده الحزب الشيوعي الحاكم والقائد، ويلفه بالسرية ولا يُظهر منه إلى العلن إلا ما يحلو له، ويسدل على الموضوعات المهمة، مثل الصناعة الفضائية والحرب الإلكترونية، صمتاً صفيقاً. والجيش الصيني شيوعي، وهو من جهة أخرى، قومي متعصب. وعلى هذا، وعدت بكين بحارتها بحاملة طائرات من صنع الصين وحدها، ومن غير أجزاء مستوردة في 2015. وهي قطعت الوعد نفسه لملاحي سلاح الجو. ويدعى الزائرون في قاعدة تيان جين، حيث يرابط الفوج الجوي 72 ويتولى حماية بكين ومنطقتها، إلى الإعجاب بطائرتين هجوميتين من طراز «J15» تتوسطان مهبط المطار. ويعزو الكولونيل مينغ كينغلونغ حرص الصين على الاكتفاء الذاتي إلى سابقة الأرجنتين في حرب مالوين، أوائل ثمانينات القرن العشرين. فيومها احتاجت الأرجنتين إلى قطع غيار مصدرها بريطانيا، البلد الخصم. ولا تريد الصين أن تجد نفسها في مثل هذه الحال، مهما غلا الثمن. وعلى رغم إنجازاتها التسليحية، وموازنتها الضخمة، تشكو الجيوش الصينية تقصيراً في بعض القدرات الحاسمة، وتفتقر إلى الخبرات العملانية. ويرى ديبلوماسي غربي يعمل في بكين أن جيش التحرير الوطني الصيني يبقى قاصراً عن نقل قوات كبيرة بعيداً من أراضيه الإقليمية أثناء اندلاع عمليات شديدة، وقد لا يتخطى هذا التقصير قبل 2020، والوقت في منظار الصين، ليس مشكلة. فأفق التخطيط هو الأعوام 2020 – 2050. وفي الانتظار، تتعهد الصين بقاء جوارها هادئاً وساكناً، ويمدح قادة جيشها شجاعة جنودهم وإقدامهم وتصديهم للموت من غير خوف ولا وجل. * مراسلة، عن «لوفيغارو» الفرنسية، 4/10/2011، إعداد منال نحاس