في الثاني من آب/ أغسطس 2011، أعلنت اليابان تقريرها الدفاعي السنوي الجديد؛ حيث ركز على التحديات التي يواجهها الأمن الإقليمي. وقد أشار التقرير، بين أمور عدة، إلى تطوّر تكنولوجيا الصواريخ لدى كوريا الشمالية. وكان قد أثير نقاش في السنوات الأخيرة حول إعادة تعريف دور اليابان في الساحة الدولية. وهو ما ترجم في التحليل الأخير بإعادة تعريفٍ للقوة الأمنية اليابانية، نوعاً وكماً ووظيفة، وقد توج النقاش بتعديلات دستورية، أقرت بالمعطى الجديد وشرعته. ما يُمكن قوله خلاصةً هو أن اليابان قد أصبحت أكثر بُعداً عن مقارباتها التقليدية الحذرة للأمن الإقليمي. وأضحت لديها رؤية متكاملة لهذا الأمن، تنهض، بصورة اساسية، على ثنائي القوة الذاتية، والتحالفات الاستراتيجية المعززة لهذه القوة. وبدأت المحظورات التي تنص عليها المادة التاسعة من الدستور في الانهيار التدريجي. وكانت هذه العملية قد بدأت بشكل رمزي في العام 1987، عندما تجاوزت الميزانية اليابانية للدفاع الذاتي، للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، نسبة واحد في المائة من الناتج القومي الإجمالي. وهي النسبة التي كانت تعتبر الحد غير الرسمي للبلاد بالنسبة للإنفاق العسكري. ومنذ ذلك الحين، سن المجلس التشريعي الياباني عدداً من المراسيم، المصممة خصيصاً لتجاوز معضلة المادة التاسعة. وفي العام 2010، حلت اليابان في المرتبة السادسة عالمياً على مستوى الإنفاق العسكري، مسجلة إنفاقاً قدره 54.5 مليار دولار. وهو يساوي 3.3% من إجمالي الإنفاق العسكري العالمي، لكنه لم يتجاوز سقف الواحد في المائة من الناتج القومي الإجمالي للبلاد. ويبلغ إجمالي تعداد القوات المسلحة اليابانية 215 ألف جندي، بينهم 138.4 ألف جندي، هم تعداد الجيش (The Military Balance 2010). ووفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، فقد بلغ إجمالي الإنفاق العسكري في منطقة آسيا والإقيانوس ( هكذا ورد المصطلح) 317 مليار دولار، عام 2010. وجاءت مؤشرات الإنفاق على النحو التالي: وسط وجنوب آسيا 52.1 مليار دولار، شرق آسيا 211 مليار دولار، الإقيانوس 25.7 مليار دولار، وجنوب شرق آسيا 28.7 مليار دولار. وفي شرق آسيا، على وجه التحديد، ارتفع الإنفاق العسكري من 117 مليار دولار عام 2001 إلى 123 مليار دولار عام 2002، ثم ارتفع في السنوات اللاحقة متسلسلاً كما يلي: 128 مليار دولار، 134 مليار دولار، 142 مليار دولار، 153 مليار دولار، 165 مليار دولار، 175 مليار دولار، و195 مليار دولار ( أي عام 2009). وبالنسبة للدول المختلفة في شرق آسيا، جاء تدرج الإنفاق العسكري عام 2010 على الصورة التالية: الصين 119.4 مليار دولار، اليابان 54.5 مليار دولار، كوريا الجنوبية 27.5 مليار دولار، تايوان 9 مليارات دولار، ومنغوليا 54.9 مليون دولار. ولا توجد بيانات مؤكدة مثبتة حول كوريا الشمالية في الإصدارات الحديثة لمعهد ستوكهولم الدولي. ووفقاً لتقديرات مجلة (Jane's Defense Weekly)، الصادرة في 19 كانون الثاني/ يناير 2011، فإن موازنة دفاع كوريا الشمالية لعام 2009، تبلغ حوالي 9 مليارات دولار. ويفوق هذا الرقم ب 15 مرة الرقم المعلن رسمياً من قبل بيونغ يانغ، والبالغ 570 مليون دولار. ومرد الاختلاف هو قياس سعر الصرف. وهذه مسألة معتادة في الدول ذات الاقتصادات الموجهة. إن الأخذ بالتقديرات المعتمدة دولياً يعني أن نسبة الإنفاق العسكري إلى الناتج القومي الإجمالي في كوريا الشمالية تساوي 15%. وفي العام 2009، أفادت تقديرات وزارة الخارجية الأميركية بأن هذه النسبة تصل إلى 22%، وأن حصة الفرد السنوية في كوريا الشمالية من الإنفاق العسكري تساوي 40 دولارا أميركيا. لقد كان من نتائج الوضع الكوري، أن شهدت منطقة شمال آسيا سباقاً محموماً للتسلّح. كما اتجهت الولاياتالمتحدة لإعادة رسمٍ لوجودها العسكري في الباسفيك، سارعت خطاه، إضافة للقضية الكورية، توجهات الصين العسكرية المستجدة. وبالنسبة لليابان تحديداً، فقد تزايدت هواجسها الأمنية منذ العام 1993، حينما أقدمت كوريا الشمالية على إطلاق صواريخ نودونغ، وما تلا ذلك من أزمة الصواريخ الصينية حول مضيق تايوان عاميْ 1995 و1996، وبعدها إطلاق صواريخ (Taepodong) الكورية الشمالية عام 1998. ووصل الأمر ذروته مع تجارب كوريا الشمالية النووية في العام 2006. وفي الرابع من تموز/ يوليو 2009، أطلقت كوريا الشمالية سبعة صواريخ قصيرة المدى، من طراز «سكود». وكانت تلك أكبر مجموعة من الصواريخ ذاتية الدفع تطلقها بيونغ يانغ، منذ إطلاقها سبعة من الصواريخ متعددة المديات في العام 2006، كان بينها الصاروخ (Taepodong - 2). وقد اعتبرت اليابان إطلاق تلك الصواريخ عملاً استفزازياً خطيراً ضد أمن الدول المجاورة. وذكرت صحيفة «مينيتشي» اليابانية، في الخامس من تموز/ يوليو 2009، أن طوكيو تدرس إمكانية استخدام نظام دفاع صاروخي جديد، يطلق من الأرض، لاستكمال وسائل الاعتراض الصاروخية، التي تملكها في الوقت الحاضر. وسبق أن نشر الجيش الياباني وحدات محملة بصواريخ باتريوت، في مقاطعتيْ أكيتا وايواتي الشماليتين. ووفقاً لتقديرات عام 2010، يبلغ تعداد جيش كوريا الشمالية 1020000 جندي، ويبلغ تعداد قواتها البحرية 60 ألف عنصر، وقواتها الجوية 110000 عنصر، وقواتها الخاصة 200 ألف عنصر. ويبلغ عدد سكان كوريا الشمالية حوالي 24 مليوناً و457 ألف نسمة، وذلك وفقاً لمؤشرات العام 2011. وتمتلك كوريا الشمالية 4100 دبابة، و2100 آلية مدرعة، و13600 قطعة مدفعية، و43 غواصة، و134 زورق خفر صاروخي، و164 زورق خفر عادي، وخمسة طرادات، و388طائرة اشتباك جوي، و80 قاذفة، و152 طائرة انقضاض، و217 طائرة نقل عسكري، و215 طائرة تدريب، و302 مروحية عسكرية، وعدد غير محدد من صواريخ سكود بي وسي ( 300 – 500 كم)، والصاروخ (Nodong)، الذي يبلغ مداه بين 1000 – 1500 كيلومتر، والصاروخ (Musadan) بمدى 2500 – 3500 كيلومتر، والصاروخ العابر للقارات (Taepodong - 2) بمدى 4000 – 8000 كيلومتر. وإضافة للبُعد الكوري الشمالي، يُمثل تطوّر الوجود العسكري الصيني في الباسفيك، والمياه المحيطة باليابان، سبباً آخر للشعور الياباني بالقلق. وتحتفظ بكين بحضور مستمر لعدد من قطعها الحربية في مضيق تايوان وبحر الصين الجنوبي، كما سعت لمد نفوذها إلى المحيط الهندي عبر ميانمار. وعلى الجانب الصيني من مضيق تايوان، عززت الصين من قدراتها العسكرية. ونصبت حوالي 450 صاروخاً باليستياً من طراز( CSS – 6). وتشير تقارير أخرى إلى أن الصين توجه نحو تايوان 1900 صاروخ، من الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى. وتحتشد في منطقة المضيق، وفقاً لمؤشرات العام 2010، قوات صينية وتايوانية، تقدر بنحو 400 ألف جندي، وأكثر من 3000 دبابة، و3400 قطعة مدفعية. ويوجد في بحريْ الصين الشرقي والجنوبي، الذي يفصل بينهما مضيق تايوان، 15 مدمرة، و47 فرقاطة، و32 غواصة عاملة بالديزل، وغواصتان عاملتان بالطاقة النووية، و65 زورقا صاروخيا. وتمتلك الصين 38 زورقاً برمائياً، و28 مدمرة، و52 فرقاطة، و54 غواصة ديزل، كما تمتلك ست غواصات عاملة بالطاقة النووية. واشترت بكين مدمرتين روسيتين من طراز (Sovremenny)، ووقّعت عقداً مع روسيا لصناعة سفينتين أخريين، كما اشترت غوّاصتيْ ديزل من طراز (Varshavyanka)، وغوّاصتين أكثر حداثة من الصنف ذاته. ومن أهم الغواصات الصينية المطوّرة محلياً، الغواصة (Type 93)، المزودة بصواريخ (LACM)، والغواصة ( HYPERLINK «http://www.globalsecurity.org/wmd/world/china/type_92.htm» Type 92 Xia )، المزودة بصواريخ ( HYPERLINK «http://www.globalsecurity.org/wmd/world/china/jl-1.htm» JULANG -1 ). ويعتبر الصاروخ ( HYPERLINK «http://www.globalsecurity.org/wmd/world/china/jl-2.htm» JULANG -2 ) أهم صاروخ مضاد للغواصات بحوزة الصين. وهو يعرف في الغرب باسم (CSS-NX-4)، ويبلغ مداه ثمانية آلاف كيلومتر. ويعتقد أنه دخل الخدمة في أوائل العقد الماضي. أما الصاروخ ( HYPERLINK «http://www.globalsecurity.org/wmd/world/china/jl-1.htm» JULANG -1 )، فيبلغ مداه 1700 كيلومتر، وقد دخل الخدمة في العام 1986. كذلك، تحدثت تقارير عن صاروخ جديد مضاد للسفن دخل الخدمة لدى الجيش الصيني، هو الصاروخ (HY) المطوّر محلياً. وتسميته الغربية هي (LACM). وهو ذو مدى يصل إلى عشرة آلاف كيلومتر. ويرجح أن الجيش الصيني حصل عليه في النصف الثاني من عقد التسعينيات. وكانت غواصة نووية صينية قد دخلت المياه الإقليمية اليابانية في العام 2004. وفي العام 2006، قامت غواصة هجومية صينية بتعقب حاملة طائرات أميركية متمركزة أمام السواحل اليابانية في بحر شرق الصين، ومن دون أن تُكتشَف إلى حين ظهورها على سطح الماء. وفي تقرير أصدرته في آب/ أغسطس من العام 2010، قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن الصين تزيد من قدراتها العسكرية بشكل سري. وحذر البنتاغون من خطورة الأمر لأنه «يؤدي إلى سوء فهم ويزيد من خطورة نشوء النزاعات». ويؤكد التقرير أن الصين قد طوّرت صواريخها الأرضية، ووسعت أسطول غواصاتها، وقامت بتحديث ترسانتها النووية. وفي رد على التطوّرات، أعلنت كلٌ من الولاياتالمتحدةواليابان وأستراليا، في آذار/ مارس 2007، عن إقامة تحالف عسكري ثلاثي، تُبع بالإعلان عن مشروع (أو فكرة) لإقامة منظومة دفاع مشترك مضاد للصواريخ في آسيا. وعلى نحو تقليدي، تشكل العلاقات الأميركية - اليابانبة الركيزة الأهم في استراتيجية الولاياتالمتحدة في منطقة آسيا الباسفيك. ويُمكن القول إن طوكيو وواشنطن قد تقاسمتا الأدوار في هذه المنطقة لنصف قرن من الزمن. وهذه الحقيقة لا تزال قائمة، وإن ضمن أنساق مغايرة، أولنقل متغيّرة بفعل تطورات البيئتين السياسية والأمنية. ومن ناحيته، بدأ حلف شمال الأطلسي (الناتو) حواراً استراتيجياًَ مع اليابان، تمثل في عقد اجتماعات نصف سنوية بين مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين. وبالإضافة إلى تلك الاجتماعات، جرى عقد مؤتمر أمني مشترك في العام 1990، تلته سلسلة من المؤتمرات المماثلة. وما يُمكن قوله خلاصةً هو أن اليابان قد أصبحت أكثر بُعداً عن مقارباتها التقليدية الحذرة للأمن الإقليمي. وأضحت لديها رؤية متكاملة لهذا الأمن، تنهض، بصورة اساسية، على ثنائي القوة الذاتية، والتحالفات الاستراتيجية المعززة لهذه القوة.