دخلت صحافية سورية، متحدية المنع، مسلحة بالحذر الشديد وبكاميرا خفيفة، لتخرج وفي حوزتها فيلم وثائقي عنوانه «سورية في جحيم القمع». الفيلم عرضته قناة آرت الفرنسية - الألمانية في برنامجها المعروف «تيما» ضمن أمسية عنونتها: «تصريح بالقتل في سورية»، البلد حيث «التوقيف والمذابح والتعذيب»... صوفيا عمارة صحافية فرنسية مستقلة استطاعت الدخول في آب (أغسطس) الماضي إلى سورية ك «سائحة»، تابعت يوميّات الحركة الاحتجاجية مع أعضاء من لجان تنسيق الثورة، مشت مع النساء في التظاهرات، ارتدت ما يرتدين، تابعت الثائرين في دمشق وحمص وحماة، والتقت منشقّين عن الجيش في الرستن... وعادت بالذاكرة إلى أحداث حماة الثمانينات وضحاياها الذين دُفنوا في الحدائق العامة كما أراها بعض الأهالي. ثمة وجوه في الشريط ظهرت مكشوفة. لم تكترث للخطر، كهذه الأم التي كانت تبكي ابنها على قبره، لم يعد عندها ما تخشاه، فمنذ أربعين سنة يضيع أفراد عائلتها واحداً تلو الآخر «خلال ثلاثين سنة نربي فيهم ليأتوا ويقتلوهم في ثانية»، تقول كمن لم يعد يرى أدنى قيمة للحياة. وجه آخر ترك أثراً، كما بدا من تعليقات المشاهدين، لمواطن من الرستن كان يستنجد بالفرنسية «ساعدونا». في الرستن، صوّرت المخرجة جنازة ضابط منشق، وزارت مقر منشقّين عن الجيش في مزرعة وقدمت وجهة نظرهم، لا سيما أن بعضهم شارك في القمع من قبل في درعا. وفي حمص التقت طبيباً أخبر عن أساليب غير طبية تُستخدم في المستشفى العسكري، عن بعض اطباء فيه وممرضات «مسلحين»، عن «قطع الأوكسجين وعن مصاب دخل برصاصة في الفخذ وخرج برصاصة في الرأس»... أعطت صانعة الفيلم الوقت لنشطاء ومواطنين عاديين ليتحدثوا عن «الظلم، الكثير من الظلم، عن سلمية المتظاهرين، عن التعذيب...» بصوت مفهوم وصورة واضحة لا يتوافران في الغالب في النشرات الإخبارية التلفزيونية. فقدمت صورة عن قرب، وقرب شديد من الداخل، عن أشخاص، عن تحركات، عن لحظات بدء التظاهرات، عن مشاركة أفراد من «حزب الله» مع الجيش السوري... لكنها اكتفت بعرض بوجهة نظر واحدة. فهل هذا يعود إلى رغبة المخرجة بعرض «المخفي» و «الممنوع» على وسائل الإعلام بكل أنواعها؟ بتقديم صورة مغايرة للمتاح الذي توفره وسائل الإعلام الرسمية في سورية؟ بالتعريف ببلد حيث «الأموات فقط هم من يُكشف عن أسمائهم» كما قالت؟ الشريط كان الأكثر مشاهدة على موقع المحطة عند بثّه على الشاشة الصغيرة، وأثار «التشات» مع المخرجة اهتماماً كبيراً من المشاهدين. والمحطة قدمته في الأمسية نفسها مع وثائقي آخر حلّ الثاني في نسبة المشاهدة بين الأفلام الوثائقية التي تعرضها المحطة، عنوان هذا الأخير «سقوط العائلة ...» (سيعاد بثّه في 19 و27 من الشهر الجاري)، وهو جاء ليساعد على «فهم ما يجري اليوم» في سورية. أبرز هذا الوثائقي، كيفية وصول عائلة الأسد إلى الحكم عبر صور من التاريخ ومقابلات مع معارضين ومحللين ومسؤولين سابقين أميركيين وفرنسيين.